الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحررنا من دبش

سعاد لومي

2006 / 5 / 17
كتابات ساخرة


فرح العراقيون أيما فرح بعد سقوط النظام الصدامي الفاشي، وتوقعوا خيرا كما هي نفوسهم التواقة لما هو فيضي وصالح وإنساني، دائما، كلهم تقريبا، ما عداي، طبعا. كنت متشائمة غالبا ولما أزل ويبدو إني سأبقى كذلك . ولم تكن الكتابة بالنسبة لي ذات أهمية بعد ان صرعتها القراءات المختلفة والحروب والمجاعات وفقدان الاحبة .. وحينما سألنني زميلاتي إن كنا قد تحررنا فعلا بعد تهاوي تمثال صدام ؟ لذت بصمت قاتل لأول مرة؛ و قبل ان اتقاعد عن كل شيء وفي المدرسة باعتباري اكبرهن سنا، واكثرهن ثقافة - باعترافهن- ولأني كنت (سياسية: كما هي المهذارة بأخبار البي بي سي! ) قلت بملء الفم أخيرا: تحررنا من دبش!!
ومنذ ان رحل والدي - العبد الآبق- من هور العمارة وسكن مدينة الثورة بصريفة واحدة ليعمل حمالا في الشورجة مع الحمالين الكرد آنذاك؛ كنت(سياسية) بنظرهن ومثقفة بنظر نفسي. فالسياسة بلا ثقافة مثل سندويج بائت او مثل ثوب قديم لا تنفع فيه الرقع المغايرة او من اللون نفسه. كان التحرر من اهم الافكار لدى عائلتي التي ما انفكت تعاني من عقدة اللون باستثنائي طبعا، حيث وجدت نفسي جميلة دائما وحتى عندما تزوجني ذلك الرجل الأبيض العمايرجي قاطعه جميع اهله وقالوا له: تزوجت (عبدة) فقال لهم تزوجت اجمل ما يكون من (حرة) لكن العبدة او الحرة فقدته في الحرب العراقية الإيرانية.. ولم تبق منه غير ذكريات.. وبعض صور التقطها مع رفاقه في الجبهة .
تحرر الزوج اخيرا من هذا العالم الغول الذي لا يشبع من طي الناس الأحبة بين أسنانه الكالحة. اما أبي فقد ظن بأنه تحرر أيضا من طغيان الشيوخ واشتغل حمالاعام 1958. يمكنني ان اكتشف ذلك ببساطة أثناء تحميتي له في السنين الاخيرة فما تزال آثار (النوالة) قائمة على ظهره. وكنت الوحيدة التي اكملت دراستي وأصبحت معلمة من بين تسعة اخوة وأخوات عملوا في مهن قذرة شتى: آخرهم كان كناسا في زيونة حاولت أغتياله عبوة ناسفة.
طار أبي الأسود العجوز من الفرح حقا فمن مثله؟ ابنته معلمة أخيرا، وأية معلمة: معلمة أنكريزي! .. ما اكبرها وما أعظمها من نهاية في مدينة بغداد؛ وشفّ الاسود من الفرح يوم رآني معلمة وسط تلميذاتي الريفيات فقد أصرّ على ان يأخذني بنفسه لتادية الخدمة النائية.. ثم أصرّ على رواية حكاية هروبه من العمارة إلى بغداد لطاقم المدرسة الجديد الذي تعينت فيه لأول مرة مع بهارات ناعمة طالما وجدها مناسبة في تلك الاويقات الرغيدة.
وقال لي في وداعي: ها إني قد تحررت من العبودية بك.. ما اكبر حظي وما أسعدني.. كان لم يذق طعم السعادة أبدا في حياته غير ذلك اليوم الذي قال فيه: شف (التفسه) سعاده بنت ( التفس) لومي ترطن انكريزي.. صحيح العراق تحرر..
لكن العراق لم يتحرر أبدا وما زال عبدا. و كنت أعرف جيدا أنه لم يتحرر أبدا، ولم أقل له ذلك، حتى عرف هو بنفسه تلك الحقيقة حينما قتل (الزعيم) في يوم بارد.. ولم يفصح هو عن تغييررأيه قط بعد ذلك سوى ترديده: كلّ العراقيين عبيدا ولن تكون لهم (جارة) أبدا ما دام (كريّم) أكله التراب.. أييي! .. اكله النهر.. أيييي.. لكننا سنتحرر يوما ما حتما. ولم يأت هذا اليوم أبدا. ولم يكن وجودي كمعلمة في حياة أبي إلا تعزية عن الحرية المفقودة.
ما زال الوالد حيا ولله الحمد. وما زال يتابع قضية حريته منذ هروبه عام 1958 إلى يومنا هذا.
سألني بعد ان اقعده المرض: ولج سعاده ماذا يحدث في العراق؟
- ماكو شيء بويا..
- يا ماكو بنت الجحش شنو هلتفجيرات وشنو هلمشاكل ولج مو انت تفهمين اكثر من الطناطلة أخوانك
- معليك المهم صحتك
- ياصحة ولج؟! الناس أشوفها بالتلفزيون تموت بالآلاف..
- دعايات بويا دعايات!
- يا دعايات بنت الخرء سنة وشيعة وطراكيع هي وين جانت؟
- جانت بجيب امريكا
- هم امريكا وهم استعمار ما نخلص
- لا ما نخلص
- ما نتحرر
- لا ما نتحرر
- مو صار النه قرون..
- إي..
- قرووون!
- إييي! نام بويا!
- ولج شلون انام واحنه العبيد شبينه؟ خل نسوي ألنه حزب مثل الناس احنه مو قليلين بالعراق، ونسميه: حزب العبيد الاحرار!
- هاي هم انته بويا؟!
- أي ليش لا مو مغراطيه يكولون؟
- وشسوي بهذا الحزب بويا؟
- احرر بيه العبيد من بان وبني!
- بس للعبيد؟
- بس للعبيد.. مومن حقي.
- هيج حزب حط بيه العراقيين كلهم من بان وبني! كل العراقيين عبيد بويا!!
- هم صحيح.. دايما اكول عنج ام عقل.. بس حظ ماكو..
نام أبي وهو يحلم بالتحرر من دبش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأهلي هياخد 4 ملايين دولار.. الناقد الرياضي محمد أبو علي: م


.. كلمة أخيرة -الناقد الرياضي محمد أبو علي:جمهور الأهلي فضل 9سا




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 34.5 مليون جنيه إيرادات


.. … • مونت كارلو الدولية / MCD جوائز مهرجان كان السينمائي 2024




.. … • مونت كارلو الدولية / MCD الفيلم السعودي -نورة- يفوز بتنو