الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحرب - نهاية عميل

مصطفى علي نعمان

2003 / 4 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


اليوم السابع عشر، السبت، 05 نيسان، 2003

نهاية عميل:

ماذا سيتذكر هذا العميل وهو في آخر أيامه؟

سيفكر طويلاً، ويجتر ذكرياته، سيتذكر كيف ابتدأ وهو لا شيء، كالصرصار، لا يملك أي شيء، ثم أصبح يمتلك كل شيء، يمتلك الأرض، ومن سكن الأرض، والحاضر، والماضي، امتلك كل شيء، حتى خال نفسه سيف العرب، وأوحدهم، وقائدهم، وفجأة، وعلى حين غرة فقد كل شيء، كمن كان يحلم، أهذه حقيقة أم خيال!

ماذا سيتذكر هذا الصرصار الذي دخل في جلد ديناصور، ثم أقنع نفسه أنه ديناصور فعلي، فتصرف كديناصور، وهو لا يعرف أن كل الديناصورات وكل ما يمت إليها قد انقرض!

أ سيتذكر كيف قُـتل أبوه في قرية للعبيدات وهو يحاول أن يغتصب أرملة آوته؟

أ سيتذكر كيف أصبح متشرداً بعد مقتل والده، يقضي نهاره جائعاً، لا يعرف كيف، أو أين يسدر رمقه؟

أ سيتذكر كيف عاش مدة طويلة، فقيراً، منبوذاً، يطرده زوج أمه من البيت، ويبقيه خاله في بيته على مضض!

أم يتذكر كيف أصبح عضوا صغيراً، صغيراً، في ثلة مجرمة لا هم لها سوى اغتيال من لا يرضى عنهم أيتام عهد نوري السعيد؟

أم يتذكر كيف ملؤوا جيوبه بالمال لاغتيال الزعيم!

وكيف وجد الطريق على يد عبد الناصر والمخابرات والـC.A.I ‍! فعين مرافقاً للبكر، حسب وصية المخابرات المركزية، وكيف شقا الطريق معاً! وسط مؤامرات لا تنتهي للتخلص من الرفاق قبل الأعداء.

ثم كيف أصبح نائباً للرئيس الخسيس، وكيف تحكم بالخلق، كيف خطف منهم اللقمة، الرفاهية، الأمن، السعادة، كيف قتل أبناء الشعب بالسجون، بالتعذيب، بالإعدام، بالترحيل، بالتهجير، بالغازات السامة! ب، ب، ب، ب، ثم كيف أدخلهم في حرب ميؤوس منها، من دون أي هدف، فقضى على ما تبقى من شبابهم، حتى إذا انتهت أطول قرن في الحرب العشرين، ورطهم في حرب أخرى، ثم في حصار أشد، وأمر.

وحينما أصبح الأمر واحداً من اثنين أما هو أو الشعب أختار نفسه هو، ودمر ما تبقى من شباب، وأرواح، وممتلكات الشعب!

هل سيتذكر تلك الجرائم؟

لكن لا، لن يعتبرها جرائم! هناك من أقنعه بأنه فعلاً ضخم كالديناصور، قوي كهرقل، جبار كهتلر، حكيم كلقمان، وأن تشرده صبر لا يعادله سوى صبر الأنبياء، وأن عمليات الاغتيال نضال عظيم، وأن التعاون مع المخابرات المركزية وطنية، وأن تدمير الشعب في الحرب بطولة، و"قادسية جديدة" وأن غزو الكويت ونهبه كسب حلال، وأن استعمال الغازات السامة تطهير الوطن من الرجس، وأن ترحيل العراقيين من وطنهم وطنية، وأن تدمير العراق هو إرادة الله لإبقائه قائد أوحد، فلقد بذل كل جهده ليفعل كل شيء عظيم لهذا الشعب، بنى له قصوراً ضخمة، مكاتب عظمى، عربات ذهبية، سيارات فخمة، معارك جبارة، انتصارات أعظم!

فعلى من نلقي اللوم! على عبد الأمير معلا، أمير اسكندر، جمال الغيطاني، وليد أبو ظهر، ووو إلى ما لا نهاية! أم نلقي اللوم على ذلك الصرصار؟

الآن وقد اقتربت الساعة، وانشق القمر، ولم يبق للصرصار مهرب، ولا مفر، فهناك أسف عميق يجلل على المخلصين، كل المخلصين أسف عميق عميق، كعمق جرائم ذلك المجرم، هو أن نهاية كهذه لم تتم على أيدي الشعب العراقي، بل أنها فرضت عليهم كما فرضت عليهم أمور كثيرة منذ قرون، وقرون، فمتى يقفون على أرجلهم كباقي عباد الله؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف