الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول جرائم البنوك

الهيموت عبدالسلام

2019 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


1/ قد لا يُصدق المرء أن تاريخ البنوك ارتبط بالمضاربة والاحتكار،وبالاحتيال على الزبناء والمساهمين الصغار ،وغسل الأموال، وتنظيم التهرب الضريبي (الجنات الضريبية) ،وغسل أموال الجريمة المنظمة ،والتلاعب في أسعار الفائدة وفي أسواق الصرف الأجنبي ،والتزوير ، وطمس الأدلة ،والإثراء الفاحش ،والتلاعب بمقايضة العجز عن تسديد المستحقات ، وعمليات الإفراغ غير القانوني للسكان، والتلاعب بالسوق المادي للسلع ،والتواطؤ في جرائم الحرب ، والرشاوي الكبرى لإغلاق الملفات الجنائية ،وحتى الاغتيال لرؤساء دول مثل "أندرو جاكسون" و"ابراهام لنكولن" و"تيد روزفلت" ...

2/ في حملته الانتخابية ركز الرئيس الأمريكي الخامس "أندري جاكسون" على محاربة البنوك ،وقف على منصة زُينت بلافتات كُتبت عليها شعارات "جاكسون سيقتل البنك " و"نعم لجاكسون ولا للبنك " ،وسط الحشود التي تهتف وتصفق لجاكسون بدأ خطابه قائلا : "مهما يكن السبب أو التأثير العام أو الخاص الذي تسبب في ولادة هذا الشيء القبيح المسمى بالبنك... فهو في النهاية شيء غير ضروري، بل هو خطر عظيم على الحكومة وعلى الدولة.. إنه لشيء مُخز أن الحكومة كانت تنحني لأطماع أصحاب القوة الأغنياء وتنشئ لهم بنكا وراء الآخر... لكن كل هذا يجب أن ينتهي.. لا بد أن نقف معا كلنا ضد المحتكرين وضد أي عهر يتم من الحكومة لأجل مصالح هؤلاء الثعابين"
وفور أن تولى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية واصل "جاكسون" سياسة قتل البنوك ،وقضى الفترة الرئاسية الأولى ( 4 سنوات) كلها صراعات وحروب مع المؤسسات البنكية ،وحين أراد الترشح للفترة الثانية لم يجد واحدا من أغنياء البنوك ليمول حملته بل كانوا كلهم يمولون المرشح المنافس له ،نزل "جاكسون" للشارع وخاض حملته وسط الشعب مخالفا قواعد السلامة الأمنية وأعراف الحملات الانتخابية الرئاسية التي يخوضها المرشحون الذين لا ينبغي أن يتحدثوا مع الشعب مباشرة ،واستطاع بفضل التفاف الناس عليه أن يفوز على منافسه ، ووسط أجواء الاحتفالات تسلل أحد الصباغين الذي نزل من سُلمه ولما اقترب من "جاكسون" سحب مسدسه وأطلق طلقة نارية لم تصبه وأخد جاكسون يضرب الصباغ بعصاه ثم أطلق الصباغ وسط الهتاف والصراخ طلقة ثانية لم تصبه ،قبض حراس الرئيس عليه ، أثناء التحقيق اعترف المعتدي أن أناسا أقوياء من أوربا هم من كلفوه بعملية الاغتيال ووعدوه بالحماية وبمكافآت كبيرة .
لم يستسلم "جاكسون" فأمر بسحب الأرصدة المالية للحكومة من البنوك ،ونقل حق إصدار النقود لأبناك صغيرة ، وسدد الديون التي للدولة على البنوك في سنة واحدة ، جُن جنون البنكيين الكبار فأدخلوا البلاد في انكماش مالي حاد وذلك بعدم طبع أوراق مالية جديدة، وعدم إعطاء القروض لأحد ،والمطالبة بجميع القروض من المقترضين ، وهكذا قلت كمية الأوراق وكسدت التجارة وانتشر الفقر وانقسمت البلاد ودخلت في حرب أهلية دموية ،وأصبح شمالها يحارب جنوبها،ثم فجأة تحرك جيش من فرنسا متجها إلى أمريكا يأتيها من جنوبها ، وها هو نابليون الثالث الذي موله البنكيون يرسل جنوده لاستعادة المكسيك ،بعدها انطلق جيش من بريطانيا ووقف عند الحدود الكندية متهيئا للدخول في الحرب لدعم أحد الفريقين المتحاربين ،وصارت أمريكا بين المطرقة والسندان حتى قال البعض السلام على أمريكا .
ربما أنه كان من حظ أمريكا أن ظهر "ابراهام لنكولن" في ظل حرب أهلية وتهديدات خارجية ،"لنكولن" كان أحد الأبطال الكبار في محاربة البنكيين الذين أوصلوا أمريكا لما هي عليه ،إذ نجح في إكمال مهمة "جاكسون" في قتل البنوك ،لما أخبر أمينُ الخزينة الرئيس "لنكولن" بأن هناك قرضا من البنوك ب 34 في المائة ، رفض الرئيس القروض البنكية ، فسأله أمين الخزينة وكيف سنُمول الحرب يا سيدي ؟ قال الرئيس سأطلب من الكونغرس بتمرير قانون يسمح لخزينة الدولة أن تصدر عملتها (الكرين باكس) بنفسها دون الاعتماد على البنوك ، قال أمين الخزينة وهل سيقبل الناس بهذه الأموال يا سيدي ؟ قال الرئيس : طالما هي مصرحة من الحكومة سيقبلها الناس ، ما قام به "لنكولن " أعاد إلى الأذهان عملة (الكولونيال سكريبت) التي كانت تطبعها أمريكا أيام الثورة ،طبعت الدولة منها حاجتها التجارية ، وبتأثير البنكيين على أعضاء الكونغرس سمح الكونغرس بتمرير عملة بنكية إلى جانب عملة الحكومة، كان يعتزم "لنكولن" تهديم كل البنوك على رؤوس أصحابها وسيجعل الدولة تصدر كل عملتها بنفسها مع نهاية الحرب.
دخل يوما "لنكولن" ليشاهد مسرحية ، جلس في منصة خاصة ، فجأة ترك أحد الممثلين المسرحية وصعد من طريق جانبي إلى منصة الرئيس ،وأطلق من مسدسه طلقتين ناريتين،وقال البنكيون ساخرين ، ينبغي لمن يريد أن يقتلع البنوك ألا يذهب لمشاهدة !!المسرحيات ؟
بعد جريمة القتل مباشرة ظهر الديناصورات الثلاثة ، البنكيين الثلاثة الكبار في أمريكا كلها الذين يسيطرون على أكثر من80 في المائة من الاقتصاد الأمريكي ، البنكيون الثلاثة الكبار: "جي بي مورجان" الذي أنشأ شركة الصلب والحديد أول شركة بليونية في العالم وصاحب شبكة سكة حديدية تربط بين كل ولايات شمال أمريكا ، الرجل الثاني "جون روكفلير" ابن أغنى رجل في العصر الحديث ،الرجل الذي يحتكر تجارة البترول ، و"بول ووربورك" رئيس الشركة البنكية القابضة (ويلز فاركو) أكبر بنك في العالم في ذلك الوقت ،كان الثلاثة يهدمون مباني الشركات الصغيرة بأيديهم ويضعون المباني الكبيرة الخاصة بهم مكانها.
على نفس درب "جاكسون" و"لنكولن" ظهر "تيدي روزفلت " الرئيس الأمريكي الجديد عازما على إسقاط البنكيين الثلاثة الكبار الذين يحتكرون الاقتصاد الأمريكي ،حارب "روزفلت " العمالقة الثلاثة صراحة ، ربح الرئيس الكثير من القضايا ذات الطابع الاحتكاري لهذه الشركات ، وهو ذاهب لإلقاء إحدى خطبه تلقي طلقتين ناريتين في صدره ، تحسس "روزفلت" صدره ولبس نظارته ، رفض رفضا قاطعا أن يذهب للمستشفى ، واصل خطابه قائلا :"أعزائي أرجو منكم أن تبقوا هادئين ،لقد تعرضت لإطلاق ناري مند قليل ،لكن يبدو أن الطلقات لم تكن كافية لقتل ثور مثلي، هؤلاء البنكيون الدوليون الروكفيلير أصحاب شركات البترول وغيرهم يتحكمون بأغلب الصحف ليحطوا من شأن أي شخص يعارض فسادهم،هؤلاء هم الحكومة الخفية لابد من اقتلاعهم حتى تعيش أمتنا في سلام "

3/ لماذا لا يذهب البنكيون أبدًا إلى السجن ؟
في فترة تتميز بالقوة الاقتصادية والسياسية المتزايدة للنظام المالي العالمي ، أصبح استخدام الموارد العامة لإنقاذ الكيانات المصرفية أمرًا شائعًا، سواء في قبرص أو اليونان أو المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة ...، إن عمليات الإنقاذ المصرفية للمؤسسات المشاركة في قضايا الفساد والاحتيال والمضاربة تبررها واحدة تلو الأخرى قولة "البنوك هي أكبر من أن تفلس" و"البنوك أكبر من أن تفشل"، وفقًا لهذا المنطق فإن إفلاس البنوك الكبرى لا ينبغي أن يحصل حتى لا يهدد الاستقرار المالي والاقتصادي للبلد بأكمله وأن الضخ للأموال العامة ضروري لتجنب الإفلاس؟!!
لذلك لم يعد مفاجئًا سماعُ أحد المسؤولين العموميين في إسبانيا أو البرتغال أو أيرلندا أو أمريكا يشير إلى أنه لا يوجد بديل لتطبيق تخفيضات كبيرة في الإنفاق العام من أجل ضمان الملائمة المالية مع استقرار البنوك، خلاصة القول هي أن تحويل الأموال العامة إلى البنوك لم يعد كافياً ، ويجب حماية البنوك ومديريها من الآثار القانونية و حماية الأنشطة غير القانونية والإجرامية للكثيرين منهم، إذ لم نعد مع "ليست البنوك أكبر من أن تُفلس" و لكن أيضًا "البنوك أكبر من أن تُدان"
وقد لخص "إريك هولدر" المدعي العام للولايات المتحدة العقيدةَ الجديدة للبنوك إثر سؤاله في مجلس الشيوخ الأمريكي عن موقفه بشأن إدانة البنوك الأمريكية وقادتها على أعمال الفساد والاحتيال والأنشطة غير القانونية التي تتورط فيها والعواقب الاجتماعية المترتبة عليها ، أكد "هولدر" أن "هذه المؤسسات كبيرة للغاية بحيث يصعب مقاضاتها ، إذا تم اتهامها بالأنشطة الإجرامية فإن هذا يمكن أن يكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني و حتى العالمي"
في سياق القبول بالأمر الواقع والإفلات من العقاب بدعوى التداعيات السلبية على الاقتصاد العالمي ، يتم تشجيع قادة الشركات المالية على الأنشطة المالية المضاربة ،واستبناك الأصول غير المشروعة للموارد ،والمخاطرة الزائدة،والزيادة في مكافآت مديري البنوك رغم انخفاض ربحية البنك ،واستعمال الرشاوي : في يناير 2013 وافق بنك "أوف أمريكا" إلى جانب 9 أبناك أخرى على دفع غرامة مالية قدرها 9.3 مليار دولار لإغلاق التحقيق في ملف مسؤولية البنوك عن إفراغ السكان من منازلهم ، المثال الثاني وسيرا على عقيدة " البنوك أكبر من أن تُسجن " تعاون بنك "أش سي بي إس" مع عصابات المخدرات في المكسيك وكولومبيا في غسل الأموال لما يقارب 880 مليار دولار ، استمرت العلاقات التجارية للبنك البريطاني مع عصابات المخدرات على الرغم من مئات الإخطارات والتحذيرات الصادرة عن وزارة العدل الأمريكية ، ليس هذا وحسب فقد وضعت البنوك عدادات خاصة في وكالاتها حيث يمكن لمهربي المخدرات إيداع صناديق مليئة بالنقود لتسهيل عملية غسلها .
واستمرت عصابات البنوك في صراعها مع "هتلر" الذي ألغي نظام البنك المركزي وأصدر عملة جديدة تطبعها الدولة وزاد في راتب العمال بنسبة 10 في المائة ،وبنى منشآت ومدارس ومصانع وشبكة طرقية كبيرة (الأوتوبان)،وبنفس العملة الحكومية صنع سيارة الشعب "الفولس واكن" ، ومنح قروض للسكان ب 0 في المائة ،وجعل التعليم مجانيا ، وصعد المنصة يوما مخاطبا الشعب الألماني :"إن البنكيين هم أشخاص في غاية البشاعة والقذارة ،خنقوا الاقتصاد الألماني شر خنقة ، والآن ها هم يعلنون علينا الحرب.. هم يريدون الحرب ، ثم صرخ : فعليهم الحرب إذا عليهم الحرب "
كذلك ألغى "صدام حسين " نظام اقتراض الدولة لعملتها من البنك المركزي العراقي ،وجعل العملة الخزينة تصدر عملتها بنفسها، أي أنه فعل نفس الشيء الذي جعل البنكيين يقتلونهم ،"صدام" لم يكتف بهذا ، بل أعلن أن بترول العراق لن يباع بالدولار وإنما سيباع باليورو ، كانت النتيجة طبعا إسقاط "صدام" وسرقة بترول العراق الذي رفض أن يبيعه بالدولار ، وبعد الغزو الأمريكي للعراق، صار البترول العراقي يباع بالدولار مرة أخرى، وعاد البنك المركزي العراقي يقرض الدولة كما كان .
نفس الشيء فعله "معمر القدافي " تخلى هو الآخر عن البنكيين ، أوقف الاقتراض من البنك المركزي ، وصرخ أن بترول ليبيا لن يباع بالدولار ، بل سيباع بعملة جديدة اسمها الدينار الذهبي ،جاءت الطائرات الأمريكية وحلف الناتو وغيرهم ليعيدوا للبنك المركزي الليبي نظام إقراض الدولة ، وأعادت ما تبقى من البترول ليباع بالدولار ...

* اعتمدت على العديد من المعطيات الواردة في هذا المقال على رواية "أرض السافلين "
لمؤلفها "خالد أحمد مصطفى " ، وعلى مقال كتبه "إريك توسان " رئيس لجنة إلغاء ديون العالم الثالث ، المقال منشور باللغة الفرنسية بموقع باسطا بتاريخ 11 مارس 2014 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا