الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثلاثة إسلامات .. (6) الغزو العربي لفارس والغزو الفارسي للعرب والغزو المغولي لبغداد

جعفر المظفر

2019 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية



لكن الأمر لم يكن كله مبرمجا بهذا الإتجاه, فالإنتصار العربي الذي كان قد تحقق حينها في تلك المعركة الفاصلة ما كان مقدرا له ان يحدث لو أن الأمة والمجتمع الفارسي كان متماسكا. ومعايير القوة نفسها لا تتأسس على سعة الأمبراطوريات أو رفاهيتها الحضارية, بل ان عناصر تماسكها الإجتماعي يجب ان تكون جاهزة في المقدمة, وهناك الكثير من المشاهد على الجانب الفارسي ستشدك بعد ذلك إلى مشهد الإنهيار القادم بعد ستة قرون للخلافة العربية العباسية أمام جيش من المغول القادمين من أعماق الصحارى الاسيوية لتعرفك على هوية عوامل النصر أو عوامل الهزيمة, والقاعدة التاريخية تقول إن أمم الحضارات المستهلكة التي تغيب عنها مقومات التماسك الإجتماعي وعدالة السلطة تكون معرضة للإنهيار أمام الغزوات البدوية.
ولدينا في مرحلتنا الحالية تجربة يمكن الإستدلال بها. داعش التي تقودها قيم البداوة المعززة بقيم الفكر الديني التكفيري إستطاعت بأعداد قليلة أن تكسر شوكة الجيش العراقي بكل صنوفه التي كانت مقدرة عددا وعدة باضعاف ما عليه داعش من قدرات, لكن النصر في معركة سقوط نينوى أتى لصالح داعش, بينما إنهزم الجيش العراقي شر هزيمة.
أما الواقع فيشير إلى أن معارك كهذه ليس فيها منتصر كبير بل فيها منهزم كبير, والأمر له ما يشبهه في الطبيعة, الشجرة الضخمة الميتة أو المتآكلة قد تسقط بمواجهة عصف متواضع, وكما في الطبيعة كذلك هو الأمر في السياسة..
الأمر المؤكد إذن إن الإستقبال الفارسي للغزو العربي كان عمل وقتها لصالح المحررين الغزاة, ولو أن الداخل الفارسي كان متماسكا وقويما لما إستطاع العرب ان ينفذوا ليحطموا ثاني اكبر إمبراطوريتين.
ومن الحق التأكيد على ان المجتمع الفارسي حينها كان مهيأ لعملية الترويض الديني وإلا لما إستقام الأمر للفاتحين الغزاة ولشملت عملية الرفض الفارسية الوجود العربي سيفا وقرآنا. لكن الأمر قد إستقر حينها للفاتحين الغزاة, فحينما غادر السيف العربي الأراضي الفارسية ما كان ممكنا للهيمنة العربية السياسية أن تستمر طيلة حكم الأمويين والعباسيين بحكم السيف لوحده وإنما كان الأمر قد حصل لأن مفهوم الفتح الديني قد تقدم على مفهوم الغزو العسكري وقدر لعملية الترويض ان تأخذ مداها الأرحب بفعل عامل الرسالة الدينية من جهة وعامل الإستعداد الإيراني للقبول بهذا الدين الجديد.

إن العربي المسلم سيقدم من جانبه ديباجة دفاع عن غزوته تلك عامرة بقيم الرسالة الإسلامية في محاولة لإقناع الفرس أن عليهم ان يدينوا لمعركة القادسية بالإمتنان لأنها كانت بمثابة المعركة التي نقلتهم من الكفر المجوسي إلى الهداية الإسلامية, لكن تيمورلنك حفيد هولاكو الذي تم على يده القضاء على دولة الخلافة لم يغير قناعة العرب بأن سلالة المغول التي غزت بغداد وسبت نسائها وإنتهكت حضارتها كانوا أيضا مجموعة من البرابرة البدو الغزاة الذين جاءوا من عمق الصحارى الآسيوية ليهدموا الحضارة العربية الممثلة حينها بالدولة العباسية.
المشهد نفسه يتكرر مع الفرس ولكن بالمقلوب تماما. ما فعله العرب بالفرس فعله المغول بالعرب والوصف ظل واحدا, برابرة وبدو غزاة, تارة بهوية عربية وأخرى بهوية مغولية يستبيحان أمتين كانتا قبل الغزو تتقاسمان العالم مع (الإفرنجة) والنتيجة كانت واحدة, إنتصار لأمة على حساب نهاية أخرى.
لقد بالغ العرب في بَدْوَنَةِ المغول, لقد جعلوا منهم مثالا للوحشية والجهالة والكفر حتى باتت مفردة المغولي مرادفة للتوحش والتحلل والجهالة, ولم يتم ذلك بمنأى عن محاولة تبرير الهزيمة فلقد كانت هناك محاولات لتهريب المشاكل الداخلية لدولة الخلافة التي كانت السبب الأبرز للهزيمة عن طريق تعظيم وحشية العدو, لكن القراءة اللاعربية للتاريخ ستعطينا بعض التفاصيل المختلفة, ومن بعضها نفهم أن هولاكو كان شديد الولع بالحضارة الفارسية, وإن أفضل زوجاته كانت مسيحية, ويقال أن أمه كانت كذلك, وحينما اصبح خانا لبلاد فارس فقد حرص على ان يجمع في ديوانه العديد من العلماء والفلاسفة والحكماء من الفرس المسلمين وبينما كان يقود بنفسه جيشه في المعركة فإن الخليفة المستعصم كان مستعصما بحق ولكن بجواريه وكان حوله جيش من العبيد والخصيان أما هوايته المفضلة فكانت هي اللعب مع طيورالحمام.
لكن أمر المغول مع الإسلام سيختلف عن أمر الفرس. ففي الحالة الأولى كان المغول قد إنتصروا على العرب لذلك خلا تاريخهم من عقدة مغولية ضدية, أما مع الفرس فقد حصل العكس تماما.
ومثلما ليس من المتوقع ان يعيد العرب دراسة العوامل الحقيقية لهزائمهم, تراهم, لكثرة الهزائم التي عانوا منها بعد إنهيار إمراطوريتهم الأخيرة عاجزين عن نقد هزائمهم بعقلية علمية واخلاقية متفتحة حتى صاروا أكثر الناس إيمانا بنظرية المؤامرة.
لكن كل محاولات التهدئة المقدسة لم تفلح أبدا في تنحية الهويات القومية عن نتيجة تلك الموقعة الفاصلة, ولقد دخل العرب إلى فارس من خلال الدين وسيدخل الفرس بلاد العرب من خلال المذهب
ولقد نشا المذهب الشيعي عروبيا في الأصل قبل ان يتفرس سياسيا لكي يكون طريقا للعودة المعاكسة تحت راية الإسلام أيضا.
أما الحل التاريخي فهو أن يعود الإسلام بمذاهبه الخمسة إلى دين للإفراد ويكف أن يكون دينا للمجتمعات أو الدول.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا هجمات الحوثيين دقيقة في خليج عدن؟.. محرر الشؤون اليمني


.. قرشي: أي مواطن يحمل السلاح في وجه قوات الدعم السريع فإنه يعت




.. تجدد الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات في وسط قطاع غزة


.. مجلس التعاون الخليجي: مقتل وإصابة المئات في النصيرات جريمة ن




.. نشرة 8 غرينتش | مصادر أميركية: خلية بالسفارة ساعدت إسرائيل..