الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدرس الديمقراطي من تونس

يوسف الأسعد

2019 / 9 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


تشهد تونس اليوم (الأحد 15 شتنبر) انتخابات رئاسية سيتقدم فيها الناخبون التونسيون إلى مراكز الإقتراع لإختيار رئيسهم الجديد كثاني رئيس يُنتخب ديمقراطيا بالاقتراع العام في تاريخ البلاد الحديث، بعد انتهاء فترة الحملة الإنتخابية التي دامت أسبوعين.
هي انتخابات رئاسية سابقة لأوانها بعد وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي، ضمانا لإحترام الآجال التي حددها الدستور التونسي لسنة 2014 في 90 يوما لتولي رئيس جديد منصبه، و هي الإنتخابات الثانية بعد الثورة التونسية لسنة 2011 يتبارى فيها 26مترشحا، و التي كان من المقرر أن تجرى في نونبر القادم، في سياق ديمقراطية مازالت تتلمس طريقها مع أنها قطعت أشواطا مهمة إلى الآن.

تونس اليوم بعد أسبوعين من الحملة الإنتخابية تقدم نموذجا إلى دول المنطقة و إلى العالم في الديمقراطية، كيف لا وهي من لها السبق دائما في هذا المجال على الصعيد المغاربي و العربي، فهي من شهدت أول دستور عربي سنة 1861، كرس للعديد من المبادئ السياسية المهمة و حدّ من سلطات الباي و قيدها في سياق عرف هيمنة الملكيات المطلقة على المنطقة، و هي من شهدت مجلة الأحوال الشخصية لسنة 1956 التي كانت الأولى من نوعها في المنطقة ساوت بين المرأة و الرجل و أعطت للمرأة مكانة هامة في المجتمع التونسي و ألغت تعدد الزوجات ووضعت مسار إجراءات قضائية للطلاق، مرورا بثورة 2011 التي ألهمت شعوب المنطقة للنهوض و التعبير عن رفض الأنظمة القائمة، و أخيرا إقرار مشروع قانون المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة العام الماضي، في حين مازالت أنظمة تناقش السماح بسفر المرأة من دون محرم !

النقطة الأولى من هذا الدرس الديمقراطي هو كون الإنتخابات تُجرى تحت إشراف هيئة مستقلة، تدعى الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات، كهيئة عمومية مستقلة تهدف الى ضمان انتخابات ديمقراطية، تعددية، نزيهة وشفافة، تأسست أشهر قليلة بعد الثورة و حلت محل وزارة الداخلية التي كانت تشرف على الإنتخابات منذ الإستقلال إلى حين تأسيس الهيأة، و تتكلف عموما في جو من الشفافية بتسجيل الناخبين والقوائم الانتخابية، التحضير للانتخابات ومراكز الاقتراع بالداخل والخارج وتقسيم الدوائر الانتخابية، ضمان الشفافية في الانتخاب وفي الفرز، وإعلان النتائج.. ؛

النقطة الثانية في إحترام حق الجميع في التقدم للترشح للرئاسيات دون إقصاء أو تهميش شريطة إحترام المؤهلات التي يقتضيها القانون، حيث يمثل المترشحون الحاليون مختلف الأطياف السياسية المتواجدة في الساحة التونسية من ليبراليين ويساريين و قوميين و إسلاميين، من مختلف الخلفيات الإجتماعية، منتمين و مستقلين، من مناصري الثورة و من مناهضيها، حيث نجد حتى مناصري المنظومة القديمة لبن علي كالمترشحة عبير موسي (44 عاما) رئيسة الحزب الدستوري الحر الذي يعتبر نفسه وريث الحزب الحاكم، زمن بن علي، حزب التجمع الدستوري ؛

النقطة الثالثة في المناظرات الرئاسية، التي تعتبر سابقة في البلاد، على التقليد الأمريكي، بثت في العديد من القنوات المحلية و الدولية، من تنظيم قناة الوطنية (الحكومية) و تحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري لضبط التجاوزات الممكنة، و التي تعتبر نموذجا في التباري و إقناع الناخبين، بتسيير شفاف و ديمقراطي من صحافي و صحافية، من القطاع العام و من القطاع الخاص، ممن لهم دراية بضوابط المهنة و أخلاقياتها ، مع توزيع المرشحين عن طريق القرعة و كذلك الأسئلة، ومحاور المناظرات التي كانت حول صلاحيات الرئيس، و العلاقات الخارجية و الأمن القومي و الحريات الفردية. كما منحت القنوات التلفزية و الإذاعات العمومية و الخاصة مساحات واسعة من برامجها للنقاش السياسي مواكبة لهذا العرس الديمقراطي ؛

النقطة الرابعة، أيضا منح التونسيين في الخارج حقهم في الإدلاء بأصواتهم عبر إحداث مراكز للإقتراع في البلدان التي يقيمون بها عبر العالم، حيث يقدر عدد الناخلبين المسجلين في الخارج حوالي 400 ألف ناخب موزعين على أكثر من أربعين بلدا، وفقا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

هذه تونس، تونس النموذج حيث ألزم القضاء الرئيس السابق الباجي قائد السبسي، بدفع غرامةٍ مصاريف وأتعاب التقاضي، بعد خسارته قضية رفعها ضد مواطن، و هذه تونس التي لا يتمتع فيها رئيس الحكومة بالحصانة، تونس حيث رئيس الحكومة الحالي تنازل عن منصبه بمبادرة منه، لضمان عدم توظيف مؤسسات الدولة لصالح مشروعه الانتخابي والسياسي، رغم غياب نص قانوني يجبره على ذلك.
طبعا الديمقراطية التونسية ليست مثالية، هناك بعض الإنزلاقات و الهفوات التي تترجم عادة صراعات المصالح، لاسيما تلك القائمة بين رجال الأعمال الذي يوجد منهم الآن في السجن من هو ضحية لهذه الصراعات التي تشوش على التجربة، لكنها على العموم تتحسس طريقها نحو الديمقراطية الكاملة.


يتمتع التونسيون بحجم كبير من حرية التعبير، ما يعطي للسياسيين إمكانية التداول و التعبير في جميع أمور الدولة من طبيعة النظام و صلاحيات الرئيس إلى العلاقات الخارجية والمالية و الدفاع و الأمن..، كل هذه المجالات التي تعتبر في المغرب حكرا على المؤسسة الملكية، عبر الإشراف المباشر للملك أو عبر "وزارات السيادة" (ربما لأننا شعب قاصر و غير قادر على استيعاب و فهم هذه الأمور مهما بلغنا من علم و مراتب و مهما راكمنا من تجارب، لن نكون أذكى من الملكية!).

إن تطلّعنا إلى الديمقراطية في بلدنا المغرب هو الذي يدفعنا لإستلهام التجارب لاسيما من الدول القريبة منا من حيث الجغرافيا والتاريخ، و ما أحوجنا في المغرب و نحن نعيش في نظام هجين تسوده ملكية تنفيذية تلعب فيها الحكومة دور مؤسسة لتصريف الأعمال، ما أحوجنا إلى نظام الحكم البرلماني، الكفيل بالتوفيق بين الديمقراطية و بين الملكية الوراثية التي رضي بها المغاربة، حيث الحكومة فيه منبثقة من الشعب و تتمتع بكامل سلطتها التنفيذية، ما أحوجنا إلى النظام البرلماني حيث رئيس الحكومة له وحده سلطة تعيين وزراءه و له حق إعفائهم، باستقلالية و دون وصاية، حسب ما تقتضيه استمرارية و نجاعة عمل الحكومة و بالتوافق مع الأحزاب المشكلة للأغلبية، ما أحوجنا إلى أحزاب سياسية حقيقية مستقلة تعبر عن تلطعات الشعب وتتداول على السلطة بشكل ديمقراطي عبر صناديق الإقتراع و يفسح لها المجال كاملا لتنفيذ برامجها الإنتخابية التي يصوت عليها الناخبون، ما أحوجنا إلى ملك يسود ولا يحكم.

من المؤسف جدا أن تطلعاتنا هذه كانت نفسها تطلعات الرعيل الأول من مناضلي التحرر الوطني قبيل الإستقلال، مرت 63 سنة و مازلنا ندور في نفس الحلقة المفرغة، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية و غياب التعاقد الحاسم.




يوسف الأسعد
https://www.facebook.com/ysf.elasaad








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز