الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلاتنا مع التجاوزات

خليل محمد إبراهيم
(Khleel Muhammed Ibraheem)

2019 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


مشكلتنا مع التجاوزات
دكتور خليل محمد إبراهيم
التجاوزات؛ قديمة قدم الإنسان، وأنها مثل الأرضة؛ إذا عالجْتَها في مكان، ظهرت في مكان آخر إلا إذا عالجْتَها علاجا حقيقيا، وهذا العلاج الحقيقي، ليس سهلا، لأن النظام الإقطاعي أو النظام الرأسمالي، لا يسمحان به، فصحيح أن لديْنا وسائل متعددة، وربما متقدمة، لمكافحة (الفساد)/ الذي نُسمّيه تجوُّزا- بالتجاوزات، لكن هذه الأنظمة، ليست صالحة للقضاء عليه، فواضعو هذه الأنظمة؛ يُضيفون إليها ما يُخرِّبها، وبذلك تستمرُّ التجاوزات الكبرى التي ينبغي أن يُغضَّ الطَرْفُ عنها، وكيف يُغضُّ الطَرْف عنها إذا لم توجد وسائل؛ تُغطّي عليها؟!
إن أفضل الوسائل التي تُغطّي عليها هي وسائل التجاوزات الصغرى على الشوارع، والأرصفة، وأواسط الأسواق، والبلديات/ في كل العالم المتخلِّف- تُحارب هذه التجاوزات، بالشرطة، لكنها لا تقضي عليها، للحاجة الماسة إليها، فهؤلاء المتجاوزون/ في العادة- يتَّخذون أهمَّ مناطق المدينة، لتكون لمبيعاتهم؛ معارض، ومن ثمة؛ يحسدهم عليها المستثمرون الأفاضل، ألا ترون أننا نُطالبهم بالحضور إلينا لكي يستثمروا في بلادنا؛ على حساب أبنائها، ومن أموالنا، حتى لَيفرّون/ باكين- بما يسرقونه من أموالنا، فهُم مؤمنون؛ يخافون الله رب العالمين، فكيف لا يبكون وهُم يسرقون؟!
لِنفرض جدلا أن بعضهم يملك شيئا من خُلُق، وأنه يستولي على أماكن عمل الفقراء، بإمكانيات الشرطة وقوتها، فهو يفتح مرآبا/ كراجا) للسيارات، لا بد من أن يدخله سواق سيارات الأجرة، والسيارات الواقفة هنا وهناك، لِيدفعوا له الأجر الذي يفرضه، فمَن الذي يفرض عليهم إنجاح هذا الاستثمار غير قوة الشرطة؟!
لو انتبهْتُم أو تذكَّرْتُم، فهذا ما كان يحدث في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي؛ فترة بداية الاستثمار، المنخفض الصوت، فلما ارتفع صوت الاستثمار، كان على هؤلاء الفقراء؛ ترك أماكنهم لتتحوَّل إلى أشكال استثمارية كبرى، ولنقُلْ (مولات)/ وقد امتلأت بها بلادنا، كما تمتلئ بمرض السرطان- فحينئذ؛ مَن الذي يستأجر هذه المحلات؟!
سيستأجرها المتمكِّنون أولا، فإذا ما نفد المتمكِّنون، فعلى مَن يأتي الدور؟!
سيأتي على أصحاب البسطيات، وقد لا يمتلك الواحد منهم؛ ما يستأجر به محلا في (مول)/ أو مطعما فيه- عدا عن محل للعصائر أو المرطبات...الخ، فلتهدم الشرطة بسطياتهم، ثم ليتَّفق جماعة منهم على الاشتراك، وتأجير هذا المحل، ألا ترون أن الدولة؛ تُشجِّع تشكيل الشركات الكبرى؟!
وهذه الشركات الكبرى؛ قد تستثمر في المجاري، أو تجمع النفايات، أو تأخذ على عاتقها تمشية الكهرباء، وهكذا تُستأجر (المولات)، ويتمُّ استغلال الشعب، فستتحول البسطيات؛ من أماكن منخفضة الأسعار؛ تُعين الفقراء على الحياة؛ إلى محلات مرتفعة الأسعار؛ تُعين المستثمرين على الربح، وليذهب الفقراء إلى حيث يُريدون، فلا قيمة لمظاهراتهم، وليس هناك مَن يسمع أصواتهم لو صرَّخوا ألف سنة، فتأتي مشكلة المشيدات التي ينبغي هدمها خدمةً للمستثمرين الناجحين؛ المحسودين، فالمتجاوزون من سكان البيوت؛ على نوعَين، أحدهم يملك ما يملك، وهو يؤجِّر ما يملك، ثم يسكن دارا دبل فاليوم؛ في العشوائيات؛ أملا في مَن يُعطيه أرضا أو شقة، أو بيتا، فكل ما يخرج منهم؛ خير منهم، لكنه لا يخرج من لسانهم غير الكذب، فلا حلول لمشكلات العشوائيات، حتى جاءت الفترة الحالية، حيث تمكَّن مستثمرون مساكين؛ من سرقة أموال الشعب، ثم بنَوا بها مجمعات سكنية داخل المدن أو خارجها، ثم وجد مَن اشترى من هذه المجمعات؛ ما اشتراه، فبقي الباقي، فمَن يشتريه؟!
هنا؛ يتمُّ هدم العشوائيات، فمَن تمكَّن من شراء شقة أوفيلا، فبها، ومبروك عليه، وأما مَن لم يتمكَّن من ذلك، فليذهب إلى حيث يُريد، وليصرخ ما شاء له الصراخ، فأيهما أهمُّ في نظر النظام الرأسمالي؟!
المواطن الفقير؟! أم المستثمر الشرير؟!
هناك مَن يجهل التجربة المصرية، ويتمنى لو نتبناها، لأقول له:- وحقك أنت مثل المصريين؛ في وقت ما؛ كان الناس يطلبون السكن، فلا يجدونه، وأما الآن، فالسكن موجود، وطالب السكن موجود، والعشوائيات في ازدياد، لكن السكن فارغ، فكيف تحلُّ هذا اللغز؟!
اللغز سهل الحل جدا:- إنه سكن مبني للأثرياء؛ داخل مصر وخارجها، ومَن يرغب، فأنا مستعدٌّ لكي أعرض عليه إعلانات تأتيني من مصر، ومن لبنان، ومن تركيا، تقترح عليَّ شققا، وفللا، بمئات الألوف والملايين؛ من الدولارات، وفي ظنهم أنني ثريّ، لأنني دكتور، ولا يدرون أن راتبي التقاعدي؛ ينتهي عند نصف الشهر، وكتبي، يُريدون مني تكاليفها، حتى ينشروها، إنه نظام رأسمالي عظيم القذارة؛ يتعامل هذا التعامل الخسيس مع الناس، فهل تنتبهون؟!
المشكلة ليست مشكلة (عادل عبد المهدي) أو (العبادي) أو (المالكي) أو (أياد علاوي) أو غيرهم ممَن في هذه السفينة المخروقة.
إنها مشكلة النظام الرأسمالي القذر، فحين جاء نظام قريب من الفقراء بعد ثورة الرابع عشر من تموز، نجح في القضاء على العشوائيات التي ورثها عن العهد الملكي الزاهر، والتي يزدان بها هذا العصر الزاهي، فأين مَن ينتخب أنصار الفقراء، لا لِيخلِّصوه من العشوائيات الظاهرة فحسب، لكن لِيُخلِّصوه من كل العشوائيات الفكرية أيضا؟!
ألا هل بلَّغْت؟!
اللهم فاشهد.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟