الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب استجواب الرئيس

عصام عباس أمين

2019 / 9 / 16
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


قراءة في كتاب
استجواب الرئيس
جون نكسون
عصام عباس أمين
مع علمنا المسبق بدور دور النشر في الغرب والمبالغ التي يمكن ان تدفعها للناشرين، الا اننا وبسبب تمتع الكاتب (جون نكسون) بمزايا محددة يجعلنا نميل لنتوقف في اغلب ما جاء به في كتابه الموسوم (استجواب الرئيس) والذي صدر في العام 2017... فقد عمل محللا استخباريا في مجال تحليل القيادات لدى وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية لمدة ثلاثة عشر عاما، مختصا بالشأن العراقي. ليطلع ويقرأ كل ما كتب عن صدام من تحليلات او تقارير استخبارية تصدرها الوكالة. وعملية الاستجواب وفرت له فرصة ذهبية لمقاطعة المعلومات الاستخبارية المتجمعة لديه مع تلك المعلومات التي كان يقدمها صدام. مما جعلته اكثر قربا للحقيقة من الاخرين... ولان الحقيقة ثقيلة عادة ومقلقة لهذا فقد وجد نفسه ملزما بالكشف عنها لتصبح جزءا من التاريخ. وما تم كشفه لم يختص بالاستجواب فقط بل تعدى ذلك الى صنع السياسية ودور الوكالة فيه، لذلك فقد لاحظنا ان الاستجواب ينتهي في الصفحة 161 لكن السرد يستمر لنهاية الكتاب الصفحة 235. فالمؤلف (جون نكسون) وبعد ان عاد الى امريكا وتركه العمل في وكالة الاستخبارات المركزية كان يفكر كثيرا بصدام (الذي تمكن من اختراق جلدي ليعشش في ذهني، ربما كان ذلك يعود الى شعوري بالذنب المزمن لكوني شاركت بالكثير مما وقع في العراق من أخطاء... ص 232)... هذا الشعور كان اشبه بنوع من العقاب يشعر به الكاتب، فالحكمة اليونانية القديمة تقول (لو ارادت الالهة معاقبتك، لقدمت لك اكثر مما تتمناه) وبهذه الحكمة فقد قدم (نكسون) كتابه والذي سيكون سواء شئنا أم ابينا وثيقة تاريخية مهمة لكل باحث ومهتم لمعرفة ما جرى في هذا الجزء من العالم.
من الامور التقنية التي رافقت الاستجواب ان صدام لم يخضع الى اختبار كشف الكذب، اذ كانت قيادة وكالة الاستخبارات تعتبر وكانت محقة بذلك، ان صدام سيرى في ذلك اهانة له، ويقضي بالتالي على احتمال كسب تعاونه. ليتم الاكتفاء بإضافة خبير كشف الكذب اثناء الاستجواب... وهذه الاستعاضة جرت لتقليل اي محاولة تضليل يقوم بها صدام، فهو لم يكن شخصا عاديا، كان صلبا وحاد الذكاء ومناورا، كما كان حاد التقييم لمستجوبيه ويبحث عن نقاط ضعف قد تصب في صالحه. كان مهووسا بالسيطرة، كان رئيس دولة بوليسية بامتياز وبالتالي تصبح قضايا التحقيق امورا مألوفة لديه وقادرا على توجيهها بطريقته الخاصة. ولهذا السبب فإننا نعتقد بان صدام كان يناور بالإجابات بما يحقق تحسين صورته والتأثير على مسار الاستجواب. وقد تحقق له ذلك بقدر كبير، فرغم ان التقييم النفسي الاول لصدام قد اشار الى كونه كذابا مزمنا... الا أن المؤلف وبعد جلسات استمرت لمدة ستة اشهر يوميا يصحح هذه المعلومة ويؤكد (لم يكن كل ما قاله صدام كذبا، بل بالعكس تماما فانا اعتقد ان الذي قام بالتقييم النفسي كان مخطئا). وهذا الاستنتاج العملي يضعنا في حيرة امام المدى الذي يمكن لنا ان نصدق فيه اراء وتقييمات النفسيين عندما تجري تلك التقييمات عن بعد وليس من خلال الملاحظة المباشرة او المقابلة؟!! وفي نفس السياق يذكر المؤلف مدى عدم دقة الراي القائل بان اعجاب صدام بستالين وهتلر قد اتاح للاكاديميين مقياسا يمكنهم من خلاله تفسير صدام لعامة الناس، كما كان وسيلة سهلة لتصوير رجل العراق القوي بصورة شيطان، لينتقل هذا التصور الى عالم السياسة. الا ان الاستجواب اظهر بان صدام لم يذكر ستالين او هتلر عندما سأل عن أهم الزعماء في نظره فقد ذكر كل من (ديغول ولينين وماو وجورج واشنطن... وكانوا جميعهم من اسسوا انظمة سياسية) والمفارقة المهمة هنا انه لم يذكر اي زعيم عربي ايضا. بمعنى ان التصور الذي بني حول اعجاب صدام بستالين وهتلر لم يكن له اساس من الصحة.
من الملاحظات المهمة الاخرى التي يذكرها المؤلف ويثبتها من خلال الاستجواب أن الولايات المتحدة اعتادت على تبني رد الفعل الاعمى على التهديدات، بدون تقيم واقعي لمنافع التواصل والسياسة الواقعية. ولهذا فان امريكا ارتكبت اخطاء واضحة في مضيها في حرب اختيارية في العراق، من دون معرفة عميقة بالعراق واوضاعه السياسية والطائفية. فقد كان على الامريكان معرفة ما الذي يحفز صدام... والى ماذا ستؤول الاحداث في الشرق الاوسط بغيابه... وبالمجمل فقد كانت الاسباب المبررة لاستهداف صدام تستند الى حجج واهية ان لم تكن زائفة. وجون نكسون كان معتقدا في 2003 ان الولايات المتحدة قامت بغزو العراق بدوافع صائبة، لإيجاد وتدمير اسلحة الدمار الشامل ولتحرير البلاد من ديكتاتور وحشي. فبعد انتهاء حرب الخليج الاولى وضمور مصادر المعلومات لدى وكالة الاستخبارات، بدأ العديد من المحللين في الوكالة بتقبل الصورة الكاريكاتورية الهزيلة التي تظهر صدام ذلك الجزار الشرير الذي لابد من ايقافه عند حده مهما بلغ الثمن. وهذه النظرة (منعت من النظر اليه من خلال عدسة العطف التي كانت ستبيح لنا مشاهدته وهو يواجه ضغوطا مضادة كانت احيانا تدفعه نحو مسارات كانت تعرضه الى الخطر. مثل اضطهاد الشيعة العراقيين الذين كان يعتبرهم صدام اعوانا لإيران ابان حربها مع العراق).
وهنا تحديدا يذكر (جون نيكسون) وبالنص (طول السنوات التي امضيتها في تحليل صدام لم يخطر لي للحظة ان صدام يخشى السلفيين!! كنت اتأمل ما الذي جعل المحللين يخطئون في تحليلهم ؟ ما الذي يجعل جزار بغداد يخشى السنة الذين كانوا يشكلون العمود الفقري لمؤيديه؟!. وأمام هذا السؤال الجوهري يؤكد (نيكسون) بأن صدام كان يقدم لنا دلائل عن الرجل الكامن وراء الاسطورة وكان بعض ما قاله يمثل ما لم يرد البيت الابيض سماعه. وهنا يبدو وجود هوة كبيرة بين صورة صدام لدى امريكا قبل الغزو وما ظهر منها بعد الغزو، على الاقل من وجهة نظر محلل مختص بتحليل القيادات في وكالة الاستخبارات الامريكية... فالمحلل الاستخباري والمحقق الذي استجوب الرئيس يفاجئنا مرة اخرى بقوله (ما يتعلق بفهم الشارع العراقي فلم يكن لصدام مثيل، ما من احد غيره كان يعرف احلام العراقيين وتطلعاتهم وقدرتهم على الخيانة. اما حينما يتعلق الامر بتعامل الامم بعضها مع بعض، او يحرك دولة بعيدة مثل الولايات المتحدة، فكان الموضوع يفوق قدرات صدام على فهمها).
لكن في ذات الوقت كان الملاحظ على صدام انه كان مسرورا بمعاناة الامريكان في بسط السيطرة وتحقيق نوع من الاستقرار في العراق بعد الغزو (كانت تسره معاناتنا في بسط حالة الاستقرار التي كان يتمتع بها، كانت الولايات المتحدة مغفلة في توقعاتها بانها ستتمكن بكل بساطة من الدخول لتحل محله. كانت الفكرة القائلة ان غزو العراق سيتم بمنتهى السهولة قد تمخضت عن حالة مذهلة من الغباء والغرور. لم تتمكن وكالة الاستخبارات المركزية ولا غيرها من الوكالات الحكومية من اقناع صانعي السياسية بأن صدام كانت لديه نظرة ثاقبة).
اتوقف هنا امام سؤالين محددين...
الاول. هل نجح صدام في التأثير على مستجوبيه؟ فهو انكر علمه بوجود مقابر جماعية، مثلما انكر معرفته بقصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية مؤكدا بانه لم يصدر مثل هذا القرار.
الثاني. بعد نشر الكتاب... هل هناك فرصة لتصحيح الصورة مرة اخرى بعد استجواب الرئيس؟! فترك الكتاب هكذا من دون مناقشات موسعة تشارك بها النخب العراقية والمفكرين... سيجعل صدام يكسب الجولة الاخيرة رغم شنقه في جوف الظلام في اول ايام عيد الاضحى 2006.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح