الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسبوع المدى : لقاءات المثقفين العراقيين

خالد السلطاني

2006 / 5 / 17
الادب والفن


لا تكمن فقط اهمية اسبوع المدى الثقافي الرابع ، حسب اعتقادي ، في مفردات برنامجه المعد سلفا ، تلك المفردات التى تعاطت مع مواضيع وقضايا تهم الثقافة العراقية وطموحها في اجتراح عراق حر وديمقراطي وفيدرالي ؛ ان اهميته تكمن ايضا في حدث جمع مثقفين عراقين مختلفي الاهتمامات والمهن مرة واحدة ، في مكان واحد وزمان واحد . وارى ان حدث لقاء المثقفين العراقيين في الزمن العصيب الذي يمر به وطننا ، يضيف ميزة اخرى الى مزايا منظمي اسبوع المدى الرابع ويسجل لهم حسن مقترحهم .
واذ اشير ، ايجابا ، الى مبادرة مؤسسة المدى لجهة تنظيم ذلك الاسبوع الرائع في كوردستان ، فاني مغتبط كون منظمو الاسبوع تجاوزوا " تقاليد " حصر المثقف بالمبدع في مجالات الادب والفن والاعلام ليتعاطوا مع مفهوم شمولية المثقف ذي المرجعبات المهنية المتعددة ، وهو امر اثرى الاسبوع الثقافي بتنويعات ابداعية ، عززها حضور المبدع العراقي متعدد الاهتمامات .
شخصيا كان لقاء المدى الثقافي ، بالنسبة الىّ ، يمثل اهمية مزدوجة : اهمية رؤية الوطن بعد غربة قصرية ليست بالقصيرة ، وتلمس الواقع الجديد المفعم بالامال والطموحات ، بعد زوال النظام الديكتاتوري التوتاليتاري ؛ والاهمية الاخرى امكانية لقاء اصدقائي واحبائي المثقفين من داخل الوطن ومن خارجه ، تلك الباقة المجتهدة من المبدعين الذين يفتخر الوطن بهم وبمنجزهم الابداعي ! .
كان يهمني بحكم مهنتي واهتماماتي ، ان احس ّ بايقاع التجديد في فضاء الامكنة التى زرناها في اربيل والسليمانية ، وان اشاهد عن كثب مواقع البناء والاعمار في فضاءات تلك المدن ، التى اعتبر تجربتها بمثابة نموذج اعماري لعراق مستقبلي . في هذا الصدد ، لمحت توقا حقيقا لمسعى تجديد البيئة المبنية ، تجديدا يتساوق مع آمال اناس طمحوا ان يروا مدنهم واحياءهم متجددة وعصرية وبخدمات مناسبة ، التى حرموا منها عقودا. ورغم ان مظاهر التحديث لم تكن كلها ظاهرة بشكل مادي وملموس ؛ فان الظروف المؤسسة لمناخات التجديد والاعمار كانت حاضرة حضورا بليغا في المشهد المديني بعد زوال غيوم الظلم والقهر والاستبداد التى خيمت على ربوع بلدنا ايام الديكتاتورية التوتاليتارية البائدة ؛ و يشي حضور تلك المناخات كما يوحي اجتهاد المصمممين وحرصهم على توظيف مقاربات معمارية معاصرة في التصاميم التى ينجزونها الى ما يمكن تحقيقه من انجازات تصميمية وتخطيطة حقيقة في عمارة المدينتين الكورديتين الجميلتين . وبمناسبة الحديث عن العمارة ، فاني اشعربنوع من الحسرة لعدم اتاحة الفرصة لي بزيارة قسم العمارة في جامعة اربيل ، الزيارة التى عولت عليها كثيرا في تجديد اللقاء مع الطلبة وزملاء المهنة التدريسيين ، بيد ان ولع صديقي المعمار " احسان فتحي " المقيم في الاردن ، ورغبته في تناول الشهير في احد مطاعم سوق المدينة التقليدي ، اصابني " باسهال " فظيع ، لزمت على اثره فراش غرفة الفندق لمدة 36 ساعة كاملة ، كانت كافية لتحرمني من امكانية تحقيق تلك الزيارة المفترضة واللقاء باصدقائي الطلبة وزملائي التدريسيين .

وتظل متعة اللقاء بالاصدقاء القدامى والجدد من المتع الجميلة التى طبعت ايام الاسبوع الثقافي ؛ اللقاءات الحميمية واسترجاع ذكريات طيبة عن ايام مضت ، واستعادة الامال التى لم تتحقق وذكر الاصدقاء الذين فقدناهم ؛ لكن ما كان يبعث على الارتياح والغبطة في جميع الاحاديث والنقاشات هو حدث زوال الديكتاتورية ، وبزوغ عراق جديد في كل المقاييس . فالاصغاء الى " رياض قاسم " مثلا ، ليس فقط اصغاء الى تقييمات موضوعية لما يجرى على الساحة الثقافية المحلية ، معبرا عنها باسلوبه الشهير ، المتسم بتقشف الكلمات وصرامتها والتاكيد على المباشرية والاختزال للافكار الحداثية التى يطرحها وحدّ تها ، ولكنه ايضا سماع صديق عزيز وقديم عن هموم شخصية ومعاشية ، وددت ان تكون اكثر مناسبه ، تليق به وبمنجزه المهني والابداعي ؛ وتذكرني نغمة اصوات " قيس قاسم " < الاسكاندينافي > ، الذي تعرفت عليه في ايام الاسبوع بنغمة اخيه المحببة وطريقة كلامه السريع الحافل بالافكار والالتماعات الذكية .
ولم يتغير " مالك المطلبي " كثيرا ، كما لم يكف عن اثارة مواضيع شائكة وجدلية منذ ان تعرفت عليه ايام " امسيات " اتحاد الادباء في الثمانينات ؛ وظلت صورته اياها عالقه في ذاكرتي ، رغم انه تفاجأ بنطق اسمي على مسامعه عندما شاهدته في اروقة فندق اربيل ، مع انه كان كثير الاشادة برسائل الكترونية اليّ ، حول ما انشر من مقالات في صفحته الثقافية . ثمة اصدقاء قدماء مثل " صادق الصائغ " و " سلوى زكو " و " احمد خلف " و " جعفر ياسين " و " فؤاد شاكر " وغيرهم ، وفرّ اسبوع المدى فرصة اللقاء بهم والتعرف على مشاريعهم الثقافية وانجازاتهم الابداعية . وضمن ايام الاسبوع التقيت " مجددا " مع " عبد الزهرة زكي " ، و" عبد العظيم فنجان " والاصغاء الى مكابدة الاخير وتشبثه بمفاهيم لم تكن دائما تلقى تعاطفا من الكثيرين ، كما لاح لي " قاسم محمد عباس " بطبعه الهادئ واناقته الدائمية صديقا قديما ، معنيينّ معا في تحقيق مشروع ثقافي يهتم في نشر المعرفة " بتجلياتها " المتنوعة ، وايصالها الى " مريديها " .
والحديث عن لقاءات اسبوع المدى لا تكتمل ، في اعتقادي ، من دون ذكر " اصدقاءنا " المبدعين الجدد ، الذين هيأ الاسبوع الفرصة لي التعرف عليهم شخصيا بعد ان كنت اتابع نشاطهم الثقافي عن بعد . واخص بالذكر منهم " رشيد الخيون " – < صديقي القديم > : العارف بدروب التراث المتشابكة والضليع بشبكة ازقته النافذة... والمسدودة! ؛ والمحب للعمارة العراقية والمقدرّ جيدا قيمة روادها ؛ وكذلك " امل بورتر " و " فاطمة المحسن " الكاتبة المتعددة الاهتمامات ، والتى ادهشتني باعترافها الصريح عن نقص ثقافتها المعمارية ، في وقت ما برح الكثيرون لا يعترفون اصلا بوجود " ثقافة معمارية " ‘ عدا بالطبع " علي بدر " الذي تعرفت عليه في اربيل ، والذي وظف العمارة وجعلها تشتغل " كخلفية " لشخوص رواياته عن مدن ماضوية ومفترضة ، تحضر " العمارة " فيها جليا ً لتعبق برائحة المكان ! .
في اربيل استمتعت بلقاء الصديق القديم المقيم فيها " دارا اليعقوبي " : زميلنا التدريسي في قسم العمارة بجامعة بغداد ، واسترجعنا معه ومع " احسان فتحي " ذكريات القسم واحلامنا وآمالنا التى لم يكتب لها التحقيق في جعله احد اهم مدارس العمارة في منطقة الشرق الاوسط ، بسبب الديكتاتورية البغيضة التى شتتنا وفرقت زملائنا وخريجينا في منافي ارض الله الواسعة . واذ استحضر امسيات اربيل ، يطل وجه الصديق " كوكب حمزة " وبشاشته الحميمية المعهودة ، و" فاضل السوداني " الملء بالطموحات المسرحية وغير المسرحية ، وكذلك الصديق طالب غالي: الدائم الاناقة ، < البصراوي > بكل ما تعني هذه الكلمة من طيبة وتواضع ، والذي لا يكلّ في ايصال المسرّة الى الاخرين ؛ كما لا يمكن نسيان " اسعد راشد " < بلدياتي > من الصويرة ، الذي اكتشفته في اربيل واكتشفت ثقافته الرفيعة وحبه في مساعدة الاخرين ؛ و" زهير كاظم عبود " : الذي جعل من الاقليات المهمشة في بلادنا ، كيانات حقيقة ذات مطالب مشروعة ، وجعلته انا : نزيله المشترك في غرفة فندق شيرتون - اربيل ، مهتما في " الفراسة " ؛ اذ كان " يحدس " فيما اذا كنت قد زرت مساءا " نادي المعلمين " المجاور ام لا ، تبعا ً لارتفاع موجة " الشخير " او انخفاضها الصادرة مني بلا وعي .. بالطبع ! .
عندما نشرت صفحة المدي الثقافية اسماء المدعوين في آخر ايام الاسبوع الثقافي ، لفت نظري في الوفد المصري ، اسم " فؤاد التهامي " ، السينمائي التسجيلي المعروف ، ذلك لاني اعرف فؤاداً منذ زمن ، زمن بعيد ، منذ ايام موسكو الاشتراكية، وتحديدا في 1969 ؛ تعرفت عليه هناك وعلى اخيه صلاح التسجيلي ايضا ، فقد كنا نلتقي غائب طعمة فرمان ومجيد بكتاش وخالد الزبيدي وانا معه دائما اثناء وجوده في موسكو لعمل سينمائي مشترك . وفي الطائرة التى اقلتنا من السليمانية الى عمان قدمت نفسي اليه ، لم يعرفني في الحال ، اذ مرت < كما يبدو ! > سنين عديدة وطويلة ، ثم فجأة فرقنا " مطار عمان " لاختلاف الطرق ، لكننا تعهدنا ان نظل على تواصل من خلال تبادل العناوين الالكترونية ! .
تمخضت توصيات اسبوع المدى الثقافي الرابع على مقترح تأسيس " البيت العربي الكردي للثقافة والفنون " و " المركز القومي للدراسات " ، وحتى لا يكون ذلك المقترح مجرد توصية فقط , فقد حصل الصديق فخري كريم من المسؤولين في اقليم كوردستان على اشعار بتخصيص اراضي محددة لهما ( عشرة آلاف متر للمشروع الاول ، وخمسة الآف متر للثاني ) ؛ وفاتحني في وقت متأخر من ايام الاسبوع عن تصوراتي المهنية حول تصميمهما . لم يكن الوقت كاف ٍ لدراسة هذا الموضوع المهم ، ووعدته باني سوف اتعاطى مع هذا الموضوع بجد ومهنية ، تتصادى مع اهمية حضور مثل هذين المبنيين في المشهد الحضري لمدينة اربيل ، معتبرا بان لغة عمارتهما يتعين ان تكون استثنائية وحداثية في آن ، وان يشكلا معلما مهما في البيئة المبنية للمدينة التى تنمو سريعا ً . لكن كل ذلك سيكون موضوعا لحديث آخر ، فالحديث الان مكرس الى لقاءات المثقفين العراقيين في اسبوع المدى الرابع ، والذي لا يسعني ، الا ابداء الشكر والتقدير لجميع منتسبي مؤسسة المدى الذين عملوا الكثير لتحقيق مثل تلك اللقاءات . □□
د . خالد السلطاني
مدرسة العمارة / الاكاديمية الملكية الدانمركية للفنون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-