الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طين صوفي فائض ... قراءة شعرية في كتاب طين فائض للمبدع حيدر كماد :

هيثم جبار عباس
شاعر ، كاتب، صحفي

(Haitham Jabbar Abbas)

2019 / 9 / 18
الادب والفن


حيدر كماد ما هو الا طين فائض عن حاجة الرب , فسواه شاعرا سويا , ( طين فائض) المجموعة الشعرية الاولى للشاعر المبدع حيدر كماد , ليس فيها شيئا من الغزل والحب والالفاظ المزورقة والملمعة , بل هي كتلة من احاسيس موجعة.
أسألته لا يطرحها الا على ذاته او خالقه , اشبه بالفيلسوف الصوفي , اهدى طينته الفائضة الى صديقه الذي نام متأخرا حين بدأ الرب بتكوين هذا الطين , وهو الاب ولــكم هو جميل ان يصادق الشاعر ابيه .
قصائده عبارة عن حيوات مترهلات , الشعراء عنده ابالسة وكسرة انبياء , نظراته للاشياء تختلف كليا عما يمر ببالك , فعندما تتقيُ السماء على الارض تنشأ المحيطات , وحظه من الدنيا حظ قفلٍ التصق في باب بيت مهجور كان لمومس, والكل يمقت هذا القفل, متى ستفتح ؟ متى ستكسر وتعود تلك التي تملأ الدنيا بهجة وسرور.
حيدر كماد كان يكره الغرف الخرساء التي لا حراك بها, وكان يظن ان إله هذه الغرفة يبغضه, فكان دائما ما يمتطي صهوة براق احلامه اليقظة , لعله يقع في حضن واحدة تعطف عليه كإله اخطأ كثيرا فتلاشت قواه , ولكونه يرى الحب والعشق شيئا نادرا فلذلك يقول (( من امتلك عشيقة , قد امتلك ما ليس لدى الله )) وقد صدق الشاعر فالله لا عشيقة له ولا صاحبة .
لا تخلو قصيدة من قصائده الا وبها إله يتخبط , يهمس في اذنه الوسطى ويقول له(( نهد ضامر في جسد عشريني, وشاعر نسي كيف تدمج الكلمات, فغض بصرك فسماؤنا خرساء تتلألأ )) . كان هوس الشاعر كيف يجعل الفراشة تعمل ولا تتعطل عن رحيق الورد, كان يكافح حملات الاعدام القسري , حين يتم شنق الحلوى امام اعين الاطفال بلا رحمة .
انه يدركه تماما ويعرفه بانه بقايا هامش , او هو حجر تعثرت به عجوز خرفة , هو حبل التف حول عنق مظلوم , هو عقب سجارة حُشر في ثقب جدار , كل هذا الادراك وهو يصرخ ويقول لن ندرك الامر ولا بد ان نضع بعض الاحتمالات, ربما قبلة يستقر بها , فهو بحاجة الى شي لا يعرفه ربما يحتاج الى فتاة جميلة لا يعرفها تلقي عليه التحية وتمضي , ايتها البنات الجميلات اللواتي لا نعرفكن ما ضركن ان القيتن علينا التحية والسلام , فانتن لا تعرفن ما تصنعن في قلوب الشعراء .
كان بحاجة الى عمل صبياني , كأن يدق جرس باب ويهرب , كأن طفلا يغمس بعشق لامرأة بعمره امه , كأن يعذب عصفورة صغيرة وينتف ريشها, او يسحق جناح فراشة , او اي شي مقرف كمن يصفع طفلا رضيعا , ايفعل الشاعر كل هذا كلا بل كان قلم الشاعر سكرانا فكتب دون ان يعي صاحبه شيئا , قلم كرع الكثير من الحبر في تلك الليلة حتى غدا يشخبط على ظهر الورقة .
حيدر كماد يقسم اوقات يوميه , ففي الصباح تختبئُ خفافيش روحه , وفي النهار يعود منهكا من فراغه , اما المساء يلملم اجزائه المستيقظة , وفي الليل تعود الخفافيش الى اغوار روحه فيظل يبكي ويبكي من الذكريات منتظرا الآتون من الغد, ها قد عادوا ونفضوا كل انواع البنفسج ومسحوا الشحوب , عادوا حاملين برودة الفجر واول شعاع شمس خجول , عادوا في يوم 12 ابريل من كل عام , في اليوم المبارك الذي يبارك الله به كل انثى نفضت حملها , فلربما كل من يولد في هذا اليوم سيكون شاعرا, وليس مجرد غربان آدمية , فهو اشبه باليوم الذي احتارت به العذراء بوليدها احتار الشاعر بنفسه في يوم مولده , وبالنيابة عن امثاله كتب عن موت اغبر , كتب عن فرح معاق , عن الم في عيون الآباء , عن ليل اصّفّر من الغبار, عن رسالة وبحر وقنينة .
وفي استعادته في فجرٍ ابريلي كتب عن الوجه المضيء من القمر , عن حقول القمح التي لم يراها , رغم ذلك فهو يبتسم للمارة الغرباء ولم يشعر بالبلاهة . فسنين عمره هلامية لزجة تفوح منها رائحة رطبة مع كل هذا فهو لا يشعر بالحزن , فعنده ليل بطعم القهوة يستعيد به ذكريات قصائده , حين كان الموت يعطيك بضع دقائق , لترى الحياة كما لم تعشها وتغادر .
اما في المعبد تتفتح ازرار الجنة وتفوح عطور النساء قاطبة , ولو لا دعوة النهد لما آمن بالعيون ..... اكتفي بهذا القدر اما الطين الفائض فما زالت الشعرية فائضة به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب


.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس




.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد