الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حَرّْبَا...، ذاكرَة الكُومِيدِيا في فاس

ادريس الواغيش

2019 / 9 / 7
الادب والفن


لا أعرف من رَسَمها من الفنانين المَهَـرة وقد لا ينتبه إليه الكثيرون، لكن هذه الجدارية الكبيرة المُنتصبة في شارع "الوَفاء" بفاس على عُـلوّ عمارة من أربعة طوابق، تحمل بورتريه أشهر كوميدي عرفته فاس وتخلد اسم فكاهي جاء سهوًا من منطقة تافيلالت، هي المعروفة بجدّية سكانها وصلابتهم، وقادته الصُّدفة أو ظروف العيش كي يصبح واحدًا من أشهر من أضحكوا ساكنة العاصمة العلمية لسنوات، بل أجيالا بكاملها على مدى عقود عديدة بدءًا من نهاية الخمسينات من القرن الماضي.
يقول الراوي أن "حَـرّْبَـا" قَـدِم إلى فاس صحبة أحد أفراد بلدته بحثا عن عمل، لكن طال به المقام في أحد فنادق "أبي الجنود" المتواضعة دون جدوى، وفي أحد الصباحات سيكتشف أن صاحبه قد اختفى وبمعيّته ما تبقى من نقود، وعليه أن يتدبَّـر أمر ثمن تذكرة الحافلة التي ستعيده إلى "قصر السوق"، وبما أنه متأكد من امتلاكه مَوْهبة إضحاك الناس، فكر في جمع مبلغ من المال قصد الرجوع إلى بلدته الصحراوية التي لا يُعرف عنها شيئا، وكأن الناس بجميع أطيافهم، من مثقفين وغيرهم، لم يكن يهمُّهم من "حَـرّْبَـا" غير ضحِكِـه، وبالتالي كل ما دُوِّنَ عن شخصية "حَرّْبَا" فيه كثير من التضاربات والتناقضات ولا يخلو أيضا من غُموض، وحصل في المُقابل إجماع حول كونه شخصية كوميدية استثنائية في تاريخ فاس.
لكن نسي هذا الأخير أنه سيكتب له التاريخ مسارا مختلفا، ومن المفارقات وغرائب الصدف أن "حَـرّْبَا" الذي طال به المقام بعاصمة المولى إدريس الثاني فكاهيا ومسرحيا كوميديا شهيرا، سيموت فيها فقيرا منعزلا ونكرة نسيا منسيًّا.
هذا الكوميدي الساخر بالفِطرة، لم يكن يعرف شيئا اسمه المسرح أو الرّكح ولا الكوميديا السَّوداء، وربما يكون قد سبق المخرج الأمريكي "ستانلي كوبريك" في ذلك، لكن دون أن يعترف به أحد من النقاد محليا أو عالميا غير جمهوره المخلص لـ"حلقته"، كل ما كان يعرفه أمكنة مُغبرّة بذاتها في فاس العتيقة، هو القادم من منطقة "قصر السّوق" التي تحول اسمها فيما بعد إلى الرّاشيدية، مثل: "باب الماكينة" أو "ساحة بوجلود" الشهيرتين واللتين كانت تتمركز فيهما جلُّ أنشطته ويقدم أفكاره ومواضيعه حول الحياة والعلاقات بين الناس والصراع الطبقي والاجتماعي، الظاهر منه والخفي، بصورة كوميدية ساخرة تطيح بالناس ضحكا، وقد كان من المُمكن أن تكونا هاتين السّاحتين في توهُّـج ساحة "جامع الفنا" بمراكش مثلا أو "ساحة الهْـديم" بمكناس بشكل أقل، لكن أهل الحال أرادوا لهما مسارا مختلفا مثل حال المدينة نفسها التي تحتضنهما.
"حَـرّْبَـا" قيلت حوله أساطير وحكايات كثيرة وكتب عنه أقلّ، هناك من يقول مثلا أنه جمع ثروة طائلة من وراء فنه، وإن لم يكن يظهر ذلك في واقع الأمر على حاله بسبب بُخله الشديد وشحّ يديه، وأنهم وجدوا "الخْناشي دْيَال الفْـلوسْ" في داره حين قصده الموت، بعد أن خانته الصحة وغلبه المرض، لكن واقع الحال يثبت أن "حَـرّْبَـا" مثله في ذلك مثل باقي الفنانين والأدباء والرياضيّين، جاء إلى فاس فقيرا يبحث عن فرصة عمل أو كان يحلم بثروة، لكنه عاش شُهرة بين الناس سرعان ما انزوى بعدها إلى الظل والهامش مثل أغلب من يجنح إلى الفن والأدب ويثق بلمَعانه، وغادرها أفقر ممّا جاء إليها بعد انقضاء أجله، مثله في ذلك مثل أغلب الفنانين والأدباء والرياضيين الذين أخطأوا التقدير وخانهم زمانهم.
وسواء كان اسمه "حَـرّْبَة" أو "حَـرّْبَا"، يبقى شخصية كوميدية لن تتكرر مرتين في تاريخ الكوميديا الشعبية أو المسرح، لكن من يا ترى الآن، من الجيل الحالي يعرف هذا الكوميدي المسرحي الاستثنائي الذي أتقن المسرح الفردي نكتة وغناء وأسعد الناس كل الناس، بخفة دمه وحركاته وصوته وتعريجة لم تكن تفارق يديه...!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-