الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العُرف النقديّ !

علي جواد عبادة

2019 / 9 / 28
الادب والفن


العُرف النقدي !

في روايته : " أحفاد الشمبازي " التي صدرت حديثاً : نهاية عام (2018) عن دار رؤيا
يشتغل الروائي حميد عبد الله الواقد على ولوج مناطق العتمة الثقافية ، وخرق حواجز التابو ، واستفزاز الوجود بالسؤال ، وتوظيف الخيال بغية تشويه صور الذاكرة الثقافية للعقل العربي ، ومسخ الفكر الماضوي عبر تشريحه واعادة هيكلته بشكل كاريكاتيري ، فما إن يمسك المتلقي خيوط السرد في مشهد ما ، ويبدأ يستحضر المنسي في ذاكرته ، فيجمع ويوحّد هذه الخيوط ، تشتغلُ الفنتازيا ، ويتحرك العبث والسخرية اللاذعة للتابو وما يقف على حمايته من سلطات .
بطل الرواية ( رباح ) الذي يوحي للوهلة الأولى بالانتصارات لكن اللعبة السردية التي اعتمدها الروائي تكشف عن مفارقة الاسم للمضمون .
فـ(رباح) هذا خسر كل شيء ، الأهل والأحبة ، طُرد من الجامعة ، ومن محل بيع الأحذية المستعملة ، سُرقت قبعته التي يظنها وعاء أفكاره ، قتل أباه بطريقة تنم عن عدوانية صارخة وثأر من أبيه لضميره المعذب ولشقائه في الحياة ، فقد تحايل على أبيه منذ الصفحات الأولى للرواية ولم يمهله العيش حتى على الورق وقتله ببشاعة لا يمكن تصويرها بكلمات هنا إلا بالعودة إلى كلمات الروائي نفسه ، ((لأن السرد الفنتازي شيء يتلاشى ويضمحلّ بعد الانتهاء منه ولا يمكن العودة إليه إلا بالرجوع على لغة النص الروائي نفسها)) على حد قول " البير سموريال " وهذا السلوك العدواني الذي ظهر به رباح اتجاه الأب يكشف عن عقدة نفسية تتمثل بتحطيم الأصول ، والسعي لتقويضها ؛ من أجل الهيمنة على الوجود ، فالأب هو الأصل لوجود رباح ، وقتله يمنح رباح هيمنة نفسية واستقرارا لوجوده القلق . وأحسب من خلال حركية الأحداث داخل الرواية : أن الأب هو المعادل الموضوعي للفكر الماضوي وللتراث بكل تأثيراته في الحاضر .
فلا يخشى رباح من مسخ أعظم المفاهيم الثقافية الراسخة في ذاكرة العقل العربي لاسيما الإسلامي منه فيقول في مشهد يشعل سيجارته من حريق الكتب البالية ذات الورق الذي يشبه مؤخرة البلبل كما وصفها : ( إن فقدان القدرة على التأقلم مع هذا العالم جعلني أُمنّي النفس بأنها ستمسك بالصور ذات يوم ، لا لتنفخ فيه ، بل " لترگع" الأجداث "زيييج" ) هنا يقوض رباح الذاكرة الإسلامية للبعث والنشور عبر عجائبية المشهد ، ويهزأ من المفاهيم المتعلقة باليوم الموعود ، وما يلفت النظر في هذه الرقعة الارجوانية المستلّة من الرواية هو توظيف مفردات عامية بذيئة جداً (لترگع ، زيج ) ، في حين اتسم السرد بالحفاظ على مستوى واحد من اللغة وهي اللغة المشتركة أو اللغة الوسطى ، وأحسب أن هذا التوظيف العامي -هنا - مقصود ؛ لأنه بصدد تقويض فكرة مقدسة مستلّة من كتاب مقدس أعجزَ فصحاءَ عصر نزوله من أن يأتوا بمثله فلابدّ له من أن يشاكس لغته التي هي مصدر إعجازه وتحديه .
فقد كسر حميد عبد الله الواقد في روايته عنفوان اليقين ، واستفز عتمة التاريخ بضياء السؤال ، فكان رباح - فتى الخسارات - يتحرك دونما نسق ثقافي ، يحمل عقلاً منفلتاً من التاريخ ومتعالياً عليه .
وإذا ما فتشنا في تقنيات الرواية فإننا ندخل بمتاهة سرديات ما بعد الحداثة التي تحرص على تقويض وردم المتعالي ، وتحطيم تتابعية الزمن ، ودحض المنطق الأرسطي لسيرورة الأحداث ( بداية وسط خاتمة ) ، لأن كل مشهد ووقفة يحمل زمنه الخاص ، الزمن المنفلت من التسوير ، والثاوي في العقل الفلسفي للبطل ، والرواية بمجملها جاءت متسلحة بمعول الخرق واثارة الاشكال وعدم الرضوخ لجواب بل هي تثوير للسؤال وحرث لأرض اليقين ، إضافة إلى توسيع الواقع ، وفك سلاسل المحددات المكبلة لانطلاقه ، وتوظيف ( الأنا ) ليس لمنح الرواية بعدا عاطفياً بل لتعرية الذات وفضح عيوبها .
وختاماً لابدّ من القول بأنني لا أعرف روائي بهذا الاسم ( حميد عبد الله الواقد ) ولا وجود لرواية تحمل اسم " احفاد الشمبازي " مثلما لا أعرف دار نشر بهذا الاسم ايضاً ، ولا وجود لناقد اسمه "البير سيموريال "ولكنّ العرف النقدي هو الذي حتّم عليّ ذلك . ولابدّ من القول : إن الاستسهال النقدي الطافح - لا أعتذر عن مفردة الطافح - في الثقافة العربية هو الذي دفعني لكتابة هذا الانشاء لِما تشكله هذه الانشاءات من خطورة ثقافية كبيرة ؛ لأنها ستطبع في كتاب يوماً ما ، تحت عنوان ((مقاربات ثقافية في السرد العربي((.
هذه المقاربات وتصفيق الجمهور الغفير لها أسطرتِ " النقاد " وجعلتهم يملؤون الكتب والصحف والمجلات بإنشاءات يظنون أنها ثقافة ووعياً ورؤية ألا من رقابة جادة تكفينا شرّ هذا النقد أو بالأحرى هذه البطالة الثقافية المقنعة ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا