الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة إسلامات .. الديني والمذهبي مقابل القومي (5)

جعفر المظفر

2019 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ثلاثة إسلامات .. الديني والمذهبي مقابل القومي (5)
جعفر المظفر
بالنسبة لي سأبدأ من السؤال التالي, ألا يكون من الطبيعي ان تؤدي وحدة الرمزين (الديني والقومي) على جانب معين إلى إنتاج حالة أفضل مما تنتجه على جانب مقابل تعوزه بشدة هذه الوحدة, فكيف يكون إفتراض الأمر حين نجد هذه الرموز في الغالب وهي متخاصمة ومتعاركة نتيجة لتناقضها الحضاري والسياسي.
لدخول مباشر على الإجابة, التي ستبسط بدورها تركيبة وهدف السؤال, علينا بمشهد المقارنة التالي :
هناك على الجانب الفارسي تناقض رموز, القومي في مجابهة الديني, فالحضارة الفارسية الضاربة في أعماق التاريخ فوجئت بعدو (قومي عربي بدوي !) يتغلب عليها في غفلة من أغلب العوامل التي تفترض أن يكون لها تأثير في تحديد هوية الغالب, اما النصر الذي حققه (بدو القادسية) فلم يتحقق بالنتيجة بمعزل عن محاولة التغلب على الهوية الفارسية (القومية) المتحضرة.
إن ما حصل بعد ذلك أن دينا كان إنتصر, و(قومية) بهوية حضارية عريقة كانت قد إنكسرت, أي أن دينا هزم قومية.
ويوم إنسحب (السيف) العربي تاركا (القرآن) في بلاد فارس فقد كانت هناك محاولة لترويض (=هداية) (أمة) مكسورة لصالح امة منصورة تحت رايات الدين الإسلامي. أي ان ما حصل في النهاية هو إنتصار دين على قومية لكن لصالح قومية اخرى هي (سياسيا) صاحبة هذا الدين.
في مساحة التكوين والتقويض القومي نمت العلاقة الفارسية العربية بشكل يتخذ على السطح نشر الدعوة السماوية لكنه يخفي تحتها مباشرة كل مقومات الصراع القومي بين أمة منصورة واخرى مقهورة. وفي المساحة الأخيرة طلب من الدين ان يروض الإنبهار القومي الفارسي ويهدئه وحتى أن يقضي عليه لصالح الإنتصار الديني القومي العربي.
لكن في واقع الحال أن النصر العسكري الذي تحقق في معركة القادسية لم يختم على الأمر نهائيا. فما أن إنتهى الصراع بالسيف حتى بدأ صراع الحضارات بين أمتين, عربية تتكون وفارسية ترفض الزوال, ومع الأولى كان الجانب الحضاري متراجعا لصالح قيم البداوة الصحراوية التي حاول الإسلام أن يلطف جانبا منها.
لكن هل كان بمقدور الدين الواحد أن يزيل حقيقة أن الأمة الفارسية ظلت تشعر أنها سياسيا قد تعرضت بالنتيجة إلى غزو من أقوام (بدوية متخلفة), وأن فارس التي كانت تتقاسم العالم مع الرومان قد اصبحت تحت هيمنة الغزاة العرب وحتى أن البعض قد اشار إلى أن النساء الفارسيات كنّ قد غزين تحت راية الغزو الإسلامي وقيل أن بنات كسرى أنفسهن قد تقاسمهن أولاد الصحابة المنتصرون !
وهل كان ممكنا للدين, مهما قيل عن عظمته الروحية أن يقنع الفارسي بالإستسلام, تاريخا وحضارة وامة, لغزاةٍ جاءوا من عمق الصحارى وهم لا يتقنون سوى فنون القتال والإستباحة.
حتى كأني أسمع فارسيا يقول إذا كان الإسلام بالنسبة للعرب قد جَبَّ ما قبله, فلأنهم قبل الإسلام لم يكونوا يملكون ما يخسرون في مقابل تاريخ جديد صنعه لهم الإسلام, اما مع الفرس فإن عملية (الجَّب) هذه قد ألغت أمة بتاريخ حضاري طويل وعريض, والنتيجة بحساب السياسة لا شك كانت أن الفرس خسروا كثيرا من عملية الجَّب الديني هذه وتحولوا, سياسيا, من أسياد إلى تابعين, في ساحة رتبها الدين بإتجاه, وسيدخل عليها المذهب لكي يعيد ترتيبها من جديد.
هنا يكمن جذر المشكلة الحقيقي. إيران التي اصبحت جزء من أمة إسلامية لم ترفع راية الإستسلام التاريخي للعرب بل كانت تبحث عن مخرج حقيقي يعيد لها تفوقها القومي فصارت تسعى لتحقيق أمرين اساسيين, أولها الحفاظ على الهوية القومية وثانيهما إعادة التفوق السيادي ولكن تحت راية الدين الجديد نفسه.
وكان صفي الدين الأردبيلي ووريثه السياسي إسماعيل ذكيين بما فيه الكفاية لكي يدركا أن بإمكان إيران ان تجد نفسها من جديد, وحتى ان تعيد تفوقها السياسي والقومي من خلال الدين الإسلامي وليس بالخروج عليه, حتى كأنها تقول هذه بضاعتكم وقد ردت عليكم.
وليس من حق احد, لا العثمانيين ولا العرب, أن يدعوا مشروعية سياسية قومية تحت غطاء الدين وبإسمه في وقت يسقطون فيه حق الفرس في ذلك, فالدين طالما كان غطاء للسياسة وأساس لتأسيس الدول والإمبراطوريات فإن من حق هذه الدول أن تكيفه سياسيا بما يخدم مصالحها القومية. وقصة التشيع الصفوي واهدافه معروفة.
لكن على الصعيد الداخلي (الديني) لم يخضع المجتمع الفارسي لأهداف التطبيع الصفوي ومظاهره العاشورية المتخلفة والمحبطة لعمل الدولة بل ظلت الأمور تسير بإتجاهين, أولهما القبول بمذهب الإثني عشر مع رفض إحلال التشيع الصفوي الموجه سياسيا خارج إيران كبديل للتشيع العلوي خاصة من خلال وعائه الشيرازي الأكثر تطرفا على صعيد مظاهر الحزن العاشورائي.
كان علماء الدين في مقدمة من رفضوا مظاهر التشيع الصفوي ومن ابرزهم الخميني. اما خامنئي فقيل أنه لم يتردد عن إرسال أكثر من خمسة آلاف عسكري ! لتفريق مسيرة دينية تعدادها ليس أكثر من مائة شخص حين أراد اصحابها ممارسة الشعائر الدينية العاشورائية مستعملين مشاهد التطبير لشق الجباه والزنجيل للجلد الظهور.
إن أحد أهم العوامل التي ساعدت المجتمع الإيراني على تجاوز الثقافة الصفوية وما يرتبط بها من ممارسات ممقوتة هو غياب التحديات التي عادة ما تثيرها الثنائيات الطائفية أو الدينية. وفي داخل بيئة حضارية متوارثة فإن القدرة على التخلص من الإرث الصفوي كانت متيسرة, خاصة وإن الحاجة السياسية لوجود هذا النوع من التشيع قد إستنفذت أغراضها بعد أن تحولت اغلبية المجتمع الإيراني إلى المذهب الشيعي وترسحت أركان حكم العائلة الصفوية وبعد أن هدأت خاصية هذا التشغيل سياسيا, سواء على صعيد علاقة العائلة الصفوية مع الداخل الإيراني أو على صعيد حالة المجابهة مع الدولة العثمانية.
على الجانب العراقي بدت الأمور معكوسة لأمرين أقلهما تأثيرا العامل الذي يفسر الامور على طريقة نظرية المؤامرة واضعا تأثير العامل الذاتي في مقام ثانوي, وهو تفسير يلقي بعواهن الأمور وتبعاتها كليا على وجود مؤامرة صفوية إيرانية تستهدف الحالة العراقية لأغراض ذات علاقة مباشرة بالنزاع العربي الفارسي ومحاولات الهيمنة على العراق.
ولا يعني ذلك غياب نوايا وفعل إيراني بهذا الإتجاه ولكنه يحمل دعوة صريحة للإلتفات إلى العوامل الداخلية التي جعلت الثقافة الصفوية ملكية عراقية بالدرجة الأساس, فالثقافة الصفوية باتت اليوم ظاهرة عراقية بالمقام الأول لأن الحاجة إليها عراقيا باتت مرتهنة بالفوائد التي تجنيها حاليا حركة الإسلام السياسي الشيعي في العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواكشوط تعلن اقتناء جيشها مسيرات وأسلحة متطورة، لماذا؟


.. مندوبة بريطانيا بمجلس الأمن: نحن فى أشد الحاجة لتلبية الحاجا




.. الجيش الإسرائيلي ينشر مقطعا لعملية تحرير 3 رهائن من غزة| #عا


.. عاجل | مجلس الأمن يتبنى قرارا أمريكيا يدعو لوقف إطلاق النار




.. نتنياهو يلتقي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في القدس