الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الرئاسية في تونس: افلاس منظومة الحكم سياسات وأحزابا ورموزا والأوهام حول تغييرها عبر آلياتها ذاتها: مشروع قيس سعيد للحكم المحلي مثالا

بشير الحامدي

2019 / 9 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الانتخابات الرئاسية في تونس: افلاس منظومة الحكم سياسات وأحزابا ورموزا
والأوهام حول تغييرها عبر آلياتها ذاتها مشروع قيس سعيد للحكم المحلي مثالا
ـ1 ـ
سنة 2011 وأثناء أشهر الثورة الأولى وإبان اعتصام القصبة 1 والقصبة 2 وحتى شهري أوت وسبتمبر وإلى ما بعد ظهور نتائج انتخابات ما سمّي بالمجلس التأسيسي في أكتوبر لم يكن الفاعلون الجذريون في 17 ديسمبر وكذلك الأغلبية المتعارضة مصالحها المباشرة والتاريخية مع النظام يدركون الخطورة التي تمثلها هيئة بن عاشور المسماة بـ "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي"على مسار 17 ديسمبر والمسار الإنقلابي الذي تريد أن ترسيه على أنقاضه ولا كذلك كانوا واعين بمحدودية وإصلاحية وتردّد ما سمّي بمجلس حماية الثورة الذي لم يكن في الحقيقية وانطلاقا من تركيبته والمهام التي وضعها لنفسه ومطالبه يختلف كثيرا عن هيئة بن عاشور ولا كانوا أيضا واعين بالترتيبات التي شرعت في تنفيذها قوى الثورة المضادة المشكلة من شقين كبيرين (شق مجموعات النفوذ الاقتصادي والسياسي والعائلات المافيوزية التي ظهرت وتطورت وتحكمت بمجمل الحياة الاقتصادية والسياسية أثناء حكم بن علي المرتبط استمرار مصالحها باستمرار النظام حتى دون بن علي وشق المجموعات ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي الأضعف التي تنسب نفسها للإرث البورقيبي أيديولوجيا عبر تبني شعارات ( الدولة المدنية ـ دولة القانون ـ الدولة الوطنية ـ هيبة الدولة ـ الحداثة ـ الدستور ـ النمط المجتمعي ـ إلخ ...)
لم يكن من السهل على هذين الشقين المضي في تنفيذ ترتيبات الالتفاف على الحراك الثوري لا بل قل الانقلاب عليه دون إشراك بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل وكذلك القوى السياسية المعروفة بمعارضتها لنظام بن علي سواء منها المعارضة اليسارية التي لها نشاط في هذا الحراك أو المعارضة الإسلامية التي فتح لها سقوط بن علي وتهريبه مجال العودة والنشاط أو تلك المجموعات المعبر عنها بالمعارضة الكرتونية التي كانت تنشط بشكل قانوني أثناء حكم بن علي والتي سارع البعض منها ومنذ اليوم الأول لتهريب بن علي لمساندة فؤاد المبزع في وراثة بن علي في رئاسة الدولة حسب مقتضيات الفصل 26 من دستور الديكتاتور والمشاركة في حكومة محمد الغنوشي الأولى والثانية.
يمكن القول إن أول أزمة واجتها قوى الثورة المضادة في انقلابها على مسار 17 ديسمبر كانت الأزمة التي أنتجها سقوط حكومة محمد الغنوشي الثانية والتي سريعا ما وقع تطويقها بالمجيء بالباجي قايد السبسي ليرأس حكومة أطلقوا عليها حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة ووضعوا لها مهمتين أساسيتين: حفظ الأمن والتحضير للانتخابات مجلس تأسيسي.
منذ تنصيب حكومة الباجي قايد السبسي الأولى في 7 مارس 2011 بدأ المسار الثوري في التراجع فقد وقع فضّ اعتصامي القصبة بالعنف وبالتدخل البوليسي والعسكري وبدأت التعبئات الجماهيرية الكثيفة وحركة الاعتصامات والاحتجاجات تختفي شيئا فشيئا بفعل المعارضة الشديدة التي كانت تلقاها من الحكومة وأيضا من الأحزاب السياسية التي انخرطت في هيئة بن عاشور وحسمت أمر ارتباطها بالحركة الجماهيرية لصالح تواجدها بهذه الهيئة ولم تعد ترى للاحتجاجات والاعتصامات من جدوى فبالنسبة لها لقد تغير الوضع ولا يمكن لهذه الاحتجاجات إلا أن تعطل عمل الحكومة وعمل الهيئة في الاعداد للانتخابات.
وقتها بدأ الباجي قايد السبسي يتحدث عن هيبة الدولة وبدأت الأحزاب وبيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل وكل من انخرط في هيئة بن عاشور بالحديث أيضا عن تحقيق مهام الثورة عبر انتخابات مجلس تأسيسي وأصبح تقريبا كل الشأن السياسي لهذه القوى من يمينها إلى يسارها إلى بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل مقتصرا تقريبا على ضرورة إنهاء قانون الانتخابات والشروع في تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي الذي سيعهد إليه بمهمة صياغة دستور جديد للبلاد.
الانقلاب على 17 ديسمبر وعلى مهام 17 ديسمبر والتي ـ وهذا للتاريخ ـ لم تكن واضحة الوضوح الكافي حتى في أذهان مناضليه أنفسهم كان انقلابا ناعما وقد أنتجته عديد العوامل الموضوعية أهمها عجز الأغلبية بمختلف شرائحها عن إفراز كتلة طبقية قادرة على قيادة هذه الأغلبية إلى النهاية لفرض مصالحها التي كان يعبر عنها بكل وضوح شعار 17 ديسمبر الجامع "الشعب يريد إسقاط النظام" كتلة طبقية يمكنها فصل الأغلبية تنظيميا وسياسيا عن القوى التقليدية اليمينية اللبرالية وعن القوى الحزبية للإسلام السياسي وعن الطيف اليساري الإصلاحي بكل شقوقه المتوقف عند مفهوم للتغيير الاجتماعي يفصل في فهمه لهذا التغيير بين مرحلة الحريات السياسية ومرحلة العدالة الاجتماعية وهو ما يمكن هذه الكتلة الطبقية من خوض معركة التغيير الجذري ضد النظام وجها لوجه ودون واسطة عبر تنظيمات للجماهير قاعدية وحدها كان بمقدورها مواصلة معركة " الشعب يريد إسقاط النظام" إلى آخرها وتحقيق الانتصار المنشود والشروع مباشرة في التأسيس للمجتمع الجديد.
غياب هذه الامكانية في الواقع كان محددا في تمكين قوى الثورة المضادة من الالتفاف على المسار الثوري والانقلاب عليه والشروع في ترميم النظام. وكانت انتخابات أكتوبر 2011 هي الخطوة الأولى في مسار هذا الانقلاب.
انتخابات أكتوبر 2011 صعدت كما هو معلوم حركة النهضة كأغلبية وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية في المجلس التأسيسي وجاءت أيضا بحكومة الترويكا برئاسة حمادي الجبالي التي تلتها حكومة علي العريض وهما من حزب النهضة قبل أن يقع الإعلان في شهر جانفي 2014 عن الدستور الجديد ويقع حل هذا المجلس
مثلت فترة 2011 ـ 2014 فترة الصراع الكبرى بين مختلف قوى الانقلاب والتي ستنتهي بإرغام حركة النهضة على إقالة حكومة الترويكا عقب اعتصام الرحيل. لقد شهدت هذه الفترة بداية ظهور الاستقطاب الثنائي حركة النهضة وظلالها من جهة والعائلة الحزبية اللبرالية (الحداثية) واليسار من جهة ثانية وتمكن هذا الاستقطاب من الالقاء بظلاله على مجريات الشأن السياسي والعام برمته ودفع بالصراع بعيدا عن المسائل المتعلقة بأوضاع الجماهير المباشرة وبالتغيير الجذري وبسيادة الأغلبية على قراراها وعلى موارد البلاد وثرواتها وبمسألة المحاسبة وبوقف المديونية ووو إلى مسائل أخرى متعلقة بطبيعة الدولة والهوية والحداثة... وتحول الصراع من صراع اجتماعي من أجل التغيير الجذري لصراع هووي يختزل كل المسألة في الانتصار لشق من شقي هذا الصراع النهضة ومشروعها السياسي والمجتمعي أو الشق اللبرالي ومشروعه السياسي والمجتمعي.
مقابل هذا الاستقطاب لم يستطع ما بقي من القوى الثورية خارج هذا الاصطفاف وكذلك مناضلي 17 ديسمبر الخروج من دائرة تأثير هذا الصراع والالتحام بالحركة الشعبية لكسر هذا الاستقطاب ودفعها للانخراط في المقاومة على قاعدة مصالحها وتعثروا كثيرا في القدرة على العمل مع الأغلبية ومن داخلها وقد تجلى ذلك في فشل عديد التحركات والاعتصامات التي نظمت خلال هذه الفترة ولكنها بقيت عاجزة على تثوير الوضع عموما وتحويل حركتها الجذرية المحدودة إلى حركة جذرية شاملة تمس كل الجهات وكل القطاعات وتستأنف الثورة على قاعدة تنفيذ مهام 17 ديسمبر.
الاستقطاب الثنائي سيتحول مع انتخابات 2014 البرلمانية وانتخاب الباجي قايد السبسي رئيسا للجمهورية لتوافق بين شقيه الرئيسيين حركة النهضة ونداء تونس اللذان سيشكلان الأغلبية البرلمانية بعد هذه انتخابات وسيشكلان معا حكومة الحبيب الصيد وحكومة يوسف الشاهد التي جاءت بعدها.
توافق حركة النهضة ونداء تونس الذي وقع الحديث عنه كثيرا على أنه صمام الأمان بالنسبة للانتقال الديمقراطي في تونس كان في الحقيقة توافقا هشا بين شقي البرجوازية التونسية التي لم يكن كل شق منهما قادرا على الحكم بمفرده وهو ما يعكس هذا التفكك الهيكلي الذي عليه الطبقة البرجوازية التونسية المكونة من فئتين ظل الصراع بينهما مستمرا منذ أواخر الحكم البورقيبي فئة الكمبرادور الرثة والتي تحول جزء كبير منها إلى التهريب والمضاربة و أفرزت من داخلها مجموعات مافيوزية لم يعد لنفوذها حدود وهي منتشرة تقريبا في كل القطاعات والإدارات و الأجهزة وفئة برجوازية الخدمات والصناعات التحويلية والعقارات في المدينة وكبار الملاكين العقاريين والمتوسطين في الريف.
كذلك كان توافق النهضة والنداء يعكس وبصورة جلية تطبيع النهضة مع بقايا نظام بن علي واستجابة سياسية عملية لرغبة جزء من التجمعيين الذين التحقوا بحزب النهضة بعد 17 ديسمبر هذا دون الحديث على أنه أيضا كان تكريسا لموقف بعض الدول الأجنبية التي عينها على مصالحها في تونس وعلى رسها فرنسا وألمانيا.
الخمس سنوات الأخيرة من حكم النهضة والنداء وبرغم ما اعتراها من صراعات بين الطرفين كانت حاسمة في كشف فشل الانقلاب على 17 ديسمبر على إنعاش منظومة الحكم الفاسدة بكل مكوناتها لقد بينت هذه الفترة القطيعة الحاصلة بين هذه المنظومة وبين تطلعات أغلب الجماهير كما كشفت أيضا زيف الصراع الذي جرّ إليه شقي هذه المنظومة الجماهير وأثبتت أيضا بُعد منظومة الأحزاب بكل تلويناتها على تمثل مطالب الجماهير وعجزها عن ترجمتها والدفاع عنها ناهيك عن تحقيقها.
بكل هذا الفشل دخل هذا الفوق السياسي الفاسد بيمينه ويساره اللبرالي انتخابات 2019 الرئاسية مفككا منهكا فاقدا لأي إمكانية لتجاوز أزمته ـ والحقيقة أن هذا الانهاك والتفكك كان بدأت بوادره منذ إسقاط حكومة الحبيب الصيد وقد توضح أكثر بالاختلاف حول مبادرة الباجي قايد السبسي المتعلقة بالمساواة في الميراث ـ متصورا أن الأوضاع لم تتغير كثيرا لدى أغلبية التونسيين ولكن الصدمة كانت مروعة لهذا الفوق المهترئ لمّا أسفرت انتخابات الدور الأول عن نتائجها وظهر أن الأغلبية الساحقة ممن ذهبوا للانتخابات صوّتوا لواحد من خارج هذه المنظومة وهو وقيس سعيد الذي تحصل على أكبر نسبة من عدد المصوتين ولثان مافيوزي فاسد ولكنه يرفع عاليا معارضته لمن حكم من 2014 إلى 2019.
فمن هؤلاء الذين صوتوا لقيس سعيد ونبيل القروي وما دفعهم للحسم في رموز منظومة الحكم القائمة
ـ 2 ـ
أولا ما يجب أن نؤكد عليه في بداية هذا الجزء الثاني من المقال هو أن تغيير موقف أغلبية جمهور المنتخبين وتحوله من النقيض إلى النقيض في إطار الديمقراطية التمثيلية هو أمر ليس جديدا وكثيرا ما حدث في بلدان عديدة وهو ولئن كان دليل على رغبة جذرية في التغيير إلا أنه لم يكن وفي كل البلدان التي حدث فيها بالموقف الذي يرقى لتغيير العلاقات الطبقية السائدة في المجتمع ولا بالمساس من طبيعة النظم القائمة وأقصى ما كان يحدثه أنه يستبدل رموز المنظومة القديمة برموز جديدة من خارجها وهو أمر وفي كل الحالات التي حدث فيها كان بمثابة عملية شكلية هدفها بعث الروح من جديد في نظم أفلست نهائيا سياساتها وأفلست أجهزة دعايتها كما أفلس رموزها وكل ممثليها السياسيين وتعمقت داخلها أزمة الطبقات التي لا تملك وصارت تنذر بالقطيعة مع النظام. حدث هذا في إيطاليا وألمانيا في بداية القرن العشرين وحدث كذلك في بلدان عديدة في أمريكا الجنوبية خلال النصف الثاني من نفس القرن وقد كانت النتائج دائما استعادة الجثة المتعفنة لبعض عافيتها ولكن الوقائع بينت أن عملية التجديد هذه كانت ظرفية فسرعان ما تعود الجثة المتعفنة إلى إنتاج أزمتها من جديد وهوما يؤكد أن هذه النظم برمتها قد تعفنت بما فيه الكفاية ولا تقوى على البقاء إلا بمزيد إنتاج الأزمات.
ما حدث في تونس أثناء الدور الأول من الانتخابات الرئاسية وما قد يحدث أيضا في الانتخابات التشريعية التي ستجري بعد أيام يأتي في المجمل في الاطار العام الذي ذكرنا حول امكانية انقلاب موقف الناخبين من رموز المنظومة الحاكمة المهترئة والرغبة في تجديد هذه الرموز ولكنه مع ذلك له خصوصيات لابد من التطرق إليها فمن جهة حدثت ردة الفعل هذه عقب ثورة مجهضة و ومن جهة أخرى جاءت من شرائح اجتماعية وعمرية بعينها هي شريحة الشباب وفئات القاع الاجتماعي الأكثر فقرا وتهميشا و أيضا وهذا مهم جدا فموقف رد الفعل نفسه ذهب في اتجاهين متناقضين من حيث أن الرهان كان على شخصيتين وبرنامجين مختلفين تماما.
فالأغلبية التي انتخبت قيس سعيد مثلا هم أولئك الذين ليس لهم ما يخسرون كما يقال أولئك الذين لم يعد بإمكان لا وسائل الدعاية التقليدية للسيستام ولا للخطاب الحزبي الخشبي لممثليه الرسميين أن يدجنهم. لقد خبروا هذا الخطاب ووقفوا أكثر من مرة على زيفه. إنهم أولئك الذين لم يعد يجمعهم بالسيستام القائم أي جامع وأصبحوا يرون أنهم غير معنيين بصراعات الفوق الفاسد وبخطابات الدعاية الممجوجة للأحزاب وفي كلمة هم أولئك الذين لا يعنيهم غير قلب الأمور جميعا لعل أملا ما يمكن أن يتحقق وينقلهم من الأوضاع التي هم فيها إلى ما هو أحسن وليكن حتى المجهول فليس لهم ما يخسرون بالنهاية وأغلب هؤلاء من الفئة العمرية الشبابية المتعلمة والحاصلة على شهائد جامعية في جزء كبير منها. لكن لا يجب أن نغفل على أن الشريحة التي صوتت لقيس سعيد و إن كانت في عمومها تنتمي هي أيضا للقاع الاجتماعي إلا أنها تحمل تمايزا عن الشريحة التي صعدت نبيل القروي وهو أن طليعتها وتحديدا الذين قاموا على تنظيم حملة قيس سعيد هم من "شباب الثورة" كما يطلقون على أنفسهم وهم فئة من المتعلمين الشباب الذين ظهروا بعد 17 ديسمبر ونشطوا كثيرا في تياره الواسع و عايشوا مختلف منعرجات الانقلاب عليه باسم الانتقال الديمقراطي وتبنوا ملف شهداء وجرحى الثورة وجمعهم تصور سياسي راديكالي يقوم أساسا على القطيعة مع النظام السياسي التقليدي وعلى مجموعة من الأفكار الهلامية المتعلقة برؤيتهم للدولة وللنظام السياسي ولأشكال الحكم تتقارب كثيرا مع طرح قيس سعيد المتعلق بقلب هرم النظام السياسي وتغيير النظام الانتخابي وإرساء ما يسميه بالحكم المحلي ونظام الاقتراع على الأفراد.
أما الشريحة التي انتخبت نبيل القروي فأفرادها هم أولئك الذين يقبعون في القاع الاجتماعي مذ عشريات وداست عليهم دولة بورقيبة ودولة بن علي ودولة الانتقال الديمقراطي تلك الشريحة التي ضاقت بها سبل الحياة وصارت تعيش بخوف دائم وعجز مستمر حتى عن تلبية أبسط المقومات شريحة تعيش باستمرار تحت غائلة الفقر والتهميش ولم يعد لها من أمل في تغيير أوضاعها في دولة لم تنجح طيلة أكثر سبعين عاما سوى في مراكمة الفقر لدى الأغلبية والمال والنفوذ لدى أقلية مفصولة فاسدة ومرتبطة.
هكذا يمكن القول بعد التعرّف على الانتماءات الطبقية للأغلبية التي صوتت لقيس سعيد ولنبيل القروي ممن ذهبوا للانتخابات أن محاولات منظومة الحكم طمس الصراع الطبقي والتناقض الحاد اليوم بين الأغلبية المفقرة والمستغلة والمهمشة والمجردة من كل قرار ومن كل حقوقها وعلى رأسها سيادتها على موارد البلاد وثرواتها واستقطاب هذه الأغلبية والزج بها في صراع على الهوية وعلى طبيعة الدولة وعلى بعض المسائل الحقوقية الجزئية قد باءت بالفشل فالاستقطاب مازال استقطابا طبقيا لا بل يمكن القول أنه ومع واقع الأزمة الخانقة التي عليها النظام وتدهور أوضاع الأغلبية صار أكثر حدّة من ذي قبل وقد كانت تعبيرته الأكمل هذا الحسم الصامت في رموز منظومة حكم الانقلاب على 17 ديسمبر والتي تقدم نفسها على أنها منظومة حكم الثورة. ولكن السؤال الذي يطرح هو ماهي طبيعة المشروع الذي يقدمه قيس سعيد وهل يمكن تطبيقه وهل هو البديل الذي تطمح إليه هذه الجماهير لتغيير أوضاعها والحسم نهائيا مع منظومة الحكم التي جاء بها مسار الانتقال الديمقراطي وأبانت عن فشلها التام؟
يقوم مشروع قيس سعيد على ما يسميه بالحكم المحلي والذي يتطلب قلب هرم النظام السياسي القائم الأن ويردد أنه بتطبيق ذلك سيكفل سيادة الشعب على قراره وسيطيح بالمركزة التي عليها الدولة لصالح لامركزية يكون فاعلا فيها المواطن في إطار ديمقراطية قاعدية وحدها يمكن أن تجسد سيادة الشعب.
ودون الغوص في كثير من التفاصيل من قبيل أن هذا الطرح طرح مجالسي أو أن هذا الطرح أساسه لاسلطوي أو أن مشروع قيس سعيد هو ثورة جديدة ستقلب الأمور جميعا وستمكن الأغلبية من حقها في السيادة على قرارها وتخريجات كثيرة أخرى نقول أن هذا المشروع أولا هو مشروع لتغيير النظام التشريعي ليس أكثر ولا يقبل أن يحمّل بأكثر من ذلك وثانيا هو مشروع يدفع في اتجاه إدخال هذا التغيير بآليات المنظومة نفسها أي أنه لا يرى إمكانية لتحقيقه من خارج شرعية السيستام نفسه وهو ما يجعله أقرب إلى المغالطة منه إلى المبادرة السياسية الممكنة التحقيق وثالثا أن لا إمكانية في الواقع لتطبيقه باعتبار محدودية صلاحيات المؤسسة التي ستطالب بتحقيقه داخل أجهزة الدولة.
لكن ورغم كل ذلك فانتخاب أغلبية المصوتين لقيس سعيد والنقاش الذي واكب ذلك المتعلق بمشرعه الذي يريد تطبيقه قد أعادا إلى سطح اهتمامات الأغلبية تلك الآمال المجهضة وتلك المهام التي لم تقدر هذه الأغلبية على تحقيقها بعد 17 ديسمبر وهو ما يمكن أن يولد ديناميكية قد تذهب إلى العودة للنقاش حول استئناف الثورة على أساس تحقيق مهمتين رئيسيتين هما السيادة على القرار والسيادة على الموارد والثروات ووسائل الإنتاج عبر أشكال الثورية التي عرفها المسار الثوري المجهض ولكن ذلك سيتوقف على مدى وعي وقدرة من صوتوا لقيس سعيد ولنبيل القروي وعموم الأغلبية المتعارضة مصالحها مع مصالح السيستام ومنظومة الحكم الفاسدة على الاستقلال التنظيمي والسياسي عن هذه المنظومة السياسية التي تعطبت وعن النظام وكل مؤسساته التشريعية والتنفيذية ومباشرة تنفيذ المهمتين الرئيسيتين والحسم مع رؤية التغيير بأليات منظومة الحكم نفسها وهي إمكانية لابد من العمل على أساسها في الطور القادم من الانتقال الديمقراطي والذي سيشهد مزيد احتداد أزمة الطبقات الفقيرة ومزيد تعمق أزمة النظام التي ستبلغ أعلى درجاتها بفعل التناقضات التي سيكون عليها نظامها السياسي وما سيترتب عن ذلك من صراعات بين مختلف مؤسسات هذا النظام سوف لن تزيد جماهير الأغلبية إلا قناعة في أن لا خلاص لها إلا باستقلالها التنظيمي والسياسي عن النظام و أجهزته وبمواصلة المقاومة وتجذيرها من أجل فرض التغيير الجذري.
ــــــــــــــــــــ
بشير الحامدي
19 سبتمبر 2019








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق