الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متابعات صحفية

علي شايع

2003 / 4 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                                    ( (54

  

الخبر:
 وكالات الانباء وصحف عالمية ؛  الجيش الامريكي يحفر مقابر جماعية للقتلى من الجنود العراقيين .

 

في ربيع السنة الماضية وبينما كانت هيئة الطرق الفرنسية تمارس عملها ، فوجئ فريق العمل بوجود حفرة هائلة تحتوي على ثلاثة الالاف هيكل عظمي مدفونة في الرمال، في اضخم قبر جماعي يكتشف في فرنسا ، وذكرت الاخبار يومها ان فريقاً من العلماء الفرنسيين على راسهم البروفسور ميشل سينيوليس فى كلية طب جامعة مارسليا قاموا بدراسة وفحص هذه الهياكل التي تعود الى بعض من جنود نابليون الذين ماتوا اثناء فترة الانسحاب من روسيا ،واستمرت الفحوصات لمعرفة سبب الوفاة وهل هى ناتجة عن الأصابة بمرض الطاعون وربما ناتجة عن الجوع أو التعرض لموجات صقيع*.
وورد في خبر آخر ان بعض الجهات الفرنسية تحاول معرفة عوائل الجنود من خلال بعض الوثائق التي عثر عليها في المكان لإبلاغهم بالخبر وربما تسليمهم بعض العائدات، بعد 190 سنة!!.


المبتدأ العراقي: 
 ذات صباح عراقي من ايام الحرب مع ايرن، طـُلب مني ان اصطحب احد الاباء الى جبهات القتال بحثاً عن صديقي المفقود ،كنت طالباً في الاشهر الاخيرة للمرحلة الاعدادية،وحديث عهد بحكايا الموت المرئي، حيث لازال هذا الضيف الحربي الاخير بعيداً عن العائلة ، واذكر ان جدي كان ينحر اكباش الفداء لكل من يبلغ مبلغ الحرب،لعلّ الدماء التي يلطخ بها اطراف المضيف ( دار ضيافة العشيرة) تؤجل مقدم الضيف الثقيل . وكان الموت من اشياء كثيرة اعرف عنها الكثير عبر قراءاتي اكثر منها واقعاً، حتى وصلنا في اليوم الثاني للرحلة الى مكان عسكري في سهول مدينة العمارة يحرسه مجموعة من معاقي الحرب والعاجزين، كان المكان النائي يحوي اربعة صفوف من شاحنات التبريد تتراص على امتداد البصر،وفي باب كل شاحنة تعلـّق قائمة بأسماء قتلى تمتلئ بهم الشاحنة. الجثث ملقاة في اكداس واحياناً في أسرّة لا يبدو انها اعدّت لهذا الغرض.
عدنا بعد حلول الظلام لزيارة احد الاقارب في مدينة قريبة ، وقضينا عندهم ليلة من الكوابيس هي خلاصة ثلاث ساعات من غنيمة نوم استيقظت منه على صداع جهنمي  ورائحة الموت العالقة في ملابسي .عدنا الى ذات المكان لنشقّ طريقنا بين الالاف المنكوبين ممن ترهقهم احزان اليأس ، وتغبرّ وجوههم بالالم العظيم، يتكرّر فيهم تناقض الاحاسيس؛ اليأس ، والقلق،والحيرة ، والدهشة من كثر الخلق في ذلك المكان ،ومكابرة الحزن، او مثل احساس الشيخ ونحن نعود البارحة، حيث علت محياه فرحة اليأس، فرحة من لا يجد ما جاء يفتش عنه....وتكرّر بنا الحال و لم نجد للصديق المفقود من اثر بعد ثلاثة ايام من البحث.
لازلت لا اصدق تلك الذكرى .
 وبقيت وجوه الموتى وملامحهم الاخيرة تخرج عليّ من طبق الأكل او المح حزنهم في سواد امرأة عابرة.
 و كلما ارى المدن العامرة اتذكر قول بيتر فارب في كتابه (بنو الانسان) :" ان مدن الأموات قد سبقت مدن الإنسان"، واحزن لغربة هؤلاء الموتى.
او اصحو كل صباح متذكراً؛" الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا " ** ،ولكثر اهتمامي بهذا الامر، صارت امي تروي للجارات هذياني عن معنى قول فرويد في غريزة الموت! ،وكيف اقارنه بمقولة  أكتافيوباث: "الموت والحياة لا ينفصل احدهما عن الآخر، وكلما فقدت الحياة معناها غدا الموت لا أهمية له"،لقد عشت حقا تجربة الموت ايامها  في موت الاخر.لكني بعد فترة ،وما ان استقرت بي فلسفة الموت الى بديهة الحياة العظيمة؛ النسيان،وايقنت من اكتمال الوجود به ،حتى بدأت انشغل بأمر شاحنات التبريد من جوانب اخرى لعلّ اهمها انقطاع تيار الكهرباء المتكرّر ايام الحرب.
 بعد سنوات فكرت بالذهاب لزيارة ذلك المكان، بعد ان كنت اتحين أي فرصة لمساعدة من يرغب في البحث عن مفقود، لعلّي ارى ما آلت اليه احوال تلك الشاحنات، لكن الجميع عرفوا ضعفي يوم حدّثهم جارنا عن نحيبي المتواصل في طريق العودة اخر يوم ، حتى قرّر عدم اصطحابي الى اماكن كثيرة اخرى توجد فيها مثل تلك الشاحنات، زارها الشيخ  وحيداً.
 انتهت الحرب وبقي  الناس يزورون هذه الأماكن حتى بدأت الحرب الثانية.
 ويحكى ان الشاحنات تلك تركها الحراس وهربوا ايام القصف الجوي المرعب في الحرب الثانية، ربما هربوا من مصيبة انقطاع التيار الكهربائي،تلك المصيبة التي كانت تؤرقني وتجعلني اعيش اللحظات باتجاه ذلك المكان ، ربما لسبب شخصي يبدأ بالخوف من الظلام ،الذي كانت وجوههم تطل منه، لحظة انقطاع التيار الكهربائي...الظلام الذي اعتدناه طويلا ً في العراق.

 ويحكى ان رجال الدولة افرغوا مجاميع كبيرة من هذه الشاحنات ودفنوها في مقابر جماعية بعد ان خلطوها بالآلاف من جثث المعدومين من السجناء ،او من ثوار الانتفاضة.


تذكّرت حكايتي تلك.. تذكّرتها بعسر الكتابة عنها وانا اقرأ قبل ايام خبر المقابر الجماعية للجنود العراقيين،ممن دفنهم الأمريكان - على عجل -  بعد ان صلى عليهم جندي أمريكي مسلم (حسب وكالات الأنباء).
 وهاهم الغزاة يحرمونا من متعة ان تدفن موتاك كما تحب ، هذه المتعة التي راهن عليها اهل العراق منذ القدم.. رهان الإقرار بالموت واللاخلود الكلكامشي، ورغبتهم الشديدة مقابل هذا  بتوثيق تلك النهاية؛  ضريحاً يـُفتقد، ويـُزار، وتسمى الجهات باسم ساكنيه، ويكفينا ان لنا اكبر مقبرة في العالم، يكفينا ان امهاتنا لازالت تردّد حين تُسأل عن وجهتها؛ ان ذاهبة لزيارة فلان، ولا تقول قبر فلان، وليس في نفسها ادنى شيء من عدمية المكان..انها اماكن لها ايامها وحزنها.
حرم الغازي مئات العوائل العراقية من فرح الدفن على طريقتهم الخاصة ،في جهاتهم الأثيرة ،وقرب عشيرة موتاهم...ترى او لم يفكر الغزاة بهذا:  كيف سيتعاملون مع قتلى عدوهم؟..او لم يخبرهم جماعتنا من ارباب المعارضة عن وجود الآلاف من ابرياء الجيش العراقي، من اخواننا واهلنا ممن لا تسمح لنا عراقيتنا ان نتركهم اكداساً في حفر عاجلة...او ان  يلقي عليهم الامريكان القليل من النفط العربي لتتلقفهم آلهة النار؟
او لم يحدثهم اخواننا ارباب التنسيق عن اهمية طقوس الدفن عند العراقيين؟؟ منذ اور التي وجد في مدافنها الآلات الموسيقية قرب الميت....

 


*  فيما يعرف  بأسوء خطأ سياسي وعسكري في التاريخ  عاد نابليون بونابارت في كانون الأول عام 1812م الي فرنسا بعد هزيمة قواته في روسيا. علي اثر البرد الشديد و تساقط  الثلوج الكثيرة التي منعت قوات نابليون من الاستمرار في الحرب، و قد قـُتل منها 320 الف جندي وبقي معه  قرابة الثلاثين الف عاد بهم الي فرنسا.

**   حديث شريف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص