الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين الانتحار والخياة

زاهد عزت حرش
(Zahed Ezzt Harash)

2006 / 5 / 18
حقوق الانسان


قاسية هي الحياة.. لكنها ليست مستحيلة!! فالمستحيل هو ان لا تعيش ما دمت تستطيع الحياة.!! هناك من يعيشون في مدن يفرتعها الظلم كل ثانية, ويمزق احشاء ابنائها اخوة لهم في الارض والدين والوطن.. لكن معظم الناس فيها متمسكون بالامل وبالحياة, لانهم يحلمون بغدٍ افضل للاجيال التي لم تر النور بعد؟!! وهناك من يعيشون في مدن تستيقظ على هديل الحمائم ويعربش العز على خديها.. وتجد بعضاً من ابنائها يضجرون لان حياتهم لا تحمل اي رسالة للحياة .. فينتحرون..!!

لا ندرك ما نريد من الدنيا.. ولا ندرك ما تريد هي منا!! هذا اذا ما كانت تريد منا اي شيء؟؟!! تفلسفت الاف الادمغة البشرية منذ بدء الحضارة الى اليوم, في محاولاتها للبحث عن سر الوجود والخلود؟؟!! لماذا نولد ولماذا نموت؟؟ الا ان اجوبة حتمية للرد على اسئلة الموت والحياة لا زالت تشغل بال البشرية الى الان.. ولست هنا بصدد الرد عليها, ليس تواضعاً!! بل اعترافاً منذ البداية بانني لست ادري!!

لا اعلم ان كنت هنا اكتب من اجل ذاتي ام من اجل الاخرين.. لكنني اكتب!! خاصة وانه راودني حلم الانتحار في كثير من مراحل حياتي.. وربما لا يزال!! الا انه لم يهزمني, او انني لم اصل الى مستوى القدرة علية!! واعتقد انه يسهل على المرء ان ينال من عدوٍ له.. حين يتيقن انه مجبر للقضاء على عدوه قبل ان يقضي عدوه عليه.. اما ان يصل الى درجة الانتحار.. اي ان يقضي على ذاته بذاته.. فالامر يحتاج الى قوة فوق اعتيادية, وربما الى عقيدة فقدت اي معنى من معاني الحياة.. بمرها وحلوها!!

في احدى مراحل حياتي, وبعد ان اصبحت اباً لخمسة اطفال, تبين ان اثنان منهم سيواجهون الحياة مع متاعب صحية صعبة للغاية.. فامضيت زهاء ثمانية اعوام من عمري وعمرهم في صراع مع المرض.. معاناة تكررت في حياتي مرة تلو مرة.. معاناة مؤلمة اكثر من اي الم يصاب به الانسان من الناحية الجسدية.. اذ انه في الكثير من الاحيان نستطيع ان نِسكت وجع الجسد بما يخدره.. اما الالم الاخر! ذاك الذي يفتك بالروح والنفس والعقل..ذاك الوجع العصي على التخدير او النسيان!!! فهو اصعب من الموت. لانه حتى مع الموت فانه لا يموت!! كم فكرت ايامها بالانتحار لانهاء هذا الموت المتكرر على مدار الساعة كل نهار.. لكنني لم اجرؤ ان اتركهم يواجهون المرارة والتحدي وحدهم.. فبقيت. بقيت مكرها اخاك لا بطل!! ومضينا مع العمر سوية هم بخير وانا. رغم انه خير يرافقة القلق على مصير مبهم او غادر.. الا اننا تعلمنا ان نرفض الموت ما دمنا نستطيع الحياة!!

تعرضت الى قهر في ظروف اقتصادية صعبة للغاية.. بسبب تلك السنوات القاسية!! اذ تحولت منذ ذلك الحين الى متلق لمخصصات عجزة من مؤسسة التامين الوطني.. بعد ان كنت امتلك مكتباً عامراً للهندسة المعمارية, حتى وانا اعاني من شلل يكاد ان يكون نصفي, اضطرني منذ ايامها الى قضاء معظم ساعات النهار على الكرسي الطبي المتحرك!! والذي وصلت معه الان الى درجة مقعد بامتياز.. ومع هذا فما زلت اعاني من ضائقة مالية الى اليوم, لكنها بسبب امور مفرحة بعيدة عن المرض والوجع الاخر!! فهي آتية من جراء احتياجات اولادي لتلقي الدراسة الجامعية!! هذا هو الحلم, حلم الفقراء.. الذي احمله من عمرٍ الى عمر, لينتقل الى عمر جديد آخر.. لكنه يتحقق!!

لماذا اكتب هذه الاشياء الان!!
الحقيقة ان حالتي انتحار وقعتا في غضون مدة لا تتجاوز الشهرين. والحالتين لاناس اعرفهم واكن لهم مودة تمتد لسنوات وايام.. ربما لم تكن بيني وبين الواحد منهم صداقة شخصية وعلاقة متينة.. الا انها كانت علاقة جوار ومودة ومعرفة تعود لعمر الاباء!! وقد تألمت في الحالتين كثيراً.. واعادت لي كل حالة بمعزل عن الاخرى.. صور من عذابات ايامي والآمي العصية على الغياب!! وانا لا اعرف قطعاً سبب اقدامهما على هذا الرحيل!! الا انني وضعت نفسي في دوامة هالة هذا البكاء الدموي القاسي.. الذي تركني لايام اعاني.. حتى تجرأت واتيت الى الكتابة! كتابة ابكي بها على نفسي واواسيها لانها قبلت البقاء ورفضت هذا الرحيل.. لا لشيء, فقط لتمنع ذلك الاحتراق المسكون في حدقات عيون الاحبة, اولئك الاقرب الى القلب. خاصة حين تبحلق فيهم عيون الاخرين!! عيون تحاول اختراق كل شيء من اجل ان تحكي.. من اجل ان تجد قصة ترويها وتتلذذ بما يوجع علامات الاستفاهم!! تلك التي لا يعرف مدلولها اي مخلوق كان.. سوى الذين رحلوا بمحض ارادتهم!! فلماذا لا نتركوهم لمحض ارادتهم في هذا الرحيل!!؟؟ البعض لا يتركهم من فرط حبه لهم وحاجته اليهم ليكونوا سنداً له في مواجهة الايام والزمن.. وهم كثيرون كثيرون جداً!! اما البعض الاخر.. فلا يتركهم لانه يريد ان تستمر الحكاية تلو الحكاية.. كي يستر بحكاياتهم حكايته المخيفة .. او لانها هكذا هي الحياة.. بكل ما فيها من كراهية وحب والم وسعادة!! لست ادري؟؟!

لست ادري ما اذا كان الامر يهم احد؟؟!! سوى ذوي الراحلين!! الا ان الامر يهمني.. ويقتلني الف مرة في النهار!! قطعاً لا يهم الذين رحلوا.. لو كتبنا عنهم الف صفحة كل يوم؟؟!! فكما ان الكتابة لن تنفعهم فلن ينفعهم اي شيء آخر.. ما دام اي شيء لن يعيدهم جسداً الى الحياة!! لكن الكتابة دواء للذين ما زالوا على قيد الحياة.. او انها ربما شيئاً من اجل الا تموت الحياة!!
هناك اكثر من منطق يرفض الانتحار!! فالحياة توهب للانسان مرة واحدة فقط. والموت هو النهاية الحتمية لاي شيء يولد من الطبيعة!! فعلام نسرع الى الموت اذاً؟؟! انا الآن اعاني, علاوة على صفة المعاق المقعد بامتياز, من مشكلتين صحيتين تمنعاني من العمل الميداني في حقل الفنون التشكيلية, اي من اقامة المعارض والكتابة عنها بتواصل مع الاحداث والبشر.. الا انني بالوقت الضائع ما بين وجبة وجع واخرى.. اعد شيئاً ما, لانسان ما, في مكان ما. فما زلت استقظ كل صباح على صوت عصافير تسعد ايامي, على الرغم من انها لا تدرك هي ايضاً اي معنى لوجودها.!! فمن سعادتها استمد قوة كي احضر ما يطلبة اولادي من لقمة وكاس ساخن لبدء نهار جديد!! وامارس حقي في الحياة بالتحدي.. حتى اصبح التحدي في حياتي هو الحياة!! وما زلت ايضاً اؤمن ببيت من الشعر قال:
احلامنا تزن الجبال رزانة وتخالنا جناً اذا ما نجهل

ربما خياتي هي ضرب من الجنون .. ليكن!!

فيا اايها الناس.. تعالوا بنا نمارس الحياة.. فنحن لم نختار ان نأتي اليها بمحض ارادتنا, انما هي التي اخارت بنا.. فلماذا نتركها قبل ان تختم جوازات سفرنا بالشمع الاحمر؟؟! فاذا كان معاق مشحر مثلي لا يزال يجد متعة فيها مع احبته.. فكم حريُ بكم انتم يا من تملكون الف طاقة وقدرة على قهر الآمها, كم حريٌ بكم ان تعبدوها من اجل قيمتها وقيمة الانسان!! فاذا كان هناك ثمة شيء نموت من اجله.. فتعالوا نموت من اجل قضية تعزز بقاء الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي


.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو




.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون