الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين صدام حسين وعبدالخالق السامرائي .. (2)*

جعفر المظفر

2019 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



وستكون المقارنة بين الشخصين مقارنة متوازنة بسياقاتها, على شرط أن تكون موزونة بمفارقاتها, وسيساعدنا ذلك على الإلمام بشخصية صدام الإنفجارية التي قيض لصاحبها أن يكون على قدر كبير من الميول العُنفية, على عكس صاحبه في البداية وعدوه فيما بعد, عبدالخالق الذي عايش طفولة مدينية خلت من المحطات والتوقفات المربكة التي عادة ما تزرع في النفس البشرية ميول العداء والكراهية وحوافز الثار والإنتقام.
لقد كان السيد إبراهيم والد عبدالخالق (بنّاء) بيوت من الجيل الذي كان يعمل بإخلاص ودراية حتى يترك مع البيت الذي يبنيه ذكراه الطيبة, ولقد خدمني الحظ لألتقيه في داره في حي الخضراء فوجدته بسيطا مثل ماء وكريما مثل نخلة.أما والدة عبدالخالق فلو سألت أي من الجيران عنها لأخبرك أنها كانت مثالا للطيبة والكرم.
أبو نجم" مقاول البناء الذي بنى داري في منتصف السبعينات كان لا يتقن القراءة إلا بصعوبة لكنه في قضية البناء كان مهندسا ونصف. ولأن العادة جرت على أن يبدي صاحب البيت قدرا من الإهتمام والمتابعة قررت ذات مرة أن أذهب مبكرا عند الفجر حتى يشعر أسطى البناء أبو نجم بأنني يقظ ومتابع ولا تفوتني شاردة.
ضحك "أبو نجم" حينما رأني لأنه عرف إني سألعب دور الشاطر. صحيح إنه لم يكن يعرف قراءة الكتب غير إنه كان يعرف كيف يقرأ الوجوه جيدا.
بعيدا عن العمال وبعيون ما زالت نصف مقفلة على نومة أجبرتني زوجتي أن لا أتمها قال لي أبو نجم, إعلم يا دكتور إنني مع كل دار أبنيها فكأني أبنيها لنفسي. كم مرة ستتمكن من المجيء لإشعاري بإهتمامك ورقابتك, ربما يوم ويومين أو ثلاثة, بعدها سأراك تتعب وتكف عن المتابعة. أرجوك ضع ثقتك في صاحبك فهو أدرى منك بشؤون البناء.
بعد ربع قرن من الزمن, حينما أردت توسعة داري وبناء طابق علوي صغير, إحتاج العمال إلى كسارة من النوع الثقيل حتى يزيحوا طبقة الإسمنت المقاوم التي ستمنحهم مكانا آخر للإضافة, وراح إسطى البناء الجديد يدمدم : وهل أراد لك أبو نجم قصرا يدوم لألف سنة حتى يبنيه بهذه القوة والمتانة.
بصدق اقول إنني لم أعثر على اي شخص من معارف (الإسطى إبراهيم) إلا ويصف أخلاصه في عمله وصدقه مع الناس إلا كما أصف أنا الآن ذلك الرجل الطيب (أبو نجم).
وسأسأل ما الذي يمكن لإسطى إبراهيم ساكن (القلعة) في سامراء, ولزوجته الكريمة الطيبة أن ينتجا غير ما تنتجه نخلة تتغذى طيلة عمرها على الماء الصافي.
في المقابل كان صدام حسين إبنا للعوجة. وفي الثلاثينات والأربعينات والستينات من القرن العشرين, حين ولد ونشأ صدام, فإنه لم يكن من الحق إعتبار (العوجة) ريفا حتى يقال أن العراق قد (تريَّف) بها, بل كانت العوجة عبارة عن صحراء لم تكمل بعد إنتقالها إلى حياة الريف. ولذا فإن من الحق أن يقال أن العوجة قد "عَوْجَنت" العراق و "صَحْرنَته" بدلا ان يقال أنها "رَيّفته".
أما المختصون بعلم النفس فيؤكدون على أن الإنسان هو في الأصل إبن بيئته الأولى وإن شخصيته تتكون في مرحلة الطفولة ومطلع الشباب. وفي بيئة صحرائية كتلك التي نشا بها صدام, ومع طفولة معقدة ومركبة كالتي عاشها لم يكن مقدرا لبنائه النفسي إلا أن يكون مليئا بالعقد التي من شأنها أن تربك شخصيته لتجعله يعيش وفي داخله وحش يحاول دائما الثأر من المحيط.
وصدام هو الذي قال (كنت أنام بعين مغمضة أما الثانية فأتركها مفتوحة لكي لا أتعرض إلى الغدر, وكان السلاح بإستمرار تحت مخدتي). فهي إذن بيئة عاشت على الخوف وهو إذن رجل كان يغزو قبل أن يُغزى ويَغدر قبل أن يُغدر.
ورويَ لي أن قريبة لصدام كانت زغردت حينما دخل عليها إبنها الذي كان في الثالثة عشرة من عمره وأعلنت بعد أن إستردت أنفاسها (أن إبنها صار رجلا هذا اليوم), وحينما سألتها الضيفة عن الوصفة السحرية لرجولة ولدها أجابت (لقد شارك محمد في هذا اليوم أولاد عمه صدام صيد الخونة) وظهر ان "رجلها" الجديد شارك (قصي صدام) في التصويب على جسم الشهيد عبدالخالق. أما (عدي) زين الشباب فقد كان الشهيد (محمد عايش) من نصيب رجولته.
وحينما طلبت إمرأة من السيدة صبحة والدة صدام مساعدتها لإنقاذ إبنها المحكوم بالإعدام بسبب طَرْفةٍ كان الإبن قد رواها عن صدام فإن السيدة الوالدة لم تتردد عن المساعدة فرفعت سماعة الهاتف لتخبر إبنها على الطرف الآخر (شوف "إصْدام" في المرة القادمة حينما تحكمون على رجل بالإعدام " إجْتلوه " في لحظتها حتى لا يُصدع أهله رؤوسنا بطلب المساعدة). لكن والحق يقال أنها أمرته بعد ذلك بإطلاق سراح الرجل ففعل وفاء للحليب الذي رضعه.
أما خيرالله طلفاح خال "هبة السماء للأرض" صدام حسين فأنا أحد الشاهدين عليه أنه لم يكن يتحدث من فمه لأن نصف ما كان يخرج من منه عبارة عن شتائم رخيصة حتى تكاد تحسب أن لكلامه رائحة كريهة.
وأما زوج الأم إبراهيم الحسن فأكرم به من معلمٍ للرجال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القسم (10) من ( بعض من بعض الذي كان)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البكر وصدام
منير كريم ( 2019 / 9 / 4 - 05:50 )
تحياتي للاستاذ جعفر
البكر هو من قوى موقف صدام واتخذه نائبا له لتصفية خصومه لفرض المجموعة التكريتية في قيادة الحزب الى ان غدر صدام بالبكر وابنه وجماعته
هل تعتقد ان اناسا جيدون كعبد الخالق يمكن ان تستمر في هكذا احزاب قائمة على الفكر المطلق والعنف دون ان تتلوث او تقتل؟
شكرا جزيلا
شكرا للحوار المتمدن

اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل