الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاجة والوهم ، قراءة في نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية

محمد المناعي
باحث

(Manai Mohamed)

2019 / 9 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


بعد انتخابات 2014 بتونس سقطت مقولتين ميزتا التوازن السياسي الهش في البلاد المقولة الأولى هي "الاسلام في خطر" التي اشتغلت عليها حركة النهضة وحزامها القريب لتعبئة الناخبين المحافظين إلى صفها وساهمت في حصد رصيد هام من الأصوات حول المترشح منصف المرزوقي والقائمات التشريعية و المقولة الثانية وهي" النمط المجتمعي في خطر " التي اشتغل عليها الطيف المدني الليبيرالي لتدعيم فكرة التصويت المفيد لصالح الباجي قايد السبسي وجرت جزء من التقدميين لصالح هذا الاتجاه وبالكاد يتذكر الناس بقية المترشحين الذين ذهبوا ضحية هذا الاصطفاف .
هذا التوازن والاصطفاف سرعان ما انهار بالتحالف بين الطرفين وفوق ذلك الحصيلة السلبية لحكمهما معا والتي ميزها ثنائية واضحة وهي عدم الاستجابة لحاجيات المواطن المعيشية من أسعار وصحة وتعليم ونقل وبنية تحتية وشغل وغيرها وانتشار الفساد في الطبقة السياسية الحاكمة وسياسة الافلات من العقاب .
فبدت الحاجة تدريجيا تتوضح إلى أمرين اثنين :
- قوة إجتماعية تحضى بثقة الناس وتهتم بمشاغلهم الصغيرة والدقيقة واليومية من علاج وغذاء ولباس ومسكن وتغطية اجتماعية كترجمة مبسطة لحاجتهم إلى الكرامة والى العدالة الاجتماعية والى دور الدولة الاجتماعي من خارج هذه المنظومة الحاكمة.
- قوة سياسية تعيد الثقة للمواطن في الشأن العام وفي الممارسة السياسية وتحركه للذهاب للتصويت مع وليس للتصويت ضد ، قوة تراعي التفاصيل النفسية البسيطة في عدم النهم على الكرسي وعدم وعد الناس بوعود خيالية وهمية ، ويد نظيفة تتميز بالاستقامة وتراعي التوازن القيمي والاجتماعي وطبيعته المحافظة دون مجازفة ولا مس من الواقع المجتمعي الموجود . قوة تطرح نفسها ضد توازن السلطة المتورطة في الفشل والفساد ومعارضة في موقع مريح في علاقة بالسلطة لا تطرح على نفسها سوى معارك بسيطة ومناوشات في إطار برلماني .
هاتان الحاجتاين لم تجدا أمامهما قوة اجتماعية وازنة قادرة على الاستماع المرهف لصوت الناس وحاجتهم دون بيع الوهم وتعمل على تغيير حياة الناس عمليا بأيادي نظيفة وعدم رضا حقيقي على المشهد لا بحثا عن التموقع المريح فيه وتأبيده بتعلة الاستقرار والاستمرار.
هذا الفراغ فسح المجال للتيار الشعبوي الذي يمس سطح حاجيات الناس دون أن يعالج في العمق أصل المشكل ، فبرز نبيل القروي بقناته وجمعيته وخطته التواصلية لطرح نفسه كبديل اجتماعي عبر عمل ميداني وتوزيع المساعدات ،بديل في أنظار اعامة لتهاون أجهزة الدولة في القيام بدورها الاجتماعي ، وبديل لقوة اجتماعية وازنة في البلاد اقتصر دورها على التفاوض حول الزيادة في الاجور واعادة التوازن لمشهد سياسي منخرم دون القيام بالدور الأهم وهو الاهتمام بالحاجيات الاجتماعية للخدام واسرته بشكل عملي فعلي ويومي ،و بديل عن يسار لازال بيحث عن قراءة لطبيعة المرحلة ودوره فيها ومنغمس في المناكفات والصراعات الداخلية والانقسامات ... فبدت مساعدات جمعية نبيل القروي الوهم الذي عاش به طيف واسع من المجتمع من شريحة كبار السن والمعدمين والأميين والطامحين في دور ما جزاء دعمه ، هذا الوهم جعل الناس تعتقد أنه فعلا ضد المنظومة الحاكمة وهو الذي كان ابنها المدلل قبل الثورة ومن قياداتها ومموليها وداعميها اعلاميا بعد الثورة وتأكد ذلك الوهم بالزج به في السجن فتم تثبيت صورة فاعل الخير الذي انتقم منه الحكام وكان من الطبيعي أن يترجم ذلك أصواتا في الانتخابات.
هذا الفراغ أيضا وجد أمامه قيس سعيد الذي اعتبر الوجهة المفضلة للأصوات المحبطة والغاضبة من ركود وتلاعب التنظيمات التقليدية وبحثها عن التموقع السهل في المشهد دون مجازفة سواء قوى الحكم أو المعارضة الكلاسيكية ، هذه الأصوات التي عاقبت بنجاح ...لم تفعل سوى خلط الأوراق داخل منظومة الحكم المتصارعة بدورها فيما بينها على وراثة الباجي دون أن يكون الحصان الرابح الذي حصد أكثر من نصف مليون صوت قادر على صنع البديل القوي لكل هؤلاء ولم يكن حسن النوايا كاف لمواجهة سرطان الفساد المتغلغل في جميع مناحي الحياة والذي له استعداد لهضم جزء من الحزام المحيط بسعيد خاصة من فريق العمل غير منظم الذي سرعان ما ستدب داخله الصراعات حول غنيمة النصر وسرعان ما ستحيط خيوط العنكبوت بالرئيس وتعزله في ركنه بقرطاج .
هذه الحاجة المشروعة أفرزت الاستثمار في الوهم لغياب بديل ناضج قادر على اقتناص اللحظة فالحاجة لقوة اجتماعية وازنة تضع نصب اهتماماتها الوضع الاقتصادي والمعيشي اليومي للناس مازال قائما رغم التشويش عليه بصعود الشعبوية .
والحاجة لقوة سياسية تتميز بنظافة الايادي للضرب على أيادي الفاسدين في نفس الوقت غير مشبوهة التمويل ولا البرنامج مازالت ملحة رغم النزعة التصوفية الطهورية في التصويت لوهم منظومة جديدة.
فالمنظومة الحالية تزعزعت اركانها التقليدية لكن المنظومة الجديدة لم تتبلور بعد ولا يمكن أن تكون المجهول باي حال من الاحوال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران