الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوركسترا .. قصة

عبد الرحيم الرزقي

2019 / 9 / 27
الادب والفن




--أوركسترا ..
*************


قادته السيدة التي تبدو للعين المكشوفة هادئة الملمح صوب الجامع .
كومت رأسها كما اتفق داخل خرقة ..والتفت بأول سقط بين يديها ...
لوت بيدها الباطشة - نوعا ما !- على يد الصغير واهن القوة .. والمغلوب على أمرلايعلمه سوى الكبار!العتاة !القساة الجائرين !.
" المسيد " *! ربيب المسجد المزوي داخل الدرب .. والذي تآكل عمرانه .. ولم تعد تستشف منه إلا عض الإرهاصات " الموريسيكية " !.
" المسيد " مكان يرهن اعتقال زمرة من الصبيان وإزاحتهم عن حميميات نساء المكان ..
للطفل وهو مجرور جر الدواب أسئلة " وجودية " !تتخلب وتزهر فتخرج خلاصات مفادها في تواخيرها أن الكبار مغالون .. ظالمون .. مفترون !.
و" السيد صالح " على مبعدة وأمتار عن جري هالا باستقدامي .. يخالف الذراع عن الذراع ليتلقاني وأنا بين يديه .. علمت أن لابد لي من تلك " المدلوكة " الفلقة " التي ما كف بعدها الأطفال من حكيها همسا طورا في حضوري .. وجهارا حين يختلون إلى أنفسهم في غيابي ..وأيضا حينما يستعرضون ملابساتها أمام الكبار .. القساة .. الجائرين .
قادتني صاغرة خانعة برجليها النحيلتين المخضبتين بحناء " العواشر " .. جسدها الملفوف بإزار لاتبدو منه إلا عينها التي انتقلت بدمع مشوب بالخوف . إذ هي تخاف على صغيرها من حصادات خارج الدار .
هي الآن متبلدة العواطف والهم كله أن تستيعيد فلذة كبدها .. لم يعد يهمها أن يكون ابنها " اسبيرة "* جسور الدار .. "إذ لكل الأطفال عيوبهم .. ولن يقتصر الأمر ويتوقف عند طفلي " ...
هي الآن تخاف عليه من همس الظل .. وترسبات حيطان " بومسوس " *.. تخاف عليه من " صالح " نفسه .. بعينيه الضاربتين في كل اتجاه ! .. تخاف عليه من أشياء أخرى يجب أن لاتحكى !! تحدث للأولاد دائما !وأبطالها هم الكبار أمثال " الطالب صالح " * وغيره ...
وأنا مجرور باليد الباردة لأمي صوب " صالح " صوب " لمسيد " صوب المغامرة .. لم تعد تنفعني صراخاتي التي كانت حتى عهد قريب تشرخ صمت " طوالة الدرب الهاديء " .. ولاعدوانيتي الواضحة على الأقران والبنات خصوصا ..!!.
لا أحد أرى ينجدني ياحسرتي !وليس لي سوى الوثوق في خطوتي البريئة صاغرا لجر هذه السيدة بقربي .. وعلى حد " الشوف " وأمام باب " لمسيد " مباشرة .. هناك " صالح " فاتحا ذراعيه .. علقت على إحداها " مسوطة " .. وعلى أخراها " هشاشة ريح " ..
قال : اقرأ .. ورددوا وراءه - الذي قرأ !!- ثم أعاد الكرة وقال : إقرا !!.. أجابت لحيته البيضاء ولوحي الصلصالي .. ومسوطته الزيتونية : لاتقرأ !!لاتفعل !!..ستفسخ لنا البيع !!ثم إنني مافعلت !!لازلت أذكر اشتعلت حنجرتي صراخا وعويلا شرخ كل الزقاق .. ومن أبواب المنازل غير البعيدة أطلت رؤوس !.
أمر " صالح " الطالح خزنته بحملي .. وكانوا المبادرين المسرورين .. وكذبابة ناحلة القوة استسلمت لشراك عنكبوت !كنت أدخل أسواقي كلها .. أولها كان توديع معاهدة الصمت !تلاها سوط لاسع أحدث وابلا من الألم في أخمص قدمي !!بعد ذلك أنا وأمي الباكية وعلى مبعد نظرات " ابا خلوف " المبهمة . قال لها بعد أن استوفى مني نظرات غير واضحة المعاني :
-- ضمدي كدمات الكلب بالملح والثوم .. وليعلم بعد اليوم أنها انتهت أيام " السيبة " !! ومن يروم غير ذلك فما أبعدنا عن مقام " الطالب صالح " !!...
كانت يدها وسط الخرقة تلاطف جبيني حين داعبني شيء من النوم . رأيتهم فيه يحملونني على طول الزقاق .. و " الطالب صالح " على عتبة " لمسيد " يرقص على جفنة و أمي ب " تكشيطة " تزغرد .. بينما " ابا خلوف " يحمل المسوطة كما المايسترو .. إنه بالفعل يقود كل هذا الغليان .


قصة : عبد الرحيم رزقي / مراكش المغرب .


* لمسيد : المقصود المسجد وبالضبط الكتاب وهي لهجة اهل الأندلس التي دخلت للمغرب .
* اسبيرة : تعني الفتوة وكذلك " العزوة " حسب التعبير المراكشي .
* لعواشر : المقصود العشر الأوائل لكل عيد ديني .
* بومسوس : التربة المتفتتة
تكشيطة : لباس نساء راقي مغربي يلبس في المناسبات أصله أندلسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نور خالد النبوي يساند والده في العرض الخاص لفيلم ا?هل الكهف


.. خالد النبوي وصبري فواز وهاجر أحمد وأبطال فيلم أهل الكهف يحتف




.. بالقمامة والموسيقى.. حرب نفسية تشتعل بين الكوريتين!| #منصات


.. رئاسة شؤون الحرمين: ترجمة خطبة عرفة إلى 20 لغة لاستهداف الوص




.. عبد الرحمن الشمري.. استدعاء الشاعر السعودي بعد تصريحات اعتبر