الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية في كتاب القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية

ندى أسامة ملكاني

2019 / 9 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


كتاب القوة الناعمة من تأليف أستاذ العلوم السياسية الأمريكي جوزيف ناي، ترجمة محمد توفيق البجيري، صادر في عام 2004 عن مؤسسة العبيكان. يتضمن الكتاب 257 صفحة.
يتضمن الكتاب خمسة فصول، الأول يتحدث عن الطبيعة المتغيرة للقوة، يتناول الفصل الثاني مصادر القوة الناعمة الأمريكية، وفي الفصل الثالث، يشرح المؤلف قوة الآخرين الناعمة، والفصل الرابع البراعة في استخدام القوة الناعمة، وفي الفصل الأخير يحلل الباحث القوة الناعمة والسياسة الخارجية الأمريكية.
جوزيف ناي هو مبتكر مصطلح القوة الناعمة، ولكن قبل أن يستخدمه في هذا الكتاب، سبق له أن أشار إليه في كتابه "وثيقة نحو القيادة عام 1990 ثم عاد إلى تصمينه في كتابه "مفارقة القوة الأمريكية" الصادر في عام 2002.
بداية يعرف ناي القوة الناعمة بأنها القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبية أو السحر أو الإقناع بدل الإدغام أو دفع الأموال.
جاءت صياغة مصطلح القوة الناعمة في العلاقات الدولية كغيره من المصطلحات التي يجب أن تولد وتتغير وتتعدل ويعاد إنتاجها لما يلائم طبيعة العصر والتحولات المستمرة البنيوية والطارئة في النظام الدولي والوحدات والكيانات الدولية المكونة والمتفاعلة في تشكيل علاقاته.
والتحولات التي شهدتها الساحة الدولية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فرضت إنتاج مصطلح جديد يعبر عن ظاهرة جديدة كمصدر لسياسة الدول في علاقاتها مع بقية الدول، فبخلاف القوة الصلبة التي تمثل القوة العسكرية أحد مصادرها، تشكل القوة الناعمة مصدرا مهما السياسة الدولية في علاقات اي دولة مع بقية الدول كل على حدا والنظام الدولي بشكل عام، والدعامة الرئيسة في التأثير هي استخدام أساليب الإقناع العديدة، وتتصدرها الثقافة.
الثقافة هي مجموعة القيم العامة المؤثرة في أفكار وسلوك الآخرين، وتنقسم إلى ثقافة عليا تحاكي النخب الثقافية بمعنى أنها تلك الأفكار المعبر عنها من قبل طلاب او ممثلين عن دولهم يعودون إلى وطنهم حاملين وناقلين لثقافة البلاد التي زاروها أو درسوا فيها، بمعنى آخر يحملون بشكل أو بآخر قسم البلدان التي تعرفوا إليها. والنمط الثاني من الثقافة هو الثقافة الشعبية وهي لا تقل أهمية عن الثقافة العليا، فهي ليست فقط تسهم في نقل قيم الشعوب وتعرف الدول الأخرى على ثقافة دولة أو مجتمع قوي او ناشىء او صاعد، بل أكثر من ذلك فهي اليوم تسهم في تغيير قناعات وآراء الناس والدول كالأفلام والغناء والرياضة ....وهناك أمثلة حديثة ومعاصرة كثيرة، فمثلا قبل انهيار جدار برلين والذي كان مقدمة وفاتحة لمرحلة جديدة في العلاقات الدولية وانهيار نظام القطبية الثنائية كانت قد اخترقته صناعة الأفلام السينمائية، كوريا الشمالية ذات النظام الشمولي الأبرز اليوم في عالمنا المعاصر تستخدم الرياضة كأحد أهم أساليب التأثير الناعم دوليا بالرغم من شدة انغلاق نظامها الدكتاتوري.
هناك أيضا القيم والسياسات المحلية، وتتضمن جملة الأفكار العامة والمفاهيم السياسية ومؤسساتها كالديمقراطية كمفهوم وبتطبيقاتها كافة ومفهوم حقوق الإنسان وكيفية تطبيقه في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة والحروب الأهلية أو في أوقات السلم المحلي والدولي
ولدينا أيضا السياسة الخارجية، وهي مجموعة التحركات بدءا من صناعة القرار وحتى تنفيذه والتي تقوم بها الدول لتنفيذ هذه القرارات على صعيد علاقاتها مع بقية الوحدات الدولية سواء لتجذب الدول الأخرى او لتغريها او تقنعها بعقلانية وصوابية مواقفها ليس عن طريق الإكراه والقوة العسكرية هنا بل عن طريق القيم والسياسات التي تطرحها مثلا المساعدات الدولية وكيفية محاربة الإرهاب ونشر السلام .
يرى جوزيف ناي في الفصل الأول من كتابه، أن القوة كحالة الطقس تماما تتغير ، الكثير من الفاعلين الدوليين من أفراد ودول ومؤسسات يدعي أنه يفهم طبيعة هذا التحول. بالنسبة للمؤلف ، تقاس الطبيعة المتغيرة للقوة الناعمة بنسبة امتلاك واستخدام مصادر القوة الناعمة في التأثير على الدول الأخرى، فعلى سبيل المثال، هناك دول لا تمتلك قوة عسكرية واقتصادية كبيرة إلا أنها مبادرة في مجال محادثات السلام ومبادرات الحفاظ على البيىة ، وفي الفصل الثاني يستعرض جوزيف ناي مصادر القوة الناعمة الأمريكية ، فلدى الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 62 % من أهم العلامات التجارية
في العالم، وهي أهم مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية. إلا أن القوة الناعمة الأمريكية وكما يرى المؤلف قد تأثرت سلبا بسبب حرب فيتنام وإبان غزو العراق عام 2003، ولا يمكن التقليل من تأثير هوليوود وبوليوود اليوم في عقول الناس من خلال الصور فالصورة تنقل الكلمة أكثر من المؤلفات ...وفي عصر مابعد الحداثة تغدو الصورة البصرية أكثر وأيسر وأكثر إبداعا في التعبير ...حيث لم تعد اللغة هي فقط من يحكم نجاح او فشل المفاوضات ومباحثات السلام
ويشير الباحث في الفصل الثالث إلى وجود مصادر القوة الناعمة لدى دول أخرى غير الولايات المتحدة الأمريكية، وبوليوود اليوم في الهند وقوتها الاقتصادية الصاعدة وتجربتها في الديمقراطية التعددية نموذج يحتذى لم يتوسع الباحث في شرحه، إلا أنه يرى أن للهند والصين مستقبلا باهرا على الساحة الدولية في صناعة صور ما بعد الحداثة، سابقا كان للاتحاد السوفياتي تأثير على الأحزاب الشيوعية العالمية هذا أيضا جانب مهم ومهم جدا في دراسة القوة الناعمة، وأوروبا اليوم منافس القوة الناعمة الأمريكية بالرغم من التبعية النمطية والمدركة من قبل باحث العلوم السياسية السياسة الخارجية الأوروبية لرؤى ومنطلقات السياسة الخارجية منذ تفكك الاتحاد السوفياتي.
الفن والأدب والأطعمة والدبلوماسية العامة والمساعدات الدولية ومبادرات إعادة الإعمارومسارات التسوية واقتراح أطراف مشاركة بالوساطة او بشكل مباشر كلها قوة ناعمة لايجب أن يقلل من قيمتها فهي ترسم اليوم مستقبل دول بأسرها.
امتلاك القوة الناعمة ليس المحدد الوحيد لنجاحها، لذلك في الفصل الرابع نجد جوزيف ناي يشرح لنا البراعة في توظيف واستخدام هذه القوة ومصادرها المختلفة كما فعلت فرنسا حينما نشرت لغتها وآدابها في الخارج أثناء القرن التاسع عشر، وفي الفصل الأخير يتحدث المؤلف عن العلاقة بين القوة الناعمة والسياسة الخارجية الأمريكية فقد بين أن هذه السياسة غدت مكروهة وبدأت تؤثر على انحدار القوة الناعمة الأمريكية وتناقض إثر الثقافة الشعبية الأمريكية في العالم مقابل تزايد وتصاعد الإرهاب الدولي وداعميه من مختلف الأطراف وضبابية مفهوم الإرهاب
ويمكن القول بأن القوة الناعمة اليوم برأي سعاد إنتاجها بشكل جديد فليست كل قوة ناعمة إيجابية فالفوراق الثقافية بين مستخدم القوة الناعمة والمجتمع المتلقي قد تكون مدمرة إذا فشل المجتمع المتلقي في استيعاب وتوظيف الثقافة الشعبية وربما التوظيف الأخير اصعب من استيعاب الثقافة العليا ..فيمكن لموفدي الخارج نشر أبحاث علمية عن الدول التي زاروها ولكن تشرب الثقافة الشعبية تجعل عنصر الطرد أكثر جذبا لهم من العودة لدولهم .
وعلى الصعيد السياسي الخارجي، نجد اليوم مثالا لانحدار القوة الناعمة الأمريكية ، فلدى النظر إلى التحولات في السياسة العالمية ورؤية الأزمات الإقليمية في المنطقة العربية ولدى النظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع الصين بين شريط ومنافس وعلاقتها بالأنظمة العربية كأكبر مستفيد من الصراعات الإثنية ..سندرك طبيعة التخلي الأمريكي عن الدور المباشر في سورية شيئا فشيئا وإسناده إلى دول مركزية إقليمية مثل إيران مقابل إزاحة خطرها النووي ...وروسيا منذ 2015 ولم تكن لتدخل لولا التنسيق الأمريكي الروسي ا...والتوريط الأمريكي لإيران في طموحاتها الإقليمية هو تغذية الصراع السني الشيعي ...الصراع الكردي من أجل هويتهم وإقامة دولة والدعم والتخلي والشد والجذب التركي الأمريكي حيال قضيتهم، وحتى في حال نجح المد الإقليمي الإيراني ستكون الولايات المتحدة رابحا بلا شك .
من المهم النظر الناعمة كأحد مقتربات تحليل السياسة الخارجية اليوم ولاسيما في مسألة المساعدات الدولية وجهود إعادة الإعمار ومباحثات ومفاوضات السلام والتخلي عن النهج التقليدي في التعاطي مع الملفات السياسية على صعيد الأبحاث والدراسات السياسية والدولية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله