الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غضب

حامد تركي هيكل

2019 / 9 / 10
الادب والفن


جلست متكاسلا أمام شاشة التلفاز ، بعد يومٍ متعِبٍ من التجوال في شوارع المنطقة الصناعية بحثا عن أدوات احتياطية لسيارتي القديمة التي أختفت مثيلاتها من شوارع المدينة وما عاد أحد من تجار الأدوات الاحتياطية مهتما بتوفير قطع الغيار التي تحتاجها. ألوك بغير اهتمام مني عشاءً وضعته أمامي حتى أنني لم أكلف نفسي لمعرفة مكوناته ، وأشاهد نشرة الأخبار .
متظاهرون شباب غاضبون يرتدون ملابس نظيفة ويضعون على أنوفهم وأفواههم كمامات ، يجوبون شوارع هونك كونك اللامعة ، بعضهم يحاول تحطيم زجاج أحدى البنايات الجميلة بمطارق كبيرة ، لكن الزجاج يصمد ولا تظهر عليه سوى تشققات. أفراد من الشرطة يتمترسون خلف ألواح زجاجية يحملون بأيديهم هراوات ألكترونية ويضعون على رؤوسهم قبعات بمقدمات زجاجية. فيما راح المذيع يقرأ في خلفية الصورة أن هؤلاء الشباب يعترضون على مشروع قانون يستشعرون أنه سيحد من حريتهم.
في خبر آخر تبدلت ألوان الصورة فبعد أن كانت زرقاء وفضية ومعدنية ، أمست ترابية مائلة الى الأصفر ، شباب غاضبون حفاة بملابس ممزقة يركضون على شوارع متربة مغطاة بالأزبال التي تذروها رياح فتدفعها بين أقدام الراكضين. وثمة عناصر من الشرطة يبدو على وجوههم الخوف والغضب يحمل بعضهم هراوات خشبية وحديدية ويحمل البعض الآخربنادق يطلقون النارمنها فوق رؤوس الراكضين. وفي أسفل الصورة ثمة كتابة تشير الى تجدد الغضب اثر انقطاع المساعدات الغذائية عن الناس الذين شردتهم موجة الجفاف التي ضربت مناطق واسعة من القارة الافريقية.
في صورة ثالثة ظهر رجال ونساء غاضبون يخوضون في الوحل ويدفعون عناصر الشرطة الذين بدت سراويلهم ملطخة بالطين إثر أمطار وفيضانات وانهيارات طينية اجتاحت مناطق من اندونيسيا ، فقد الناس بسببها بيوتهم وحقولهم .
سئمت من كل ذلك ، فأمسكت بلوح المفاتيح الخاص بالتلفاز ورحت أبحث عن قناة أخرى ، وحال ضغطي على زر الاختيار ، ظهرت على الشاشة صورة جديدة ، كانت مليئة بالألوان الزاهية للملابس التي يرتديها رجال ونساء غاضبون يحملون بأيديهم يافطات مكتوب عليها كلمات لم أتبين معانيها، وهم يسيرون في شوارع حسنة المظهر مشجرة تحيط بها أحواض الزهور وأعمدة الانارة ، وتحت الصورة ثمة جملة تشير الى ان اليمينين في إحدى الدول الأوربية غاضبون من بعض اجراءات الحكومة اليسارية.
أحسست بالقرف ، فاخترت قناة أخرى أظهرت صورة لشبان غاضبين قد تجمعوا في مساحة رملية جرداء على مبعدة من سياج معدني عال تظهر من وراءه دبابة تقف على تل تطلق رشقات من مدفع رشاش باتجاههم فيما راحت قنابل الدخان المسيل للدموع تنهمر على الغاضبين فتزيدهم غضبا ، يسقط عدد منهم جرحى فيحملهم زملاؤهم باتجاه سيارة اسعاف. كانت العبارة التي ظهرت على شريط أحمر أسفل الصورة تشير الى غزة.
أنقطعت الكهرباء وتحول التلفاز الى صندوق ميت ، فرحت أتلمس طريقي بصعوبة في ظلام الغرفة محاولا العثور على فراشي الذي أعهده مركونا في أحد أركانها. استلقيت عليه كما أفعل كل ليلة ، ووجدت نفسي أتمنى أن أجد غدا من يرشدني لمتجر يمكن أن أجد فيه القطع التي تحتاجها سيارتي العجوز كي تتحرك من جديد. حين غفوت حلمت انني أحمل هراوة غليضة وبغضب لم أعهد مثيلا له رحت أنقض على سيارتي المتوقفة هناك في ورشة من ورش المنطقة الصناعية فأحطم زجاجها وأشوه مقدمتها وأبوابها وسقفها الصدئ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي