الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يطاح بامبراطور المآسي؟ ومتى ؟

محمد عبعوب

2019 / 9 / 9
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في كتابه "امبراطور المآسي..سيرة للسرطان" يضع الدكتور سيد هارتا موكرجي -المتخصص في امراض السرطان- القارئ في مشهد متكامل للحرب ضد هذا المرض اللعين باسلوب أخّاذ، متتبعا تاريخ اكتشافه لأول مرة على يد الطبيب المصري "امنحوتب" قبل 2500 سنة، ومرورا بمحاولات علاج بدائية خاضها اطباء يونانيون خلال القرن الاول الميلادي. و يتتبع المؤلف في كتابه الدسم بمعلومات دقيقة استقاها من مخطوطات ومؤلفات قديمة وحديثة، و من وجوده كطبيب بمشافي امريكية على ساحة المعركة ضد هذا المرض، تتبع ارتفاع وتيرة انتشاره او بالاحرى اكتشافه والتعرف على بعض اسبابه واعراضه وطرق الحد من انتشاره او إخماد تمدده.
ويأخذ تتبع موكرجي لتفاصيل مواجهة هذا المرض شكلا واسعا ومتنوعا مع بداية بوادر انتباه العالم الى خطورته وامكانية مواجهته بطرق علمية وذلك مع بداية القرن السابع عشر، وصولا الى آخر ما توصلت له الاكتشافات في مجال محاصرته مع نهاية العقد الاول من الجاري ..
يسرد المؤلف في كتابه بتفاصيل دقيقة جولات الحرب الرهيبة التي بدأت اوساط الطب والمهتمين من النشطاء والعلماء والباحثين خوضها ضد هذا المرض اللعين، ويتتبع باسلوب شيق مسارات التواصل والترابط التي جمعت بين مرضى ونشطاء اجتماعيين واطباء وباحثين وعلماء من مختلف الاصقاع لخوض هذه الحرب. ولم يقتصر اهتمام المؤلف في متابعته هذه على المرض كحالة، بل ذهب الى تتبع اسبابه سواء العضوية او البيئة او الاقتصادية وحتى السياسية، متخذا من العركة على الساحتين الامريكية والاوربية كنماذج، فمثلا خصص المؤلف بابا واسعا للمواجهات التي شهدتها الساحتان بين جماعات الضغط والناشطين في مجال الحرب ضد هذا المرض، وبين شركات صناعة التبغ المتغولة، بعد ان أكدت التحاليل ان التدخين يعد المسبب الرئيس لسرطان الرئة، وهي معركة طويلة مضنية، كلفت الناشطين والاطباء جهدا ومالا هم في اشد الحاجه له. ولم تقتصر معركة الحرب ضد السرطان على شركات التبغ، بل جرّت اليها تيارات وقوى سياسية افلحت شركات التبغ في شراء ولائها وفي أضعف الحالات حيادها في المعركة التي تتواصل جولاتها حتى اليوم .
ويتتبع المؤلف باسلوب جاذب ومؤثر الأثار الاجتماعية لهذه المعركة بسرده لقصص مرضى السرطان وما تركته مواجهتهم لهذا الامبراطور الخبيث من آثار على عائلاتهم و أصدقائهم وخاصة قصص اطفال المصابين ومعاناتهم خلال جولات العلاج بالمواد الكيماوية. و يورد المؤلف قصص مشجعة لصمود وشجاعة بعض المرضى في مواجهتهم وصلابتهم في تحدي هذا المرض المراوغ، والتي عادة ما تمنحهم فرص اطول للحياة .
اسماء كثيرة ومعلومات غنية يسردها د. موكرجي في مؤلفه، اذكر منها هنا ناشطين ابْلَيَا في هذه الحرب ضد السرطان هما سيدني فاربر وزميلته لاسكر،كما لفت اتباهي معلومة عن مشروع لوضع خريطة جينية لهذا المرض يتجاوز اتساعها خارطة البشر بمئات الملايين من الصفحات ، وهي الخارطة الواعدة بالتوصل يوم ما الى خوض المعركة الفاصلة مع هذا المرض لتنهيه الى الابد.
ضمن الفصل الاخير لهذا الكتاب ومن باب تلخيص مركّز لهذه الحرب التي يخوضها الانسان ضد هذا المرض والتي تمتد لأزيد من 5000 سنة، يستدعي المؤلف، شخصية الامبراطورة الفارسية "اتوسا" -ماتت قبل 500 سنة قبل الميلاد بسبب هذا المرض، بعد أن استأصل خادمها اليوناني ثديها المصاب - لتسافر عبر الزمن حيث تخوض كل التجارب التي خاضها الانسان في حربه ضد هذا المرض عبر العصور، ليستعرض من خلال صورتها الخيالية كل مراحل التقدم في هذه الحرب، ويقول في عبارة بليغة تلخص المشهد الحالي لهذه المعركة وتحاكي السرطان في مراوغته، "لعل الوسلة الافضل للفوز بهذه الحرب على السرطان هي إعادة تعريف الانتصار" .
رغم ما تعد به مراكز البحوث والطب كل يوم، بقرب نهاية هذا المرض، خاصة بعد الانتهاء من وضع خارطة جينية له، يبقى السؤال معلقا: هل تبدو في الافق بوادرحقيقية و واعدة للاطاحة بهذا الامبراطور الخبيث المراوغ الذي فاق كل الامراض التقليدية في عدد ضحاياه؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع