الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية ماهر جايان للاستعمار الجديد وقراءة تاريخية عامة

محمد مير سعادة

2019 / 9 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


رؤية ماهر جايان للاستعمار الجديد وقراءة تاريخية عامة

عندما وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها بدأت الشعوب المتحاربة تلملم جراحها وتتفقد قتلاها وجرحاها، بينما جلس الحلفاء المنتصرون يقسمون غنائم الحرب ويرسمون خريطة العالم الجديد، ويوزعون أماكن سيطرتهم الجديدة، هذا البلد وتلك الولاية وهذه المدينة الخ ..

وكما يقول المثل ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب وانقشاع دخانها، حيث ظهرت دولة عظمى جديدة من بين الركام والدمار وهي الولايات المتحدة الأمريكية، منتصرة منتشيه بينما الدول العظمى الأخرى كانت في آخر أيامنها منهكة وهي بريطانيا وفرنسا وبقية الدول الأوربية وأعتبر البعض أن أوربا كلها كانت خاسرة فعليا ً ولا وجود لمنتصر فعلي.

ومع بداية الخمسينات من القرن الماضي بدأت أوربا الجريحة تعيد ترتيب أوراق مستعمراتها في أمريكا اللاتينية وافريقيا واسيا حيث لازالت ترتدي رداء الاستعمار المتعارف عليه بالبندقية والبدلية العسكرية، وفي هذه الأثناء كانت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في سباق آخر وهو سباق التوسع والسيطرة في قارات العالم كلها، ليبرز للعالم مصطلح القطبين وصراع طويل بينهما، وسيشهد جولات من حروب ساخنة وباردة.

هنا وفي هذه المرحلة بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ومن ورائها الإمبريالية العالمية بالعمل على خطة جديدة للسيطرة على أكبر عدد ممكن من الدول التي لم تعد تقبل بإن تكون مستعمرات تقليدية للإمبراطوريات القديمة، حيث سعت ودعمت ونظمت الولايات المتحدة عملية استقلال هذه البلدان وإعلان الجمهوريات المستقلة والدويلات والممالك الصغيرة في افريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط بينما حاولت بالحرب المباشرة السيطرة على بعض دول شرق آسيا ومنها فيتنام مثالا ً.

في ذات الوقت كان الاتحاد السوفيتي يبني علاقات استراتيجية مع الجمهوريات المستقلة الجديدة ويدعم تحولها لنظام اشتراكي معتمدا ً على المد الشيوعي فيها، حيث كان له نصيب كبير من العلاقات المتينة في قارات العالم الثالث ليكون منافسا ًعنيدا ً للولايات المتحدة.

ومع دخول مرحلة الستينات أصبحت حرب السيطرة الخفية أكثر علنية ووضوحاً بين القطبين العالميين، حيث انقسمت الدول الجديدة بين اشتراكية شيوعية وجمهورية راديكالية، وراحت الثورات تندلع هنا وهناك ممتدة لتشمل كل القارات تقريبا ً.

وجاءت هذه الثورات ردا ً على محاولات الولايات المتحدة والإمبريالية وضع يدها على هذه الدول لكن بطريقة جديدة وأسلوب جديد وهو ” الاستعمار الجديد ” حيث دعمت الولايات المتحدة وصول شخصيات وأحزاب ورجال دين معينين إلى السلطة ليكونوا على علاقة مباشرة معها بالخفاء وتسيطر هي على مقدرات هذه الدول ومصيرها.

فكانت الثورة الكوبية من أبرز الثورات في أمريكا اللاتينية على حكم باتيستا بقيادة غيفارا وكاسترو حيث انتصرت بالنهاية وكانت ضربة قاصمة للإمبريالية في نقطة مهمة من العالم حيث أثرت لاحقا ً على كل أمريكا اللاتينية وخسرت الإمبريالية حربها لاحقا ً في تلك القارة.

أما في آسيا فكان نصيب الولايات المتحدة أفضل منها في امريكا اللاتينية حيث استطاعت السيطرة على اليابان تلك الدولة الخاسرة في الحرب لتجعلها لاحقا ً هي وكورية الجنوبية معسكرات في خاصرة الصين الشيوعية، ولتكون تلك الدول مثالا ً واضحا ً عن الاستعمار الجديد، بينما خسرت معركتها في فيتنام وبعض الدول الآسيوية لصالح الشيوعية والصين والاتحاد السوفيتي.

اما في أفريقيا فكان الصراع على أشده حيث دعمت الولايات المتحدة انقلابات عسكرية لتسهل وصول قيادات تتعامل معها بينما دعم الاتحاد السوفيتي الاتجاه المضاد وظلت الحرب بينهما لسنوات طويلة بين مستعمر جديد وثوري يحارب الاستعمار الجديد.

اما في الشرق الأوسط فكان الحال ذاته بين جمهورية مستقلة هنا وأمارة هناك وتقاسمت الإمبريالية السيطرة بالتوازي مع المد الاشتراكي وكانت حروب شرسة لكن خلق الكيان الصهيوني كان لصالح الولايات المتحدة والصهيونية والإمبريالية وأضعف الموقف الاشتراكي المضاد في دول المواجهة مثل مصر وسورية وأنتج حرب لبنان حتى انهيار المعسكر الاشتراكي لتستمر الحرب لاحقا ً في العراق وسورية.

وفي العودة للستينات حيث كانت مرحلة تكون جديدة في تركيا تلك الدولة الكبيرة التي خرجت خاسرة من حربين عالميتين وأًصبحت جمهورية مستقلة تتناصف بينها العلمانية والنزعة الدينية التركية القرار السيادي.

وموقع تركيا الجغرافي بين قارة أوربا واسيا جعلها مهمة جدا ً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ولاحقا ً لحلف الناتو، حيث استطاعت السيطرة على مقدرات تلك البلد وقرارها السياسي في مرحلة الخمسينات ولاحقا ً في الستينات من خلال الانقلابات التي دعمتها والاتفاقيات التي وقعتها الحكومات المتعاقبة فيها مع الولايات المتحدة لتسلم البلد اقتصاديا ً وسياسيا ً لحلف الناتو والامبريالية العالمية.

وهنا في هذه المرحلة المهمة برزت أولى الشخصيات الثورية التي آمنت بالفكر الشيوعي الماركسي اللينيني والتي وعت لمخاطر الامبريالية العالمية وكان من أبرز تلك الشخصيات القيادي المناضل ماهر جايان الذي قرأ واستشرف الخطر المحدق بالشعب التركي بعد أن قرأ واطلع على التجربة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي والثورة الفرنسية بعد أن زار فرنسا وعرف تجربتها عن قرب ومن ثم تأثر بالثورة الكوبية والمناضلان غيفارا وكاسترو ، حيث شكلت تلك القراءات رؤيته الفكرية الخاصة بالرغم من صغر سنه حيث كان قائد ً في العقد الثاني من العمر.

ماهر جايان أيقن ما تدبره الإمبريالية ضد الشعب في تركيا والعالم بشكل عام، وأطلق تسميه الاستعمار الجديد على هذه الخطة التي تعمل بها الولايات المتحدة الأمريكية وقرر إنشاء حركة ثورية مناهضة لهذه الخطة حيث أخذ على عاتقه واجب الدفاع عن الشعب المظلوم.

فبدأ يعمل مع بعض الثوريين الشباب على تأسيس الجبهة الثورية ومن ثم أسس الحزب الجبهوي لتحرير الشعب في تركيا مطلع السبعينات وراح ينشر فكره ونظرته للاستعمار الجديد والإمبريالية بين طبقات الشعب الكادحة من عمال وفلاحين وأبناء الطبقة المتوسطة في كافة المدن التركية.

وأدرك جايان بوعيه السياسي والفكري أن الخطر القادم يشمل تركيا والشرق الأوسط والعالم فخرج من نطاق تركيا ليتجه إلى القضية الشرق أوسطية المصيرية وهي القضية الفلسطينية، وحين أنتقل من مرحلة التأسيس الفكري السياسي وأسس الحزب الذي سوف يقود النضال السياسي أيقن أهمية بدأ العمل العسكري الفعلي ضد الاستعمار الجديد.

فبدأ مع رفاقه عمليات عسكرية ضد حلف الناتو في تركيا ومن ثم كانت عمليته ضد السفير الصهيوني افرام الروم حيث اهداها إلى الشعب الفلسطيني ليؤكد أن الحرب ضد الامبريالية هي حرب كل الشعوب المضطهدة وهي قضية أممية بامتياز وليس قضية محلية في دولة معينة أو لشعب معين فقط.

وهنا أكد ماهر جايان أنه قائد أممي ثوري ومناضل حقيقي سياسيا ً وعسكريا ً وراح يقود العمليات العسكرية ضد المصالح الامبريالية وفي ذات الوقت يبني حركته الثورية وحزبه النضالي ويدعمه بأبناء الشعب الذي اضاء لهم دربهم فكريا ً وسياسياً حتى كان يوم استشهاده في قزلدرة عام 1972 مع مجموعة من رفاقه على يد الفاشية التركية العملية للإمبريالية العالمية.

وختاماً نتطرق لما قاله ماهر جايان عن مصطلح الاستعمار الجديد حيث وصفه بأنه الرداء الجديد للإمبريالية في سعيها لاستعمار الدول النامية الخارجة من رداء الاستعمار القديم، حيث أكد أن هذا النوع من الاستعمار يأتي على مراحل وهي مرحلة تعيين رجال تابعين وعملاء في مناصب قيادية رئاسة أو وزارة ومن ثم تأمين مجموعات اقتصادية تمسك بمقدرات البلاد ليصبح القرار السياسي في خدمة المصالح الاقتصادية المرتبطة بالإمبريالية العالمية.

وأكد أن تركيا هي أبرز مثال لهذا الاستعمار حيث سيطرت الامبريالية عن طريق الحكومات المتتابعة في تركيا على المصالح الاقتصادية ووقعت اتفاقيات اقتصادية وسياسية وأصبحت الولايات المتحدة هي من تحكم تركيا من خلال رجالها.

كذلك عملت أمريكا على تعيين كبار الضباط التابعين لها في مناصب قيادية ليكون القرار العسكري مرتبط مع القرار السياسي وكلها شبكة واحدة ترتدي لباس الاستعمار الجديد، حيث يرى جايان أن تركيا التي أصبحت عضو في حلف الناتو هي مستعمرة لحلف الناتو فعليا ً والشعب التركي أصبح شعب مستعمر لكن بوجه جديد.

حيث أن الفلاح والمزارع في القرى النائية لم يعد يستطيع الحصول على كامل رزقه بل أصبح عبداً لهذا الاستعمار، كذلك العامل الكادح في المصنع أصبح رقماً منتجا ً بدون حقوق أو ضمانات له وكذلك أصحبت بقية الطبقة العاملة والكادحة تابعة للمنتج والمصدر والحاكم والمستعمر.

وختاماً من المهم أن نقول إن رفاق ماهر جايان لازالوا يناضلون ضد الامبريالية العالمية والاستعمار الجديد في كل مكان من هذا العالم إعلاميا ً وسياسيا ً وعسكريا ً ضد كل وجوه الاستعمار التي تتبدل في كل مرحلة لخدمة الامبريالية العالمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة يدعو الدول العربية لاتخاذ موقف كالجامعات الأمريك


.. 3 مراحل خلال 10 سنوات.. خطة نتنياهو لما بعد حرب غزة




.. جامعة كاليفورنيا: بدء تطبيق إجراءات عقابية ضد مرتكبي أعمال ا


.. حملة بايدن تنتهج استراتيجية جديدة وتقلل من ظهوره العلني




.. إسرائيل تعلن مقتل أحد قادة لواء رفح بحركة الجهاد