الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسودة دستور أم تناقضات بلا حلول ؟

محمد مشير

2006 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في سياق مناقشة مسودة مشروع كبير و جديد من حيث الشكل و المحتوى ، كمشروع مسودة دستور العراق الدائم ، قد تتعارض الاراء و المواقف و وجهات النظر و هذا من بديهيات الامور و اولوياتها،و لا اظن بأن أحدا يتعارض مع هذا من حيث المبدأ، سيّما اذا كان مؤمنا بمباديء الديمقراطية و الحوار الحر البناء في سبيل اغناء المشروع بما هو تقدمي و انساني يضمن التوازن لجميع التيارات الفكرية و السياسية المتصارعة داخل اطار عراق موحد متفق على نظام حكمه المستقبلي ، و تحديد آليات الدولة و مؤسساتها بما يخدم المواطن و بما يصون و يعزز اسس الوحدة الاختيارية ، ولكن لا يمكن ان نسمي هذه الوحدة اختيارية و لا هذه المسودة دستورا اذا غصبت جهة على حساب الجهات الاخرى حقوقا تدل على هيمنتها الواضحة سيّما و ان الاكثرية – رغم تحفظ بعض الجهات التي تسعى العودة الى القديم و الى النظام المركزي الشمولي – تتحدث عن عراق جديد بعيد عن الدكتاتورية و القمع و الارهاب، عراق يضمن للجميع الحقوق التي يستحقها و يصون كرامة الانسان العراقي و يعيد بناءه بغض النظر الى انتمائه القومي أو الديني أو الفكري... و ان دلت مثل هذه الهيمنة على شيء في المسودة المطروحة للأستفتاء العام ،فأنما تدل على ان على ارض الواقع العراقي الراهن ثمة تناقضات جديدة لا يمكن غض النظر عنها كالنعامة ، و انما يجب التعامل معها كحقيقة ملموسة لمعالجتها بموضوعية و في ضوء معطيات واقع العراق التنوعي و التعددي الذي يفرض بطبيعته حلولا وسطا لا غير. فلا يمكن لطرف ان يستغني عن الانفصال على الرغم من ان الاكثرية الساحقة التي يمثلها هذا الطرف تؤيد الانفصال ، بينما يصر طرف آخر على اظهار المسودة بطابع ديني ضاربا عرض الحائط تطلعات و آمال شرائح و فئات كبيرة من المجتمع العراقي في الحرية وبناء مجتمع يفصل الدين عن الدولة .
و لو امعنا النظر في المسودة (1) لرأينا بأن هذه الهيمنة جلية و واضحة ناهيك عن انها جعلت المسودة (و امام ناظري العقول العراقية المعروفة بتقدميتها وباعها الطويل في صياغة مسودة دستور يضمن للعراق الموحد اختياريا – ما لم تكن الاختيارية و الاتحادية مفتعلة لمجرد كسب الوقت في اللعبة السياسية- الدوام و مستقبل افضل بكثير ) فارغة المحتوى ، بحيث تصبح جميع البنود التي وردت فيها، و التي تتحدث عن الحريات و حقوق العامة من الشعب ، و على وجه الخصوص الطبقات التي ترزح تحت وطأة عدم توفير الامن و الاستقرار و فرص العمل والارتفاع المتزايد للاسعار و الغلاء الفاحش....،لاغية ضمنا اذ لايمكن تصور تحقيق هذه الوعود المزركشة في ظل مسودة دستور تحمل في طياتها تناقضا كبيرا لا يمكن لسليم العقل تجاهله أو عدم الانتباه اليه . ففي الباب الاول/ المباديء الاساسية / وفي المادة (2 ) اولا ، ورد مايلي – ( الاسلام دين الدولة الرسمي و هو مصدر اساس للتشريع ):
أ- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
ب- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مباديء الديمقراطية.
نتساءل هنا کیف یتم التعامل، و في ظل مثل هذه المادة ، بموضوعية وبناءا على مباديء الديمقراطية مع حقوق المرأة ؟ الا تتعارض مباديء الديمقراطية مع ثوابت احكام الدين في هذا الباب ؟ فثوابت الاسلام هي ان للذكر مثل حظ الانثيين . بينما مباديء الديمقراطية توجب مساواة الذكر و الانثى في الحقوق فلا يمكن حرمان الانثى من حقوقها الطبيعية المشروعة لمجرد كونها انثى، افلا تنتقص اهلية المرأة القانونية عندما نعتبر مرأتين بمثابة شاهد واحد في المحاكم ؟!
هذه المادة من الباب الاول تكفي لمصداقية ما ذهبنا اليه ، و هي بحد ذاتها تكفي لعدم بحث و دراسة بقية الابواب التي ولدت و هي ميتة لا حول لها و لا قوة ، و هي ليست الا مواد لتزيين نعش الدستور. لذا يمكن الجزم بان المسودة بصورتها العامة ، بعيدا عن التغازل النفعي مع هذه الجهة أو تلك ( هذا الطرف أو ذاك ) تطغي عليها طابعها الاسلامي ، و لا يمكن لافكار( القروسطية ) ان تقدم حلولا جذرية لمشاكل العراق المزمنة من اضطهادات قومية و مذهبية وسياسية و جنسية ، بل تصلح لتكون افكارا شخصية تحترم وفق الدستور لا دستورا تبنى عليه الامال . و كفانا ذر الرماد في اعين تغفو و هي مثقلة بهموم و اوصاب الماضي الدموي القريب الذي ما زال متجسما على صدور العراقيين ككابوس مرعب مخيف .

1 – تم التصويت على مسودة دستور العراق الدائم في 15 /10 /2005 و لم يطرأ اي تغيير يذكر على المسودة بصورتها العامة ، بل نتيجة لاختلاف الاراء و وجهات النظر ما زالت هناك اكثرمن 50 مادة معلقة ليتم معالجتها فيما بعد بقانون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع