الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش المقبرة

علي غشام

2019 / 9 / 3
الادب والفن



طالما ازعجه صرير الواح دراجات السُلَّم وهو يحاول ان يصعد الى الطابق العلوي لكي يأخذ قيلولة في غرفته التي استأجرها في ذلك الفندق الرخيص الذي تفوح منه روائح نتنة تكدّر صفوه غفوته .
في ذلك اليوم لفت انتباهه ثلاثة اشخاص يحملون اوراقاً بايديهم وحقائبَ يعلقونها على اكتافهم بانت له مملوءة باشياءَ ثقيلة لا يعرفها .
نظر احدهم اليه وهو متجهم فشاح بوجهه عنه وواصل صعوده السُلَّم فانساه تواجدهم صرير الألواح هذه المرة وأشغل تفكيره بفضول عن شخصيات أولئك الثلاثة البدناء وحقائبهم ..؟!
ابلغه في اليوم التالي صاحب الفندق انه باع فندقه ويجب عليه البحث عن فندق آخر فالشاري يريد ان يهدم الفندق ويبني مكانه واحدا آخر حديث الطراز فالمدينة لا يليق بها فندقا بسيطا ومتواضعا ورخيص كهذا ..!
فاجئه احد الاشخاص الثلاثه وهو يتحدث بلغة عربية ركيكة جدا بين الفصحى والعامية وهو يطلب منه مغادرة الفندق ..!
لملم اغراضه بوجه علته مسحة بؤسٍ واضحة وحنق يخفيه يكاد يقتله وهو يستمع لكلام ذلك الشخص الذي يتحدث باسم المدينة التي تضخمت حدَّ الانفجار وهي تكتض بالناس الغرباء الذين لا يجدون صعوبة في السكن والمعيشة عكسه تماما رغم انه أبنها الذي ولدَ وترعرع وتربى فيها وهو يكدّ ويكدح حتى بات وحيدا وعاجزاً يقتات على بيع اشياء بسيطة فيها توفر له حداً كافيا لاجرة الفندق والطعام البسيط ..
لم يتفاجئ حينما رأى الفندق يتهاوى تحت اسنان الجرافات واعمال الهدم حيث انتهت حياته فعليا في ذلك التاريخ الذي هوى عليه بتركة ضخمة من المرض والعَوَز والفاقة واصبح يشعر بالخوف والفقر اكثر والغربة اكثر فطالما مَثَلَ له ذلك الفندق سكناً آمناً وملجأً مريحا رغم كل شيء ..!
شعرا وكأنه هلامي أو شبه سائل ينساب في مجارير تلك المدينة التي يعتقد الجميع انها فاضلة اشتد غضبه حينما رأى مختار مدينته يتمشى مع رجل ليس منها وهو يبادله الابتسام ويتحدثون بلغة غريبة فيها تذلل وخديعة يتذكرها جيدا فهو سمعها غالباً في ازقة محدودة من مدينته ..!
احس ان شيئاً ما يذوب منه ببطء ويتوارى في اسواق المدينة الصاخبة بالكذب والضوضاء الذيّن بدأى ينتشران فيها واهلها بدوا وكأنهم حينما يخرجون من بيوتهم مجسات لصراصير او ذباب صغير جدا يقتات على جيف منتشرة على اسفلت الشوارع واصبح يشتم نتانة روائح اكثر من المرافق الصحية للفندق القديم ..
الجدران اخذت تطبق عليه حتى ضاق تنفسه فلم يعد احدا في المدينة يتحدث لغته او يلقي نكتة ما او يرحب به بتلك الطريقة التي تشعره انه مازال على قيد الحياة فلجأ الى المقبرة القريبة يبحث عن مأوى يقضي فيه ليلته حتى آوى الى قبر قديم متروك او منسي في زحمة القبور التي تكاثرت كالأميبيا أو البكتيريا وهو يشعر بذل متضخم في نفسي ورأسه بدا ثقيلا جدا لا يستقيم على بدنه .!
غفى اول الليل وهو مازال يسمع زائري تلك القبور وبكائهم وادعيتهم حتى غط بعدها بنوم عميق جداً وهو مازال يرى وجها يقترب منه ببطء شديد حتى بانت معالمه بوضوح فاذا بها إمرأة حسناء صغيرة السن تحمل بيدها رغيف خبز مازال يحتفظ ببعض دفء التنور وهي تبتسم دون حديث ناولته الرغيف اكل منه بنهم وهو يشعر بجوع رهيب فسألها من انت وماذا تفعلين هنا بوسط القبور في مثل هذه الساعة فقالت له انا ميته منذ زمن بعيد فلقد فارقت الحياة منذ ستة عشر عام خلت حينما خطفوني جيراننا واغتصبوني وقتلوني وانا الان جثة هامدة في هذه المقبرة وهذا قبري الذي انت تنام على شاهدته ..
سألها عن اسمها فلم تجب سوى بدمعٍ يترقرق على مقلتيها وصرفت بوجهها عنه واختفت بين القبور وسمع صوتا يوقظه بتلك اللغة التي يمقتها ..
انهض يارجل لا تسحقك عجلات الآله فلقد اشترينا المقبرة وسنوسعها باتجاهاتها الاربع..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس