الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحرب. - الوجه الحسن للحرب!

مصطفى علي نعمان

2003 / 4 / 5
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

اليوم السادس عشر، الجمعة، 04 نيسان، 2003.

 

لست أدري كيف تغيرت صحف أمريكا، وبأي سرعة! اختفت صور الهزائم، صور القتلى، صور العطب، الخراب، التدمير منها جميعاً، لم أجد سوى صور تغري البريء، الساذج بأن للحرب وجه واحد حسن، جميل، إنساني، فمصور الـ c.n.n اقتطف باقة من الصور الجميلة، إحداها لكاعب، مراهقة، عراقية، فائقة الحسن، وأطفال وسيمين، وصور أخرى تكشف براعة مصور خبير ذكي، يستطيع أن يختار أفضل ما في الكون، والطبيعة، والإنسان، ليخلده! وصورة جندي أمريكي، يحمل آخر عراقياً جريحاً، فـ"يا للإنسانية!" الرائعة! وأخرى لجنود عراقيين، أصحاء، مستسلمين، لكن الجرائد وهي تعرض ما تريد أن يكون لأمريكا، لحرب "حرية العراق" عرضت ما يمكن أن يكون ضدها، ضد الحرب، فهناك صورة مئات من المواطنين في أم قصر، يتدافعون للحصول على "معونة" أرسلتها حكومة الكويت، مكتوب عليها: هدية من الشعب الكويتي…

وهناك صورة أخرى لثلاث نساء عراقيات، في عباءاتهن، وبراقعهن، وهيآتهن المحترمة، واقفات أمام الجموع المتنافسة، يقتل القهر، الحزن، الذل، صفاء أعينهن الجميلة، وهن ينظرن إلى لجة متلاطمة من الرجال المتدافعين، لجة لا يستطعن اجتيازها، لجة تصطرع بضراوة للحصول على اللقمة، "المساعدة، الإذلال" الكويتي، فمن يستطيع أن يوصل لهؤلاء النسوة المحتشمات ما يسد رمقهن، مع حفظ كرامتهن، وعزتهن، ومن المسؤول عن هذا الإذلال! وأي زمن لعين أوصل الشعب العراقي ليقف أمام اللقمة مقهوراً، مغلولاً، حسيرا!

جك، جك، عوو..عوو..عوو:

جك، جك، عوو..عوو..عوو، أليس هذا صوت القطار؟ معذرة إن كنت واهماً.

عندما كشف المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم، وثائق لا حصر لها تثبت أحقية العراق بالكويت، وقفت ضده دول الجامعة العربية، وكان مسيلمة الكذاب "عبد الناصر" المحرك الرئيس لتلك الوقفة!، لكن المحرك الرئيس لمسيلمة الكذاب هذا كان شيء آخر، هو حقنة من المال، قدمت له رشوة، ثلاثين مليون دينار كويتي، أي نحو مئة مليون دولار، وتعادل الآن في قوتها الشرائية ملياراً ونصف المليار، بالتمام والكمال، ثم امتدت دائرة الكرم "الكويتي" لتشمل باقي دول الجامعة العربية، وكانت لا تزيد على حفنة! وبعد استشهاد الزعيم عبد الكريم، دفعت تلك الرشوة "هدية" لحزب البعث مكافأة على دوره "الأمريكي العروبي" وتسلم الصك، "المرحوم" أحمد حسن البكر، نيابة عن رئيسه، "المؤمن بالله لا بغيره" وأعضاء حزبه، وباقي عصابته، فأودعوها في بنوك خارجية، مكنتهم بعدئذ، من الرجوع إلى السلطة في القطار الأمريكي الثاني، والذي مازال ينبح: جك، جك، عوو..عوو..عوو، ينبح منذ أربعين سنة وإلى حد الآن.

لكن ليس القطار ما يحمل على الذكرى الآن، فقد انقلب إلى نار شعواء، تحرق الأخضر واليابس، لا تبقي ولا تذر، لكن ما يحمل على الذكرى هي "الرشوة الكويتية" التي تجددت هذه الأيام، عفواً الرشوة العراقية، ولا أعتقد أن هناك فرقاً كبيراً بين الجهتين، الأمر ببساطة تبادل في الأدوار، فقد أصبح حزب البعث المرتشي، راشياً بعد تسلمه السلطة، فاق الجميع، فقد صعدت أجهزة الإعلام الكويتية، من حملتها ضد قناة التلفزيون العربية، واتهمتها بأنها تقبض من نظام بغداد، أو أنها تخشى التصفية الجسدية! لكن من ينظر إلى أسباب ذلك التهجم يعجب شديد العجب، فالقناة العربية تستعمل ألفاظ مثل: الغزو الأمريكي، العدوان الأمريكي، قوات الاحتلال الأمريكية، وتتعمد إظهار ضحايا القصف، من العزل والأبرياء، وتبالغ في إظهار الأضرار في الأبنية المدمرة: مدارس، مستشتفيات، مباني حكومية ..الخ.

ولست أدري هل صدقت تلك الأجهزة الكويتية "الشقيقة" دعوى القوات الأمريكية بأنها دخلت لتحرر العراق لأجل سواد عيون أبنائه، إن كان كذلك فهي صادقة، مئة بالمئة، لأن معظم أعين العراقيين سوداء كالأبنوس!

أم أن الضحايا الذين سقطوا ليسوا عزلاً، ولا أبرياء! أو أن تلك الصور لا تعود لعراقيين قتلوا في العراق، بل في بلفاست، أو فيتنام، أو الصومال، وأن القناة الفضائية غيرت الصور في مخابر اليكترونية، لتظهرها كأنها عراقية، أو أن الدمار حدث في زحل أو المريخ، لكنهم ادعوا أنه في العراق!

ثم استمرت أجهزة الإعلام الكويتية، الشقيقة، بالتهجم على معظم من وقف موقفاً حيادياً، من الحرب، لتعيد إلى الذاكرة مواقف "سيف العرب"، وحزبه العتيد، إما أن تكون بعثياً أو خائناً، أو موقف بوش، بعد الحادي عشر من أيلول، سبتمبر: من لم يكن معنا، فهو ضدنا.

أمام هذا السخف، والانحطاط، وخلط الأوراق، يصاب المرء بالبله، لا يفكر، يتذكر فقط، ولقد تذكرت دعوىً كان يرددها رجل تقي على ابنه الشقي: اللهم ارحم عبدك الشقي، اقتله، أو اهده إلى سواء السبيل.

لكن الله لم يسمع دعاء الرجل التقي، فلم يهدِ ابنه الشقي، ولم يقتله، بل ظل على شقاه إلى أن مات.

محنة الدبلوماسيين العراقيين:

لا أعتقد أن هناك من تنطبق عليه لفظة دبلوماسي، معنىً ومبنىً في كل من عينتهم الحكومة العراقية الجليلة منذ أن تنسم، أو تسنم حزب البعث العتيد السلطة منذ سنة 63 وحتى الآن.

معظمهم جاؤوا بالوساطة! "عمك خالك" كما يقول المثل العراقي، فعلاقتهم بالأصول الدبلوماسية، كعلاقة عزة الدوري بالشعر، أعرف منهم من لم يكن يفك الخط، ومن لم ينهِ الثانوية، وأعرف سفيراً مزمناً لعقود لم ينهِ المتوسطة، ولعل القليل منهم من حصل على الشهادة الجامعية، ولما لم تكن الشهادة بمقياس بل التصرف والإنجاز، فقد حفلت أنباء معظم الدول بتصرفات أولئك الدبلوماسيين الرعناء، وما زال المطلعين من سكان الإمارات يتندرون بذكر، الدبلوماسي العراقي الذي صفع شرطياً في مطار دبي، فأثار ذلك كرامة الشرطي، ففك حزامه وأشبع الدبلوماسي ضرباً حتى أدماه، ولو شاء حظك التعس أن تراجع أي سفارة عراقية في العالم، فستشعر بالغربة، والضآلة وكأنك لا قيمة لك في معرض الأسياد، وستلعن الحظ الذي قادك إلى ذلك المبنى التعس.

ولذلك لا أشعر بالغرابة إن سمعت طرد دبلوماسي عراقي، وعذرتُ حكومة جمهورية مصر "العربية" الموقرة، على طردها الدبلوماسي العراقي، ولا أكتمكم أن ظني راح خطأً هذه المرة، فظلمت الدبلوماسي المسكين، فلم يكن سوء التصرف كما ظننت، وأحسب منشأ خطأي إلى أن مصر، لم تذكر الأسباب، جاء الخبر مبتوراً! كما اعتدنا أن نسمع في أخبار الإعلام العربي، المغلفة بالنفاق، الخبر كما جاء: أمرت السلطات المصرية القنصل العراقي في القاهرة، رياض جبير العاني، بمغادرة الأراضي المصرية خلال سبعة أيام، وكان أخلص أصدقاء العراق "الأردن" قد طرد خمسة دبلوماسيين معتمدين في عمان، قبل أيام، لكن الأردن أوضح الأمر، "لأسباب أمنية" وبالرغم من اقتضاب التوضيح، إلا أنه خير من السكوت.

وبالرغم من أن حكومة البحرين "الشقيقة" قدمت توضيحاً أكثر تفصيلاً، من "شقيقتيها" حينما أبعدت دبلوماسياً رفيعاً في السفارة، ناظم جواد علي، السكرتير الأول: لعلاقته بالمدعو عبد الأمير حسون، المتهم بتفجير منطقة الجفير، قرب مقر قيادة الأسطول الأمريكي الخامس، إلا أن ذلك لا يشفي أيضاً.

الدول العربية كلها، لا بعضها، غاطسة بالنفاق حتى أذنيها، ما لم تعلنه هذه الدول، أو ما لم تستطع أن تعلنه، هو أنها، كانت واقعة، منبطحة، مستسلمة، وستبقى كذلك حتى ما شاء الله، تحت ضغط أمريكي شديد، يطال ستين دولة في العالم، ويشمل 300 دبلوماسي من العاملين في السفارات العراقية، في كل أنحاء العالم، وكلهم سيطردون، عاجلاً، أو آجلاً، والقضية قضية وقت يقتضيه تدبير حجة معقولة، تعلن على الملأ، حجة تحفظ ماء الوجه، ولا تسقط ورقة العنب، فتكشف العورة.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف