الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجوع في بطني يقتل حتى الجوع.

هدى الخباني
كاتبة

(Houda El Khoubani)

2019 / 9 / 19
الادب والفن


جلست على مائدة الطعام جائعة، أنتظر ما تعده جدتي في المطبخ، كم أنا جائعة إلى اللحم المشوي وظامئة إلى البرتقال، أملي في أن يكون أكل اليوم مختلف تماماََ هذه المرة، في نفس الوقت خائبة، فما الذي سيتغير اليوم، إذا لم يتحسن وضعنا المادي؟ لا شيء سيتغير، لا جديد، لقد تعودت.
أجلت نظري إلى البعيد، تراءى لي الوجه المتجعد الهادئ، المُحَنّک الرصين، يدان تحملان صينية الشاي، والخبز المحروق، وضعت جدتي الطعام على المائدة العرجاء، شعرت بالشبع الفارغ بعد رؤيتي هذا المشهد التراجيدي، عِفتُ هذا الطعام ونادراََ ما أستسيغهُ.
خرجت من الدّار، متوجهة إلى منزل صديقتي شيماء، طرقت الباب، نزلت عندي مسرعة، حالها لا يَقلّ عن حالي، نعيش حرب الجوع والشبع في بيوتنا، ينتصر الجوع دوماََ جرّاء فقرنا المذقع، فنكون ضحايا طاعتنا للجوع وعبادته.
توجهنا نحو المسجد، متظاهرتان القيام بخطوات الوضوء، توضأنا كما يتوضأ المؤمنون، كي لا نلفت الأنظار إلينا، دخلنا المسجد، رغم أننا لا نؤدي طقس الصلاة، فإننا قلدنا الحركات الروتينية للجماعة، دعونا الله بأن يخلصنا من جوعنا وأن نفلح في السرقة.
انتهى طقس الصلاة، أصبح الشارع مكتظاََ بالمصلين، كان هدفنا الاختلاط بهذا الحشد، نمارس ما يسميه غوفمان التفاعل غير المركز مع الآخرين في هذا الوضع الاجتماعي، نتواصل من خلال الأساليب غير الشفوية، بُغية سرقة الفواكه اللذيذة التي يجتمع حولها الناس، حيث يتشتت انتباه الباعة، سرقنا كمّاََ كبيراََ من الفواكه المتنوعة، رغم ذلك، لم نشبع، مازلنا نعيش الجوع والجوع يعيشنا، خطونا نحو السوق، علّنا نجد السيد البورجوازي الشبع الذي ينكرنا كل مرة ويرمينا للرجل البروليتاري الجوع، محاولاتنا في السرقة تبوء بالفشل مع أولاد الكلاب، هؤلاء الرجال الحمقى يجهلون منفى وعِلّة وكُفر الجوع، قاموا بلعننا، لعن أصلنا ومفصلنا.
_ أ بنات القحبات، بَرّا الشيطانات، الله يخليها سلعة.
- القحبة هي مُّک أ الزّامل.
- سَد گراجک أ عمي .
انحنى على الأرض، أمسك حجرة، نوى رميها على وجوهنا، لكن هربنا هلعاََ من السوق.
أحسست بالحقد تجاه الباعة في السوق، حقد الطفولة حقاََ كبير، لكنه عادل، ستخرأون في سراويلكم عندما تبلغون ذروة جوعنا يا أولاد الكلاب، عافاكم الله رغم أنكم خبثاء.
أمسينا نتوه ونتسكع في الشوارع، حافيتان وعاريتان، نتقاسم الجوع والفقر وقسوة الحياة والتهميش والعفونة والحقد والألم.
فكرت أن أقصد دكان عَلي، وقفنا أمامه، طلبنا ما اشتهينا شراءه، حانت لحظة منح المال للبائع، أعطانا الكيس، أمسكته جيداََ، أعطيته الحجر، وهرولنا مسرعتان إلى الخلاء، أكلنا بشراهة حدّ الامتلاء، نتابع حيث الشبع، هناك من يتعرفنا هنا، نصيح: شبع.. شبع.. لقد صفحنا عنك أيها الجوع، ننفجر ضحكاََ وابتهاجاََ إلى حد الجنون على حالنا.
دخلت إلى الدّار، استلقيت على الزربية منهمكة بعد مشقة البحث عن الشبع من أجل البقاء، رفعتُ بصري إلى المائدة، تراءت لي صورة الصينية والخبز المحروق، فقررتُ اعتناق السرقة من الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش