الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموجة الثانية من الثورة التونسية

اسماعيل شاكر الرفاعي

2019 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الموجة الثانية من الثورة التونسية

تتميز الثورة التونسية عن سواها من ثورات الربيع العربي : باستمرار سريان شعلتها الثورية عبر الزمن . فهي لم تتوقف عند اعتاب صناعة ( الرمز الوطني الكبير ) كما في مرحلة بورقيبة الذي ربط الشان العام التونسي كله بهودج زعامته الشخصية ...

قارعت الثورة التونسية 2011 : الاستبداد الداخلي ، وكان هتاف جماهيرها عن الخبز والحرية وكرامة المواطن التونسي التي هدرتها اجهزة الأمن الداخلي عالياً ، اي ان الاستعمار الخارجي لم يكن هو العامل الحاسم في حدوثها : يوم كان الأفق الثقافي يختصر النضال الوطني ضد الاستعمار بشخص الزعيم الأوحد : الذي يحيط علمه بكل شيء ، وتتجاوز قدرته في صناعة الأحداث وفي التنبؤ بها قدرات البشر ...
في مثل هذه الثورات لا مكان للزعيم الأوحد ، ولا لمنهج تجديد البيعة له عن طريق الاستفتاءات المتكررة التي تجعل منه حاكماً مدى الحياة ، هذا إذا لم تطح بحكمه ثورة قصر او انقلاب عسكري ، او يطوي الموت حضوره ، وان لم يطو ذكراه خاصة لدى المستفيدين من حكمه الذين عادة ما يشنفون أسماعنا بالحديث الأسطوري عن مواقفه وافعاله التي لا تضاهى .
ثورات مقارعة الاستبداد ، عادة ما تأخذ بمبدأ التداول السلمي للسلطة لحظة نجاحها ، عبر اجراء انتخابات دورية ، فيشل هذا المبدأ : المفاهيم الموروثة عن الحكم كامتياز لجماعة او أشخاص بعينهم ، حيث تتجسد في شخص الخليفة او الوالي او العاهل او الزعيم : موسسات الدولة الحديثة كلها : التشريعية والتنفيذية والقضائية ...
ان توافق اجنحة الثورة على الأخذ بمبدأ تحكيم صندوق الاقتراع لا السيوف كما حدث في الثورة التونسية : قد ارتفع بالمجتمع التونسي الى مستوى الأمة ، اذ لا يتكامل للامة تعريفها الحديث من غير الأخذ بمبدأ التداول السلمي للسلطة الذي يشير الى بلوغ المجتمع مرحلة النضج الفكري والسياسي والعاطفي . ومع ان هذه الخطوة ليست نهاية المطاف في تاريخ البشرية ، الا انها مطلوبة لتحقيق المساواة أمام القانون ، وحضورها ضروري لنقل حق الحكم من جماعةاجتماعية ضيقة ذات امتيازات أسطورية الى الفضاء الاجتماعي العام ليشمل هذا الحق عموم أفراد الأمة او الشعب ...
جسدت الموجة الثانية من الثورة التونسية هذا الحق العام في بالانتخابات الأخيرة التي جرت قبل يومين : اذ تراجع في هذه الانتخابات رمز الامتيازات والنواهي والمحرمات الذي مثله مرشح حزب النهضة الإخواني ، وبتقدم واضح لصوت القانون والمؤسسات متمثلاً بصوت الأستاذ الجامعي : قبس سعيد ...
في هذه الإزاحة التاريخية لمفاهيم الماضي الاستبدادية عن حكم الوراثة والأقلية ، لم تعد الثورة التونسية خدشاً خجولاً في جسد المنظومة الحقوقية والقانونية بل بدا إشعاع هذه المنظومة بالسطوع ، اذ اجتثت هذه الانتخابات ( الحق ) الجديد الذي جاءت به معارضات الأحزاب حين استأثرت لوحدها بالسلطة ، فخلصت نتايج الانتخابات الثورة من الأفق اللااخلاقي الذي حشرته فيه احزاب المعارضة ، وهي تحول ( نضالها ) الى سلعة ، وتطالب بثمن له ، وبمكافات عينية على شكل مناصب وامتيازات ...
لأسباب موضوعية قاهرة ، لا تحقق ثورات العالم الثالث كل أهدافها مرة واحدة ، لا بد لها من ان تمرحل نضالها ، وان تربطه بحاجات الناس . ويبدو لي ان الحاجة الفعلية ، كما جسدتها نتايج الانتخابات ، هي مبادرة الشباب التونسي الى رفع غشاوة سحر الماضي عن وعيه السياسي الذي ظل أسيراً لمقولة : ان الجوهر الحقيقي للدين والشريعة لم يتم تجريبه بعد . لقد جسدت غالبية الأمة التونسية رفضها لهذا المنطق البليد ، حين حملت أصواتها الى الأعلى رمزاً ذا نبرة غير تقليدية ، تفردت باستقلالها عن جوقة ( المعارضين ) القدامى لكن المصابين حديثاً بلوثة الفساد وبالعجز عن الإنجاز ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن