الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشكالية مفهوم ( فصل الدين عن الدولة ) .

صادق العلي

2019 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


اجزم بأن الجميع قد اساء استخدام هذا المفهوم او لم يدرك حقيقة ما يعنيه بالضبط , طبعا بحسب مفرداته غير المُعرّفة عربياً بشكل دقيق .
لقد كان هذا المفهوم حجر الاساس لبناء الكثير من المجتمعات في وقت ما , وكان ايضاً مطلباً رئيسياً لمجتمعات اخرى ولكن الامر مختلف في حالة المجتمعات العربية وفي هذا الوقت بالتحديد من حيث موقعها في وسط اي مخطط او استراتيجية عالمية كذلك ما تمتلكه من ثروات تاريخية ودينية والاهم الثروات الطبيعية وهذا ما جعلها تدور في الساقية كما الـ ( ....... ) الى ما شاء الاخرين بمخططاتهم !.
العقل العربي غير مكترث لدقة المفردات والمصطلحات التي يستخدمها وما تعنيه بالضبط او انه ينطلق من تصورات وانطباعات متوارثة وعامة للغة التي يستخدمها بدليل استخدام الجميع مفهوم ( فصل الدين عن الدولة ) دون فحص وتدقيق , وهذا ما أتناوله هنا لنكون اكثر دق فيما نقول .
لا يخفى على احد ان الدولة تتكون من عناصر رئيسية وهي :
خارطة الدولة ( الارض التي يعيش عليها المواطنين داخل الحدود الدولية ) .
المجتمع ( المواطنون بأختلاف اعراقهم واديانهم وتوجهاتهم ) .
الحكومة او السلطة التي تمثل هذا المجتمع ( بالضرورة تكون حكومة ديمقراطية لان الحكومات الديكتاتورية لا تستخدم هذا المفهوم بالاساس ) .
لا نعرف دولة حول العالم تخلو من هذه العناصر ايضاً لا نعرف دولة حول العالم تخلو من مُعتقد او دين على اختلافها ( حجماً وتأثيراً ) وبالتالي يكون الدين جزء من تكوين الدولة إن لم يكون الجزء الاكبر والاكثر تأثيراً كما في حالة المجتمعات العربية .
وهنا لابد من التساؤل حول مفهوم فصل الدين عن الدولة إذ لا اعرف ماذا يقصدون !:
هل يقصدون فصل الدين عن الارض ؟.
هل يقصدون فصل الدين عن المجتمع ؟.
هل يقصدون فصل الدين عن الحكومة او السلطة ؟.
هنا يستحيل ان نطالب المجتمع بأزالة علاماته الدينية كالاماكن التي يعتقد بقدسيتها سواءاً كانت دور عبادة او اضرحة لرموزه او غيرها مما يعتقدها تمنحه تمسكاً اكثر بدينه وتقرباً لربه والاهم انها تمنحه الطمانينة والسكينة وهذا اصل الايمان .
ايضاً يستحيل ان تطالب المجتمع بفصل الدين عن حياته الخاصة ( كالزواج والدفن وغيرها من التعاليم الدينية التي يسير عليها اتباعها ) خصوصاً بعدما اصبحيت الاديان المحرك الرئيسي لحياة الشعوب والمتحكمة بها والمسيطرة عليها والاكثر من ذلك ان موازنات بعض الاديان المالية اصبحت في بعض المجتمعات اكبر بكثير من موازنات بعض الدول وبالتالي تعتبر مصدر العيش الوحيد للكثيرين ( كرجال الدين والقائمين عليها ) ايضاً مصدر عيش فقراء ذلك الدين .
ولكن ليس من المستحيل ان نطالب بفصل الدين عن الحكومة او عن السلطة , وعليه يجب ان يكون هذا المفهوم بالطريقة التالية :
( فصل الدين عن السلطة او عن الحكومة )
فصل الدين عن السلطة يعني عدم جعل الالتزام بالتعاليم الدينية مقياساً للمواطنة خصوصاً في المجتمعات المتعددة الاديان والمذاهب ( لان القداسة الدينية تخص اصحابها ولا يجب اخضاع الجميع لها لانهم يمتلكون قداسة خاصة بهم ), ايضاً عدم ربط رجال السلطة الحاكمة ( الساسة ) بقداسة الدين وتعاليمه لسبب مهم جداً وهو ان السياسة متغيرة ومتفاعلة مع ما يجري من احداث ومع الاخرين ( اصدقاء او اعداء ) اما الدين فهو ثابت التعاليم وعليه لا يجوز الخلط بين ما هو متغير وبين ما هو ثابت خصوصاً وان القداسة الدينية ستتأثر بشكل كبير فيما لو فشل الساسة او السلطة الحاكمة في ادارة شؤون الدولة وهذا ما يعيشه العراق مثلاً مما جعل يخلط بشكل ( مُبرر او غير مُيرر ) على الدين .
يجب ان لا ننسى ان وسائل الردع المدنية في اي دولة ( قانون السير والقوانين الاخرى ) تخضع لماهية هذه الدولة من حيث الاقتصاد والعدالة الاجتماعية ومستوى التعليم وغيرها والاهم من كل ذلك هو قوة الحكومة ( بفروعها الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية بحسب تقسيمات مونتيسكو ) , هذه القوانين تتغير من حين لاخر بحسب احتياجات المجتمع او السلطة طبعا وفق الاطر القانونية التي حددها دستور تلك الدولة , اما وسائل الردع في الاديان فهي ثابتة وغير خاضعة للتغيير كونها مُنزلة او مكتوبة في كتاب مقدس ( هناك كُتب مقدسة مُنزلة من السماء كاليهودية والمسيحية والاسلام وهناك كُتب مقدسة غير سماوية كالهندوسية والسيخية) اضف الى ذلك ان الردع الديني في اغلب الاحيان يكون اخروياً ( الإله فقط يحدد نوع العقوبة ومدتها وربما يسامح المُقصر ) وعليه لا يجوز لاحد بالمطلق لعب دور الإله ( دنيوياً ) ويقوم بمعاقبة المُقصر خصوصاً اذا كانت التقصير او الجريمة بعيدة عن الدين كمخالفات السير مثلاً .
قد يكون هذا الكلام منطقيا ً وعقلانياً الى حد كبير ( نظرياً ) ولكن في ساحة الحرب لا مكان له في اقصد ( عملياً ) , فاذا ما رجعنا للتاريخ الاسلامي مثلاً سوف نجد ان ساحات الحروب الاسلامية الاسلامية ما هدأت قط وعليه فلا مجال لطرح مفهوم ( فصل الدين السلطة ) لانه غير ذي جدوى !, لان الحروب قامت بالاساس على فكرة الحصول على السلطة بأي طريقة واقصاء الاخر المُستأثر بها .
صحيح ان المجتمعات العربية تراجعت كثيراً عن غيرها من المجتمعات وصحيح ايضاً بأن اللحاق بتلك المجتمعات اصبح صعب ولكنه ليس مستحيل , وعليه يجب التعويل على ما انتجته الانسانية عبر العصور من معرفة انسانية ومن انظمة اجتماعية مُتحضرة خصوصاً وان المجتمعات العربية اسهمت بشكل كبير في وقت ما بتطوير المعرفة الانسانية وايصالها الى الاخرين هذا يعني يمكن اللحاق بركب المجتمعات المتقدمة بدليل اننا نلمس رغبة وتطلع المواطن العربي الى الخروج من بودقة التخلف وهذا يتجلى بافضل صورة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تقدم لنا في كل لحظة انموذجاً انسانياً رائعاً في فصل الدين عن السلطة ولان المواطن العربي ادرك ان هذا الفصل لا يعني ابتعاده عن دينه او عن تطبيق تعاليمه او حتى المساس بقدسية الاماكن الدينية التي يقدسها ايضاً عدم مطالبته بتغيير دينه سواءاً بالترغيب او الترهيب لان القانون قد حدد الاليات اليت يتعايش فيها الجميع .
اصبح مفهوم فصل الدين عن السلطة ضرورة لابد منها للمجتمعات العربية ليس من باب الترف الفكري ولا من اجل تغيير اخلاقيات المجتمع كما يتبجح البعض من ( تجار الحروب والاديان ) وانما من باب ايقاف كل انواع الصراعات والحروب التي يكون الدين شرارتها الرئيسية والوحيدة وهي في ذات الوقت ( الحروب ) غير مجدية ولا تبني المجتمعات بل على العكس فهي ادوات تحطيم المجتمعات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا