الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث الإسكندرية والعبرة السورية

باسل ديوب

2006 / 5 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


قبل أيام اندلعت في الإسكندرية أعمال شغب طائفية إثر قيام أحد المتعصبين بطعن عدد من المصلين إبان خروجهم من كنائس، وكان لتبلد السلطة في تطويق هذا الحادث الأثر الأكبر في استمرار الشغب الذي تلاه، وتهديده السلم المدني في مصر. وخرجت الحكومة المصرية بعذر أقبح من ذنب مفاده أن الفاعل مختل عقلياً، وبدأت السلطات بحملة لاعتقال المختلين عقلياً السائحين في شوارع المدن المصرية بالآلاف!
وكأن الاحتقان الطائفي والمشكلة المزمنة يمكن أن يتسبب بها مختل عقلياً، وإن كان بإمكانه أن يشعل فتيلها المتأهب، وهذا بدلاً من الوقوف على أصل المشكلة في الواقع المصري الذي يجعل مسلماً متعصباً يرد على إساءة صحيفة دانمركية للرسول الكريم بالانتقام من مواطنيه المسيحيين الذين تعتمر في دواخلهم أحزان كثيرة وشعور بالتمييز ليس أقله الحاجة لموافقة الرئاسة المصرية على مجرد ترميم دورات مياه قديمة في كنيسة لا بناء كنيسة جديدة! في حين تتميز الكنيسة القبطية ورأسها البابا شنودة بالمواقف الوطنية والقومية ورفض الحج إلى القدس حتى زوال الاحتلال.
في المجتمعات العالمثالثية تتنازع الهوية الوطنية فيها بنى حداثية كالأحزاب السياسية والنقابات والأندية والجمعيات وسائر منظمات المجتمع المدني، وبنى ما قبل وطنية كالانتماءات الطائفية والإثنية والعشائرية.
لكن اليوم ورغم قيام سورية كدولة حديثة ، ننظر إلى الواقع فنرى بعثاً جديداً لهذه البنى ما قبل الوطنية من طائفية وعشائرية وتعصب ديني، يزيد من مخاطر تفجرها واقع إقليمي جديد وعولمة كاسحة تفرضها الولايات المتحدة في المنطقة مجندة إعلاماً لا يجارى، ونخباً فكرية عربية ومعاهد أبحاث تلقى تمويلاً كبيراً، يجد في الفساد وغياب الحريات وموات الحياة السياسية السورية تربة ملائمة لاختراق الحالة الوطنية السورية المتميزة تاريخياً.
فإلى الشرق نجد العراق وقد تصدع وتهدمت دولته الوطنية وقامت قيامة الطوائف والإثنيات، فكل الانتماءات يمكنها العمل بحرية خلا الانتماء الوطني العراقي، وكل هذا برعاية الاحتلال الذي وضع دستوراً طائفياً يبعد العراق عن محيطه العربي ويكرس بذور تقسيمه وإضعافه بالاستقطاب الداخلي الحاد فيه. وفي لبنان نظام طائفي يقوم على توازنات وتوافقات شديدة الحساسية ما يجعله ساحة دائمة للتوتر والتهييج وتدخل القوى الإقليمية وليست آخر فتنه المتنقلة أحداث حي الأشرفية في بيروت.
وفي مصر تلتهب الفتنة حيناً وتخمد أحياناً أخرى.
إن وقوع سورية على خط الزلازل هذا يستدعي الوقوف ملياً، وخصوصاً بعد ترنح المشروع القومي الذي كانت تنادي به سورية الدولة منذ الاستقلال على سلامة البنية الوطنية السورية، فمن السويداء إلى الحسكة إلى مصياف والقد موس وقعت حوادث مؤسفة تشير بقوة إلى أننا لسنا بخير، وإن نقاط الضعف هذه يمكن أن تتطور إن سنحت الفرصة وتوفّر الغطاء الإقليمي أو الدولي لما لا تحمد عقباه.
إن نشوء الدولة السورية الحالية هو نشوء وطني، فالسوريون رفضوا التقسيمات الإقليمية والطائفية التي أقامتها فرنسا لهذا الجزء من سايكس - بيكو، وأصروا على الوحدة والاستقلال. وما كان لهذا البعد الوطني في نشوء الدولة السورية إلا أن يستمر في نفوس المواطنين. لكن رؤية نصف الكأس الملآن لا يجب أن يحجب رؤية النصف الفارغ، فالوحدة الوطنية موجودة بعفوية قد لا تنفع مع هذا الهجوم العولمي ومشروع الشرق الأوسط الجديد المرتكز على وحدانية القوة الصهيونية ومركزية إسرائيل , تحيط بها مجموعة من الدويلات العرقية والطائفية الضعيفة والمتناحرة، فكل شيء يدفع بحدة نحو هذه الاستقطابات القاتلة، وإن كان لابد من الصرامة في معالجة مثل هذه المشاكل إلا أن الحلول العلاجية الأمنية والسريعة لا تفيد إلا بدفع النار إلى تحت الرماد. فلابد من توسيع دائرة العمل السياسي على أسس وطنية، فالاحتجاج بأن تجربة الجبهة الوطنية التقدمية، على أهمية دورها، تستغرق العمل الوطني كله أمر غير مقنع، ويجب الإسراع بقوننة الحياة السياسية على أسس وطنية وضوابط عصرية غير خانقة ومعرقلة. فالعمل السياسي الوطني هو الذي يجمع المواطنين من كل الشرائح. وإن سيادة القانون ومكافحة الفساد والمحسوبية هي التي تغلّب الشعور بالانتماء عند المواطن إلى الوطن، لا إلى الجماعة الما قبل وطنية كالطائفة والعشيرة وغيرها.
إن ميراثنا الوطني كبير، وإن كل المظاهر التي نخشاها هنا وهناك ستضمحل مع التقدم بتنشيط الحياة السياسية التنافسية ونشر ثقافة المواطنة وأفكار التنوير والعلمنة. ومع سيادة القانون واستقلال القضاء الذي يجب أن يكون الفيصل النزيه في كل خلاف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن أمام خيارات صعبة في التعامل مع احتجاجات الجامعات


.. مظاهرة واعتصام بجامعة مانشستر للمطالبة بوقف الحرب على غزة وو




.. ما أهمية الصور التي حصلت عليها الجزيرة لمسيرة إسرائيلية أسقط


.. فيضانات وانهيارات أرضية في البرازيل تودي بحياة 36 شخصا




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تمتد إلى جامعة لوزان بسويسرا