الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل في جحيم الكتابة (اللاتماسك)

احمد يعقوب ابكر
قاص وناقد

(Ahmed Yagoub)

2019 / 9 / 6
الادب والفن




فصلٌ في جحيم الكتابة ( اللّاتماسُك)

(قبل أن تقرأ هذا النص ، تأكد أن كاتبه ملْتاثٌ عقله، بنهضة جزر شيطانية من ركام أرخبيلات التصحّرِ وجفاف الطحالب).
قال أبي في أمسية ما وهو يرتل سورٌ من صُحف ميلادي: "يوم ميلادك اقسمت قارئة الفنجان (فاطنة) الوداعية في جلسة قهوة في ذات ظهيرة قائظة ،على اطراف ظل البيت المائل لأمك، انه سوف يكون لك شأنا عظيماً ، وستحمل بذور الشتات وجينات الضياع ،فعندما افترشت الارض ورمت بودعها ثم كسرت بيضة واطعمتها اديم الكوكب الفاني خرّت ساجدة ثم كبرت وقالت لي ان آذن لها بالرحيل ، وعندما سألتها مستفسراً عن ( بياضها) افرجت ساقيها وسرعان ماهربت من هول المشهد ففي لمحة خاطفة من البصر عرفت ان مجموعة من الخونة والمارقين والاخوان المسلمين والثوريين الانتهازيين ،واولاد الحلال والحرام قد عبروا من ذاك الفجاج"
(1)
قال الراوي وهو يتجشأ خمور عتيقة في أمسيات عجائبية مفاخذاً شبق زجاجته المترعة بالحنين الغابر لازمنة ابليسية: وحيدٌ ، أهجس بهذايانات تائهة في شتات الدهور السحيقة وقراراتها اللانهائية، وكرجل أسير ومصفّد بالنوستالجيا ومكبّلٌ بالذاكرة الملتاثة بأزمنة الغروب ، وحنين النوارس الى المياه الزرقاء ،أو حبيبة تغزل خيوط منديلٌ لحبيب لن يأتي أبداً، أستيقظ في ذاك الصباح الذي يهسهس بنوافل لن تبلغ حُلمها الطقسي بعد؛ ومستعيذا بالنبيذ المعتق منذ حقب محاورات سقراط واقريطون ،أتساءل في أثناء تشكل الفضاء الازرق بملائكة حالمين تائهين مبهوتين نافثاً دخان سيجار ملفوفٍ على ساق فتاة لم تحيض بعد،هل قلت أنني أحلم بمدن عذراء؟ هل لعنتُ تلك الازمنة التي إنفصلت عن السُّرة والتاريخ ؟ وعلى مشجب الذاكرة تركت بقايا فتات من أحلام صدئت مساميرها بتمثلات وتهويمات تشكلت على خارطة هويات الحِقب وسيقول صوتٌ نابع من قرار الاعماق أكتب .
(2)
وفي تلك المساءات الحالمة ،في ذروة شبق الهزيع الاول لليل إمتطيت ذلك الجسد النرجسي والشيطاني وفوق ذلك التل ، سبحتُ كسمكة هاربة من شرك صياد ،فوق جسدها المرمري والمصون والمحروس بروح الاسلاف وبركات تراتيل المتصوفة في المسيد تطّهرت برغم عظيم الخطايا ، وللأزمنة القديمة والنسل المخفي في رحم العصور،ثأرتُ، لم أشعر بالليل ، عارياً كما تولدنا امهاتنا من دون شهوة ،أتاني الصبح وانا أتفتح كياسمينة بيضاء تلاعبها فراشة داخل غرفة منفردة مغمورة بالموسيقى والغابات والنهر، أتجشأ حلمي وابتسم لقوس قزح عبر فضاء الصباحات الخريفية ، وفي قمة الفرح أو التعاسة ومضغ اللذة التي تستعاد الان ،أتكوّر في رحم الغيب ذرةً أو بشراً تملأه بثور الماضي والشتات ، حين أدرك في لا وعي ،أنّ هذا الصقيع قد ضرب الروح ونقي ّ العظام ،والضياء ساطع مترع باناقته ،وأن صوت الموسيقى يتغلغل كنشيج طفل أغتصبت لعبته ،وان ساعة جيفارا تعطلت من البرد في بوليفيا ، لقد قيل ان الجبال هناك شاهقة مكسوة بالجليد .وآنها اكتشف أن هذا الرجل يكمن هناك في حقوى انثى بين الزغب الخفيف في جغرافيا لن تطؤها الشمس ابداً، منطوياً على نفسه في ظلمة سحيقة ، رجل معزول عن حركة التاريخ والاقتصاد والنجوع والوهاد،متصدعاً ، وطبقاته الجيولوجية تجتاحها أركيولوجيا صهيل حلمه المفتت حينها غمست ريشتي في محبرة الزمن وبدأت أكتب.
(3)
وفي أزمنتنا الكلبية هذه؛ على مرمى نظرة من الضفة الاخرى أنقشعت سحابة اللاتماسك وراء ستار زجاج المدن ، الرتابة ، صهيل خيول الخوف ، الكلمات المبتذلة ، هرولة الجنود ، الحيض على الذات ،البول على العقول، البثور والخراء في وجه ناقة الحضارة، وهاانتذا في الربع الاول من الالفية الثانية ، في عقدك اللامعلوم والدونكيشوتي وفي حقب البحث عن زمنك الضائع كمارسيل بروست ـ تقول لروحك المتصدعة وانت في هدأة الاغساق :صلّي اليوم فقط ، توضأ بعُقدِك ونرجسيتك الطاغية ، صلّي فرضا أو نافلة تزجي بها هذه الدهور ، قال : إمتشقت لواء العناد محاولاً لجم عقلي الذي يأبى ان يصلي لاله متوهم ، قررت أن أصلي لانني فقط موجود وفقا لكوجيتو ديكارت، ولتيقظات بودا ، على الفسقية ركعت أو سجدت لايهم؛ فالمهم أنني أغتسلت وتوضأت بمحابر نيتشة وهنري ميلر ، وتناسيت عن عمد مسجد الحمراء وكنيسة المهد وطقوس الزار ، وارواح الاسلاف وقرع الطبول ،وحين بحثت عن قبلة أُيَمِّمُ وجهي شطرها ، رأيت المرأة ، والشعر ، والوطن والمتاريس ، والمناحات ، الثورة المسروقة ، أولاد البحر ، اولاد الغرب ، اولاد الزنا، وطحالب المنفى ، والسراخس المحنطة واميبا الازمنة الانشطارية ،والجنجويد ، ومثقفي الباطل ، والالهة المصنوعة من عجوة، والكتب المكدسة فوق كراسي الغرفة ومنفضة السجائر ، وبضع كؤوس من خمر لم تجف بعد على قميصي، وفي الافق رأيت الغزلان مصابة بانفلونزا العصافير ! سبحانك ، سبحانك ،آنها قررت في اعماق ماضيّ السحيق ان استقبل الذات وأؤدي صلاة خاشعة ، وسوف ارفع أكفي لاناي العليا وساتمركز في لوغوسي الذي توهمته ،وإذْ أتجه مُيمِّماً وجهي شطر قدسية ذاتي ، خاشعاً عارياً الا من الكلمة التي صارت جسدي – سابحاً في بحور العرفان وبركات الاسلاف ويباس الطبيعة والدلافين الزرقاء أرى طيفاً أو لاأرى أفقاً ،إني أرى هشاشة الانسان وضعفه ، هرمونات الموت تحقن في الشرايين والاوردة، الفراشات المذعورات من حملات الورود الانتقامية ،صهيل الخوف في هذا الكوكب الابليسي ، تفسّخ وجه ما يدعى بالحضارة الانسانية، البثور البثور في وجه روح البشر التافهين ،المنافقين والتواقين لارتكاب الاثام .
وأُدرك الان، أنّ روحي هائمة على سطح المياه والغمر ،وأن افضل طريقة لمواجهة هذه الحلكة والانشطارات ، هي الكتابة ، وهاأنذا أكتب بكل خبلٍ في ازمنة اللاتماسك وفي حجيم القراطيس البيضاء والمحابر الزرقاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا