الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرقة العازفين الحزانى .. دكتاتورية الواقع .. وتوهج السرد

مرتضى هاتف بريهي

2019 / 9 / 15
الادب والفن



حينما يتشبثُ الواقعُ بمخيّلةِ القاص، يبدو أنّ لا مفرَ منه؛ لتتضاءل فكرة خلق عوالم قصصية موازية مثالية؛ هرباً من الواقع المرّ أو حلماً في عالم أفضل وإنْ كان في السّرد.

ويحاول الواقعُ أنْ يقيدَ القاص بقيوده، فينجح مرةً مع قاصٍ ويخفق تارةً أخرى مع قاصٍ آخر، لكنْ أنّى له أن يقيد الإبداع حينما يتوهج السرد بالواقعي وتلتمع بطرف عين القارئ دمعة ويخفق قلبه بالحنان الإنساني؟

الحنان الذي يطهرنا من الشرور كما قال أرسطو في حديثه عن التراجيديا، فالحنان الإنساني والتطهير لازمتان من لوازم السرد المنبثق من حكايات الواقع الحياتي، وبحسب بيرسي لوبوك فإنّ القصة هي صورة للحياة، والحياة أمر مألوف بالنسبة لنا ... ويدعونا للحكم عليها فيما إذا كانت صادقة مفعمة بالحيوية مقنعة كما هي الحياة في الواقع أم لا،1 فيجعل الصدق والحيوية والاقناع شروطاً للحكم على مهارة القاص في خداع القارئ، وإيقاظ الضمير الإنساني فيه وتطهيره من نوازع الشر الكامنة.

الخداع لا بالمعنى السلبي إنما الايجابي المرتبط بالفن والجمالية؛ بغية خلق عالم سردي ممتع ومقنع وكأنّه سرد تاريخي حقيقي، بعيداً عن مهمة المؤرخ الذي يقدم الأخبار والحقائق الواقعية للقارئ مجردة من سحر السرد وتقنيات القص.

ويبدو أنّ القاص زهير كريم قد أتقن لعبته الفنية بإحكام في مجموعته القصصية (فرقة العازفين الحزانى) حينما قارب الواقع بسحر السرد اللذيذ، ليجرّ القارئ لفخ المتعة واللوعة الممزوجة بحنان الإنسان وواقعه الجنوني، وبعد كل قصة من قصص المجموعة يشعر القارئ باللذة التي تتحرر بالمشاعر أو الدموع.

وتلمح في قصص المجموعة ثيمة الجنون بأسلوب فني إبداعي، إذ تتجلى في أشكال مختلفة، ففي قصة (زيارة إلى القصر الجمهوري) نرى (جنون الخوف)، وفي قصة (الرجل الذي لم يعترف) نرى (جنون الوهم)، وفي قصة (زهرة عباد الشمس) نرى (جنون الخيال)، وفي قصة( مدينة البكّائين) نرى (جنون الواقع)، وفي قصة (الفص) نرى (جنون السلطة)، وفي قصة(رحلة الخراساني) نرى (جنون العشق)، وفي قصة (كنز المجنون) نرى (تشظي الجنون)، وفي قصة (كوابيس الاستاذ فرحان) نرى (الواقع المجنون/تاريخ العراق من الدكتاتورية حتى الإرهاب)، وفي قصة (لحظة إسكات الرئيس) نرى (جنون الشجاعة)، وفي قصة (الهدهد) نرى (جنون الطوائف في حروبها)، وفي قصة (أبو نخلة) و قصة (طائر أسود) نرى (جنون التقاليد والخرافات المبنية على الوهم)..هذا الجنون الذي تعرضه القصص بأنواعه المختلفة هو نتاج واقع دكتاتوري بسلطته وتقاليده وعقائده الخرافية وخطاباته وحكاياته وأحداثه...الخ، واقع يسلب العقل ويحيّر القلب ويصمت الافواه عن قول الحق، واقع عاشه الإنسان العراقي في تاريخه الحديث والمعاصر، واقع لايقاومه إلا الجنون أو الحياد* واللامبالاة.

كل هذا الجنون تقدمه المجموعة بأسلوب سردي متوهج ينفذ إلى قلب القارئ عبر قصص البؤس التي يعاني شخوصها من الجنون، ليتخلص القارئ من أبشع أشكال الجنون التي وصفها فوكو مرة فقال : إن ((أبشع أشكال الجنون الإنساني عدم التعرف على البؤس الذي يحيط به من كل جانب، وعدم الحقيقة والخير، وأخيراً عدم إدراك درجة جنونه هو))2.

وتلحظ في المجموعة دهشة النهايات(لحظة التنوير) واللمسة التراجيدية في أغلب قصص المجموعة، مع تناسل الحكايات، وحضور السارد العليم من الخارج في أغلب القصص ومن الداخل في بعضها، مع توظيف الأحداث التاريخية بحرفية سردية، وكذلك يجد القارئ رؤية عميقة وفلسفة مميزة مبثوثة في أثناء السرد، مع صياغة لغوية سلسة من دون إطالة أو حشو أو وصف لا يخدم حبكة القصة أو بنيتها ككل واحد، مع ذلك لا تخلو المجموعة من الاستطرادات وعدم التكثيف والإيجاز في بعض المواضع.

………………… ...

1- ينظر : صنعة الرواية : 19-20
* تلمح صفة (الحياد/الحيادية) على أغلب الشخصيات المجنونة في قصص مجموعة فرقة العازفين الحزانى.
2- تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي : 55








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي