الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاق نبيلة قصة قصيرة

أحمد الخميسي

2019 / 9 / 8
الادب والفن


كان الجو حارا جدا، وبدا كأن الشمس في هذه الظهيرة قد تركت أعمالها في القارات السبع والمحيطات الخمس وتفرغت له، تفلي رأسه بأصابعها النارية، في وقفته في الشارع، أعزل، بقميص وبنطلون، و في جيبه الخلفي معاشه الذي استلمه للتو. أقبل ميكروباص وتوقف. لم ير مكانا شاغرا قرب نافذة فلم يركب. أقبل ميكروباص آخر. لمح فيه مكانا قرب نافذة. صعد. جلس ودفع بقبضته المرتعشة الزجاج إلي النهاية فهب عليه هواء ساخن من الشارع. قال لنفسه" لكنه هواء على أية حال". بعد قليل ارتقت عتبة السيارة فتاة جميلة في نحو العشرين. جلست أمامه. تأملها. غزالة ترد الروح، لو أن الغزالة تستخدم وسائل نقل عام. أحصى بعينيه المقاعد التي مازالت شاغرة. تحسس الفلوس في جيبه الخلفي. أحس بالعطش يشرخ حلقه. استغبى نفسه لأنه لم يشتر زجاجة ماء مع أن المحل كان على بعد خطوة. تطلع إلي ظهر الفتاة وقماش البلوزة الحريري. استنشق عطرها الذي هوم بخفة حول شعرها ورقبتها. نقل بصره بين كتفيها ورأسها المحنى في الغالب على موبايل. حلقه ملتهب. هل يهبط ويشتري زجاجة ماء ويرجع بسرعة إلى مقعده؟ أم أن أحدا في تلك الأُثناء قد يستولي على مكانه؟ شاهد السائق في الشارع بجوار السيارة معتمدا بكفه على مقدمتها يصيح بخط سيره. زج برأسه في النافذة يناديه " يا ريس.. ياريس"، لكن صوته لم يصل إليه في الضوضاء. امرأة كانت تجلس في كابينة القيادة استدارت بكتفها للخلف. قالت تخاطبه: "عاوز حاجة حضرتك؟". سيدة كبيرة. وجهها مدور، ريان، مثل فطيرة من خير زمان. دهش من دقة شعورها بمن حولها. أي روح مرهفة! وأي أخلاق نبيلة! قال ممتنا:" لا والله.. أنا بس عطشان.. وكنت عاوز أشتري زجاجة ماء من المحل اللي قدامنا.. لكن مش معقول". لم تنطق المرأة بكلمة. فتحت باب الكابينة ودلت قدميها إلى الإسفلت ونزلت. وقفت أمام باب الركاب في الصالون، ومدت كفها نحوه قائلة:" هات أجيب لحضرتك". قال مشدوها:" ما يصحش والله؟!". قالت ببسمة عامرة بالطيبة:" إزاي مايصحش؟ دي حاجة بسيطة". تمتم شاكرا وناولها ورقة بعشرة جنيهات. مضت بخطوة نشطة إلى المحل. ألقى نظرة على ظهر الغزالة الجالسة أمامه. كتفان مدورتان مثل فاكهة طرية أثارت رغبته في أن يطويهما في صدره. رجعت المرأة. ناولته بقية الفلوس وزجاجة ماء باردة. انفعل بنخوتها وقال لنفسه " يستحيل أن تلقى أحدا الآن بهذا النبل". قال بتأثر: " تسلمي من كل سوء". انتبهت الغزالة إلى الحوار بينهما فأدارت رقبتها تتأمله. قالت له المرأة ببسمة خفيفة:" احنا نشأنا على أننا نحترم الكبير ونخدمه". شيء في كلامها عن" الكبير" أيقظ فيه شعورا بالحذر. قالت المرأة:" وحضرتك زي والدي" هتف في سره" كفاية" . اختلس نظرة إلي الغزالة التي تفصحته بنظرة تقدر سنه. قالت المرأة وعيناها تنديان بالحنان:" وأنا زي بنتك". امتزج شعوره بالامتنان للمرأة بالغضب. أدارت الغزالة رقبتها إلي الأمام منصرفة بعيدا إلي نفسها. بدت له كلمات المرأة مثل مضرب يقذف الكرة بعيدا، ثم يمضي اليها ثانية ويعود لضربها حتى تختفي. صاح في سره متوسلا إليها : " كفاية بقى"، لكن المرأة مدت كفها إلي ركبتيه تربت عليهما بعطف. تنهد متأثرا من كل ذلك الحنان الجياش وهو يصيح في نفسه:" كفاية.. ياجزمة يابنت الجزمة.. كفاية"!

نهض وهبط من الميكروباص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الشاب ناصر نايف.. ضيف صباح العربية


.. الفنان ناصر نايف من كورال خلف النجوم إلى أهم الفنانين الشباب




.. حملات مرشحي الرئاسة بموريتانيا تستخدم الحفلات والسهرات الفني


.. المصمم ستيفان رولاند يقدم مجموعته الجديدة المستوحاة من أشهر




.. الممثلة القديرة وفاء طربيه تتحدث عن النسخة السابعة من مهرجان