الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر الفلسطيني عبداله عيسى يكتب: أشجار تتألم

عبدالله عيسى

2019 / 9 / 26
الادب والفن


الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى يكتب : أشجار تتألم


أشجار تتألم
إلى محمد بركة



هو ذاتهُ !
من يقتفي جيرانُه العميانُ ظلَّ الضوءِ بين يديهِ
حتى يسرقوا زيتَ السراج ،
و يزرعُ الزيتونَ فوق سريرِه
كي يكلأ المشكاةَ من طرّاقِ منتصفِ الليالي .
لا يعانق نخلةً إلا ليروي ما أسرّت جثة الماضي لأحفاد الغزاة الخارجين من الأساطيرِ القديمةِ بين سهلِ مؤاب والسورِ الذي هرمت ظلالهُ في أريحا،
أو يصادق نملةً هبطت من الجبلِ المجاورِ ،
حيث كان العابرون يقلّدون مزاجَ نسوتنا بتطريزِ الممالكِ بالحجارةِ ذاتِها والطينِ ، إلا كي يعلّمها فنونَ الصبرِ كاملةً ، وحكمةَ أن تصدّق قلبَها بين الجحافلِ.
كل شيء سوف يمضي . :

ذاتُه
من يهتدي في بيتِه ، ذاك الذي أرّقتهُ في شفاعمرو جِمارُ الذكرياتِ ،
إلى روائحِ كرمِ صفوريّةَ الأولى ،
ويندر أن يجادلَ خوفَ سجّانيهِ من فرطِ ابتسامتِه الأخيرةِ في انتظارِ زيارةٍ أخرى لزوجته التي ستعودُ بعد زيارةٍ أخرى لسجنِ ابنيهما .
- للأفكارِ أجنحةٌ
، تقولُ له ،
-كما للأرضِ طعمُ الميرميّةِ في وصايا الأمهاتِ
، يقولُ ،
- يوجعني بسجنهما العدوّ .
ويكتفي بعناقها كي لا يمرّ الوقت بينهما سدى.
-كلّ النهارِ يضيقُ دونكٍ بي ،
وليسَ هناكَ في كل الليالي أيّ متسعٍ لحلمينا
أنا الآتي إلى غده
وسجّاني الذي يمضي إلى أسفارِه الأولى ،
ولا يتوقّفُ الأمواتُ فيها عن تعاطي مهنةَ التحديقِ في سرّ الشعاعِ المطمئِنّ على نوافذِنا ، ورميِ جذوعِهم ْكروائحِ الغرباءِ في الطرقاتِ،
فيما يتتهي من حيث يبدأ.

كل شيء ..

فلنعُدْ خلف الطفولةِ كي نرى الشمسَ التي وقفت لترعى ظلّنا ينمو على جنَباتِ سهلِ الحولةِ ،
الأرضَ التي صعدتْ إلى أسمائِها كي تختلي مثلي بخالقِها ، فتشكو قاتلي لقيامتي بين الشواهدِ.

كلّ شيء سوف يمضي مثله
ما جئتُ إلا كي أعود مبشراً بصواب محراثي ومزماري ،
وألقي بينكم ألمي سلاماً طيبا.ً

هو ذاته!
من كلما ناديتَهُ من جانب الطور اهتدى الوعل الشريد إلى أصابعه ،
فآنس في مخيّلةِ الذئابِ طرائدَ الشعبِ المجاورِ في إشاعاتِ الرواةِ،
ومن إذا نودِيْ يعودُ إلى الرواية كي يرى أبطالها يتفقّدونَ ظلالَهمْ في الليل فوق سلالمٍ بقيتْ تدلّ على بيوتهمُ القديمةِ .
قد يكلّمُ فوقَ قلعةِ ديرِ حنّا أو هضابِ قلنديا نجومَ الرعاةِ
، مصدّقاً ببراءةِ المعنى ،
وينسى وجهَهُ القُرويَّ في مرآةِ سائحةٍ تصدّقُ أنّ نعمةَ مريمَ العذراءَ في أيقونةٍ في بيتَ لحمَ تنيرُ أبراجَ السماءِ ،
وقدْ يعانقُ في رحابِ المسجدِ الأقصى الحجارةَ علّ إحداها رأتْ قدمَ النبيّ ،
ولا يكلّف نفسَهُ إلا بما اتسعتْ من الحسنى وقولِ الحقّ بين جنازةٍ وتلاوةِ السُورِ القصارِ .
وقدْ يشاركُ زوجَ جارتِهِ المهاجرِ ، عالمِ الفيزياءِ نصفِ المُلتحي كأسيرِ بابلَ ، خوفَهُ من هزّةٍ أرضيةٍ في فُرنِ ديمونا المحاذي ، أو هولوكستٍ جديدٍ بين غُفرانين ، يفسدُ نومهُ ،
فيما يواري نبتةَ الزعرورِ تحتَ قميصِهِ الورديّ عن مستوطنِ يستدرجُ القتلى إلى أنسابهمْ .

لا شيءَ يجعلُ جوقةَ الأمواتِ يبتسمون لي إلا التذكّرَ .

كلّ شيءٍ سوف يبقى
غيرَ أن رطانةَ الغرباءِ تصدأ فوق أسوارِ المدينةِ ،
والقرى هرمتْ كثيراً بعدَنا،
والزيزفونُ على ضفافِ النهرِ مال كمن يعانقُ ركبتيهِ خائفاً ،

لاشيءَ يبقى

بينما تتأوٌه الأحراشُ .

ليست تلكَ كفُّ الله ،
بل يدُ عابرٍ ٍ تلهو بحبرِ الوحي في الجرسِ الذي ربّيتُه في عنقِ شاتي .
ليس هذا صوتُهُ ،
بل نجمة تترصّدُ النهرينَ تضربُ بالعصا ظهرَالبحارِ لتوقظ الأشباحَ في البئرِ القديمةِ ِ ،
والملوكَ المائلينَ على المزاميرِ التي ورَدتْ مُثلّمةً بآهاتِ الضحايا في كلام ِالمُرسلينَ ، وسيرةِ الصبّارِ في أنحاءِ أرضي .

كلّ شيءٍ سوف يمضي
بينما أبقى
أغنّي للسنونو كي يعودَ إلى قُرانا مُطمئناً ،
للحصى في النهرِ كي ينمو ،
لسيّدةٍ تطوفُ ممالكَ النحلِ القديمةِ في الجبالِ لتطمئنّ على مصيرِ الزهرِ في حاكورةِ البيتِ القديمِ ،
لدمعة ذبلتْ على خدِّ ابنة ِالجيرانِ تجرحُني .

كأنّي لم أكنْ أرعى خِرافَ سوايَ من مُكرِ الذئابِ ،
ولم أقاسمْ ما تبقّى من شعوبٍ جاورتني الملحَ والينبوعَ ،
لم أحملْ صليبَ القانطينَ من الخطايا ،
ما ملأتُ سلالَ أبناءِ السبيلِ بحنطتي .

وحدي
أرى في ذكرياتِ الآخرينَ يدي التي سرقتْ حياتي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا