الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات حول المنفى ( إحياء لذكرى أنثى ضائعة)

احمد يعقوب ابكر
قاص وناقد

(Ahmed Yagoub)

2019 / 9 / 12
الادب والفن



تأملات حول المنفى
(إحياء لذكرى أنثى ضائعة )

" عندما يتدفق في الابدي الشئ نفسه مكرراً ذاته أبداً، وتتماسك آلاف القناطر جبارة بعضها ببعض؛ تفيض الرغبة في الحياة من كل الاشياء من أضخم النجوم وأتفه المدر وكل اجهاد وجهاد هو هدوء سرمدي في الله" غوته.
(1)
وإذْ أستيقظ في تلك الأصباح بمزاجُ إلهٍ؛ أستعيد بمحض ارادتي اللاواعية لحظة من لحظات شيزوفرنيا الانا العليا، في ذات الصباح البهي والطازج كرغيف خبزِ خرج لتوه من فرن أمي آن بعثرتني حقبٌ من سنون في أزمنة سحيقة؛ زمن الروائح العطرة والمراهقة المفتعلة ، أزمنةٌ النيل يمخُر فيها منذ آلاف السنين عباب المناخات الاستوائية الغنية والمشرئبة عنقها نحو فضاءات خلاسية ؛كنت مُتّكئاً على نافذة الحلم الفسيح مستعداً للطيران في جوف الذاكرة الخربة والمنتعشة آنها بالبيرة القادمة من شرق أفريقيا، وانا أدوزن ازمنتي الخاصة بلحن قادم من الصقيع حيث جيمس بالونت يدغدغ قلبي (you are beautiful) هكذا متأبطاً كتاباً لفرانز فانون ( معذبو الارض) يرمقني أحد البيض شذراً وهو ممسكٌ بسيجار ضخم محشو بالماريجوانا .واذْ يقول بعد أن لعب القديس جيمسون بذاكرته الامبريالية ؛هنا ساضاجع سافناكم وصحاريكم ،مشيرا الي : أنت مدعواً لشواء من لحم الخنزير البري ايها الاسود النحيل ، وبكل تاريخ العبودية التي فاخذها أجدادي في دهور مزارع القطن وقصب السكر أرفع اصبعي الاوسط عالياً ، وآن قذفني بسيجاره الفخم والضخم أمسكت بالسيجار ودخنت عصورهم المظلمة والاقطاعية ورأيت الدخان يتلوى في فراغات الراسمالية المتوحشة وسيدنا ماركس يتلو صحفه في جنته الشيوعية التي لن تتحقق أبداً.
وتحت شجرة المانجو المعمرة والعملاقة في أمسيات مضت كان أرخبيل الغروب فيها يرسل أشعة صفراء شاحبة مختلطة باللون الاحمر كحناء عروس ؛ شفقاً لو رأيته لخلت نفسك في منتهى الجمال ، حينها فقط كنت راكعاً على شاطئ النيل العظيم ناظراً الى الافق الممتد امامي والمرأة التي وجدتها ككنز في شطٍّ مخضر تغطي زهرة اللوتس، وهي تستحم شاهقة في عريها ، ونهديها يتكوران كثمار اللارنج أو كلوحة العشاء الاخير .أو سيدة الصخور.
(2)
ومُذْ قرأتُ في دفاترها السحيقة ضياعها في أرخبيل المسامات المغلقة والازمنة الكلبية ، رأيت مابين السطور استدارتها كاشحةٌ جسدها ملتصقة بالجدار في شبه الظلمة بالقرب من حزمة ضوء القمر الذي انسكب على شعرها ،وأذ ألملم بقايا جسدها الذي يضوع بروائح نباتات النيل تقول :أليس مريحا أن يحيا الانسان حلزوناً أو سلحفاة داخل قوقعة لايخرج منها سوى في مواسم الغذاء والشمس؟ بدت وهي في منتصف عرائها اللذيذ كنبية سقطت لتوها من كواكب تسكنها الملائكة والغزلان ، وفي تلك الاغساق الشفافة كنسيج الشمس على حافة المغيب ؛ كانت ترتدي المناخات عابرة جحيم الفساتين الموشاة بورود البنفسج قائلة : سخية أنا كوردة ندية تحت فجر - هذا الجسد لك والبحر.وكما ينشق فجر بنفسجي ثم أرجواني ثم أبيض ، هكذا انشق فستانها باصابع حيوان مرجاني قابع في أعماق شهوته المستطيرة ،يسطع الصدر ليتدفق شلال النهدين من محبسهما وهما يبتهلان ، آنها أنينٌ متضرع يقول أني لك خذني ، وفي غمرة شهيقها المتواصل وانهمار شلالات شهوتها نطير في برزخ من طيور خضر وماكان وكائن ويكون ؛ يتحول الى مدن مأهولة بالخراب والقتل بالاسيد وجنجويد الله يوزعون الموت في الطرقات ويتهشم الزمان الوغد ليزهر الزمان البرتقالي في فسحة بهية من فضاء الهيكل الخراء ودخان الحرائق ، حينها تساءلت في شبق ممزوج بالذعر، هل حدث شئ خارق ازعج الالهة في فراديسها المضجرة ؟هل هتكنا اسرار الوصايا العشر والدين في هذا الغروب الخائن؟.
(3)
بدوت وأنا انسحب من زمني القديم؛ كرجل أعشى يتعثر في ضباب المدن والمنفى، وفي ذلك الغروب الكابي والكلبي،تبعثرت حقائب الذاكرة آن بلوغي طور النساء الضائعات في مراهقة أحلامهن وفي لحظة ما في وقت ما والعصر الماكر الوحشي يغدر بنا من حفنة تتلمس مؤخرات أنبيائها ستقول المرأة المطعونة في كبدها الازرق لماذا تديرر ظهرك للالم ؟.
وتحت ظلال حطام المنافي وضياع نساء الالهة في ارخبيلات مسمومة يقول الويسكي الداعر في كأسه :أدخر قوتك لليوم الاعظم !وفي تلك الحقبة التي سيُغْفل تاريخها ويمسح من ارشيف العصور حسب تواريخ الدهر الكلبي ومؤرخيه الذين يسجلون فتوحاته وانتصاراته الباطلة ويطمسون عاره الاسود ؛ ستحيض المرأة في النهر وسيفيض النيل باسماك المنافي ، وسينظر الطفل الذي لم يبلغ الحلم بعد الى ساقي انثى وهو يغطي عينيه شبقاً وقد تتبول الكلام على اعلام الدول . وفي غمرة حمى الكتابة وهذياناتها داخل ايقاع حكاية لامعنى لها ، في الخيال الفسيح الممتد كوشاح وردي تبرق ذكرى بعيدة في غلالة المدن المنسية ونساؤها الضائعات، وسأنبثق كمبنى قوطي او كنيسة بناها الرواقيون وساصيح في هزيعي الاخير الذي يقاوم فجر نديّ : هانذا لقد عدت ايها الملاعين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا