الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلاد البحر لا بحر فيها ولا نهر - قراءة في رواية بلاد البحر للروائي الفلسطيني احمد رفيق عوض

توفيق العيسى

2006 / 5 / 17
الادب والفن


بحر عكا .... بحرنا ... جسر الغزاة والطامعين والمغامرين ؛ بحر عكا بهدوئه وجسده الامع ينقل لنا حكايا عن أزمنة غابرة ومدافعين وملوك غابرين؛ حصارات؛ نيران؛هزائم وانتصارات؛ وقديما قالوا " لو خافت عكا من البحر ما جلست على الشاطيء"؛ صرخ رجل ما بوجه أحد أمراء صلاح الدين " خلوا بين عكا والسفن عكا تعرف كيف تدافع عن نفسها" قالت امراة ما لأمير آخر " عكا جسد امراة تعرف كيف تغتصب وتعرف كيف تنتقم وتحاسب لن يمتلكها ابن كلب هذي بلاد يصعب الاحتفاظ بها" "مولاي وسيدي صلاح الدين" يسمع ويعرف كل شيء نظر الى الأمراء والتجار المتذمرين رأى سور عكا ينهار وسمع نباح ملوك الأساطيل الافرنجية في حارات عكا رآهم يتقاسمون المدينة ويتقاسمون العنجهية رآنا نتصارع مختلفين على أي خد سنضرب احدهم قال " نضرب على الخد الأيمن وآخر قال لا على الخد الأيسر لكن مولاي صلاح الدين همس لنفسه عكا لم تعد لنا علينا أن نرحل عنها
همس الملك الأشرف لنفسه "أنا العدل وأنا الانتقام" وأمر جنده " أريد هذي المدينة حية أو ميتة" "أحرقوا المدينة اغتصبوها انتهكوها"
وقف أحمد رفيق عوض مذهولا مما يسمع " مالذي يجري؟!" أجابه أبا الفداء: " هذي المدينة يحبها الافرنجي"
احمد رفيق عوض الروائي الفلسطيني والذي بدء أولى رواياته بمواجهة غير مأمونة العواقب مع أهل قريته اثر اصدار روايته الاولى " العذراء والقرية" وفي روايته الجديدة "بلاد البحر" انتبذ لنفسه مكانا قصيا عن كل ما هو مستهلك وشعبوي اقترب أكثر الى الحقيقة والتحليل النقدي اقترب اكثر من فلسطين الأرض والتاريخ والأسطورة اقترب اكثر من فلسطين التي لم نعد نعرفها اختار التاريخ مادة لروايته كاشفا أسراره وكيف تتفاعل الأحداث وتبنى الممالك وتهدم كيف تحاصر المدن وتنهار القلاع وكيف ينتصر المنتصرون
واذا كان العمل التاريخي يفرض على الكاتب والمتلقي شخوصا وأحداثا جاهزة فقد عمل الروائي في رواية "بلاد البحر" الى اختيار أبطاله بنفسه فالشخصيات والأحداث لم تخدم الرواية التاريخية فحسب وانما وظفت في خدمة مشروعه الروائي ؛ فالوالد المهزوم الرعوي يتحول "نيصا" يبكي قيسارية والبحر والحبايب الذين مضوا يبكي بحرقة وقهر ذات الحرقة والقهر الذان يعتملان في صدر الملك الاشرف بن قلاوون الذي تحول الى ملك منتقم أحرق المدينة بعد انتصاره وأحرق معها قهره وسنوات الذل وبكائه الذي يشبه بكاء "النيص" يأخذنا الروائي الى الكشف عما يدور بذهن المقهور ومشاعره وكيف " سيتبر ما علو تتبيرا " ذات يوم اذا ما انتصر لاوقت لدينا كي " نقدم نموذجا انسانيا فريدا" فاعدائنا لن يسمحوا لنا بذلك فلو كنا بشرا بنظرهم لما كانوا احتلالا وما كنا مضطهدين
لا أريد أن أنجرف نحو عرض افكار الرواية مغفلا "التكنيك" الروائي فاختيار الحلم أو المنامة سمح للروائي بأن يتنقل بين المدن والأزمنة والأسطورة يلتقي شخوصا من عوالم مختلفة يسمعهم ويناقشهم ويبدو أن الروائي استفاد أيضا من تقنية الكاميرا وعمله في مجال الصحافة المتلفزة ففي بعض مقاطع الرواية والتي يمكن أن نسميها مشاهدا نرى كاميرا تتحرك تصور وتربط بين الكلمة والصورة والأشخاص فتقنية القصة المتلفزة تعتمد على سرد القصة نطقا مع عرض صور مساعدة تدلل على صحة الكلام المنطوق وللمصداقية فانها تلجأ الى اجراء مقابلات مع شهود العيان أو أصحاب الاختصاص وأصحاب القصة ذاتها وقد لجأ الراوي الى استخدام هذا الأسلوب في بعض المقاطع/ المشاهد الروائية
" أبو مصطفى هو المسئول عن خلط الأشياء بعضها ببعض وعندما يحدث عن مناماته فانه يخلط ما يراه في منامه وبين بلاده التي قطعها مشيا على الاقدام. مالفرق؟!" وينتقل الى مشهد توضيحي فيقول " سأل والدي ذات مرة .مالفرق؟! ما يحلم به الانسان يتحقق لاشيء عصي على الحدوث..."-
فهو يحدثنا عن الشيوخ الأربعة الذين قطعوا البلاد مشيا وعن أبو مصطفى الذي يخلط الأحلام بالواقع هنا قدم الصورة التلفزيونية وللتعليق عليها أو لشرحها استخدم والده في المقطع التالي ليحدثنا عن أهمية الحلم فهو هنا كالصحفي الذي يطرح الموضوع ويسئل ويدلل باجابة أصحاب الشأن تاركا لهم سرد قصتهم أو فكرتهم
وينقلنا بتقنيتين - المنامةوالقصة التلفزيونية- من حصار عكا والملك الأشرف الى حصار الضفة ووالده الى السيدة الوضيئة العارفة بأعشاب الأرض وأسرارها الى والدته المثقفة بلا كتب أو مدارس ونظريات ومن ملك الفرنجة الى موران الصهيوني ومن بيدرا المؤيد لحزب المصانعة الى مثقفينا المنظرين للهزيمة والخنوع
لكنا قد نغفل مسألة مهمة اذا ما حصرنا أحمد رفيق عوض بزاوية التاريخ عرضا واسقاطا فقط فهو أيضا روائي صارخ بوجه الهزيمة يعلن موقفه من كل شيء؛ لماذا يحرق الملك الأشرف عكا ؟! لقد تعلم من أعدائه سياسة التخريب ؛أو كما قال مظفر النواب " فخراب بالحق بناء للحق" انه يعلن أن الاحتلال يورث الخراب فلا ديمقراطية تتأتى من على ظهر دبابة ؛حريق عكا هو المحصلة الطبيعية لحالة الاحتقان التي نتعرض لها وهي ناتجة من مجموع أعداء الأمة نرى أن الملك الأشرف كان يستمع في كل يوم الى ما فعله المغول في بغداد كيف انهوا حاضرة الخلافة وكم الحقد المتنامي على من صبغ النهر بلون الحبر والدم كل هذه موثبات تدعوه الى الانتقام من أعدائه بشخص عكا لولا ضياع عكا ما ضاعت مدينة عربية أخرى بحر عكا حمل الينا الفرنجة وهو الذي حمل المغول الى بغداد فالحقد واحد والثأر واحد والبحر واحد ويبدوا أن الروائي يستكمل مشروعا آخر؛ الشان الفلسطيني الداخلي؛ الفساد؛ التمويل المشبوه وما صنع؛ هذا المشروع الذي نجده في رواية " آخر القرن ومقامات العشاق والتجار وغيرها" فهناك شخصيات متشابهة وأحداث متشابهة وهو ايضا فلسطيني تذوب بلاده شيئا فشيئا " ألم تنقسم البلاد الى نصفين؟! ألم تنقسم برطعة الى قسمين؟!" لم نعد نعرف فلسطين لقد ضاعت وعلة الضياع نجدها في صفحات منامته ونسمع ايضا صوت "ختيار" يقول " من الآخر لبلاد لأهلها"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-