الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بطالة الشباب في العراق ..القنبلة الموقوتة

عدنان فرحان الجوراني

2019 / 9 / 28
الادارة و الاقتصاد


تواجه الحكومة العراقية الحالية معركة من نوع جديد غير تلك المعركة التي سبق وخاضتها مع التنظيمات الإرهابية وأهمها تنظيم داعش، تلك المعركة هي مكافحة البطالة، وتعرف منظمة العمل الدولية العاطل عن العمل بأنه " كل من هو قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند مستوى الأجر السائد ولكن دون جدوى"، وتعد البطالة واحدة من أهم المشكلات التي تواجه الاقتصاد العراقي نتيجة عدم قدرته على توليد فرص العمل الملائمة للخريجين الذين يدخلون سوق العمل سنويا، الأمر الذي أدى الى ارتفاع معدلات البطالة بشكل مستمر وازدياد أعداد الخريجين العاطلين عن العمل ومعظمهم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة، وتشير البيانات التي أصدرتها وزارة التخطيط العراقية ممثلة بالجهاز المركزي للإحصاء إن نسبة البطالة بين الشباب للفئة العمرية بين 15 الى 29 سنة بلغت في عام 2018 ما نسبته 22.6% بارتفاع عن المعدل الوطني بلغ 74%"، وأوضحت البيانات ان البطالة لدى الذكور لهذه لفئة بلغت 18.1%، في حين بلغت البطالة لدى الاناث نسبة 56.3%.
وتشير البيانات الى أن نسبة معدلات مشاركة الشباب في القوى العاملة قد بلغت 36.1% وقد شكل الذكور الشباب نسبة 61.6% مقابل 8.8% للإناث الشابات.
وتتضارب هذه الأرقام مع الأرقام التي تعلنها المنظمات الدولية، فمثلا أعلن صندوق النقد الدولي في أيار 2018 ان معدل بطالة الشباب في العراق بلغت اكثر من 40% وهذه نسبة مخيفة جدا تعني أن أكثر من ثلث الشباب العراقي عاطل عن العمل.
وقد ذكرت تقارير صدرت عن استشارية رئاسة الوزراء أن الذين يدخلون سوق العمل من الشباب سنويا بلغ قرابة (500 ألف شخص)، يشكل خريجو الجامعات نسبة كبيرة منهم.
وبالتأكيد فان فرص العمل التي يوفرها القطاع العام لا يمكن أن تستوعب كل هؤلاء الخريجين من الجامعات، لذلك ارتفعت معدلات البطالة بشكل كبير في السنوات الأخيرة (2014- 2019) التي شهدت انخفاض الانفاق العام نتيجة لانخفاض أسعار النفط، وهو السلعة التي تشكل إيراداتها أكثر من (90%) من إيرادات الموازنة العراقية، فحدثت المشكلة المتعلقة ببطالة الخريجين داخل ظاهرة البطالة العامة وأنواعها، فبدأت القضية تتسع من إشكالية إلى ظاهرة فأزمة وصولا إلى إمكانية توصيفها بالكارثة التي تتطلب وضع خطة مكافحة عاجلة.
ان الارتفاع السنوي في أعداد العاطلين عن العمل دون وجود أية رؤية أو استراتيجية واضحة لدى الحكومة حول كيفية حل هذه المشكلة أو التخفيف منها يجعل من هؤلاء العاطلين قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت مسببة دمارا كبيرا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وقد بدأت بوادر ذلك في المظاهرات التي شهدتها العديد من المحافظات العراقية في الأشهر الأخيرة من عام 2018 والنسبة الأكبر من المتظاهرين كانت من الشباب العاطلين عن العمل. فضلا عن أن استمرار ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض قدرة الحكومة على توفير فرص العمل اللائق يعرض الكثير من الشباب لخطر الوقوع في دوامة العنف والمنظمات الإرهابية والعمل مع العصابات الاجرامية بمختلف أنواعها، اذ أشارت احدى الدراسات المتخصصة بهذا الجانب الى أن ارتفاع نسبة البطالة بمعدل (1 %) سيؤدي الى ارتفاع معدل جرائم القتل بنسبة (6.7 %) وجرائم العنف بنسبة (3.4 %) وجرائم الاعتداء على الممتلكات بنسبة (2.4 %)، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي كبير على البنية الاجتماعية للأسرة العراقية بشكل خاص والمجتمع العراقي بشكل عام.
ويوضح الاقتصادي أمارتيا سن في كتابه "التنمية كالحرية" أن البطالة هي شكل من أشكال الحرمان من القدرة ليس فقط من حيث أنها تعني خسارة في الدخل فقط (قد يمكن تعويضها من خلال برامج إعانات البطالة أو ما شابهها) ولكن من حيث تأثيرها على الأفراد بما تشكله من حرمان وأضرار نفسية وفقدان الحافز للعمل والمهارة والثقة بالنفس وازدياد الأمراض ( بل وحتى ارتفاع معدل الوفيات ( وإفساد العلاقات الأسرية والحياة الاجتماعية ، وخلق الاضطرابات والتوترات العرقية والتمييز بين الجنسين.
ان ما يعمق مشكلة البطالة في العراق هو عدم وجود ملاءمة بين مخرجات التعليم في العراق ومتطلبات سوق العمل، فضلا عن ان مشكلة الحكومة هي اعتمادها الدائم على القطاع العام في توفير فرص العمل اذ أن أربعة من كل خمسة فرص عمل تخلق في العراق يخلقها القطاع العام حسب بيانات البنك الدولي، رغم أن هذا القطاع منخفض الإنتاجية ويعاني البطالة المقنعة اذ بلغ عدد الموظفين نحو 4 ملايين ونصف المليون موظف وبحسب منظمة الامم المتحدة بان عمل الموظف العراقي لا يتجاوز الـ 17 دقيقة في دوائر الدولة ما يعني ان دوائر الدولة تعاني من بطالة مقنعة بنسبة اكثر من 66% .
ووفقا لآخر التقارير الدولية المرافقة للقروض الدولية التي استلمها العراق فان نسبة الإنتاجية للعامل في المؤسسة العامة يعمل مدة (10 دقائق إلى 15 دقيقة) في ثماني ساعات وهي مدة الإنتاج الرسمي، في حين يكون العامل أو الموظف في القطاع الخاص محققا لدورة إنتاجية تغطي كل ساعات العمل، وهذا التناظر يحدث فرقا هائلا ويتسبب بعدم توازن فرص العمل واختلال المرتبات الشهرية.
ان حل مشكلة البطالة في العراق يمكن في وضع استراتيجية حكومية طويلة الأجل تعمل على تطوير القطاع الخاص بشقيه المحلي والأجنبي (السماح بدخول الشركات الأجنبية مثل شركات التأمين وشركات الخدمات كالمحاسبة والتدقيق والبرمجيات وغيرها وهذه الشركات توفر آلاف فرص العمل للخريجين)، وتشريع منظومة قوانين تدعم العاملين في القطاع الخاص وتوفر لهم بيئة تمكينيه فيها ضمان اجتماعي وتقاعد ومحفزات سيساعد في امتصاص مضاعفات البطالة ويقلص من حدودها المتنامية إلى معدلات منخفضة. وهنا يجب وضع دراسات بالمشاركة مع القطاع الخاص تساعد في احداث تغيرات أساسية في مناهج وزارتي التربية والتعليم العالي من أجل خلق حالة من التوافق والانسجام بين سوق العمل وأعداد الخريجين بما يتضمنه من فتح كليات وأقسام وفروع علمية تواكب سوق العمل وغلق أخرى ليس لها أي انسجام مع سوق العمل.
فضلا عن تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم الدعم الحكومي اللازم لها من قروض وتسهيلات تجارية ونقدية وضريبية وغيرها، وتطوير القطاع الصناعي من خلال انشاء مدن صناعية في مختلف المحافظات العراقية وامدادها بالدعم المناسب في الفترات الأولى من قيامها من خلال تسهيل حصولها على القروض وبفوائد ميسرة واعفائها من الرسوم والضرائب لفترات زمنية معينة وغير ذلك من الأمور التي تنهض بالصناعة العراقية من جديد.
فضلا عن تطوير القطاع الزراعي الذي يملك معظم المؤهلات التي من الممكن أن تجعله قطاعا مهما في التنمية الاقتصادية وتخفيض معدلات البطالة نظرا لحاجته لأعداد كبيرة من العاملين، ويتم ذلك من خلال تشجيع انشاء المزارع الرأسمالية من قبل القطاع الخاص وحماية المنتج المحلي وإعادة الدعم اللازم لتطوير هذا القطاع.
أما القطاع السياحي فيملك فرص كبيرة للتطور في العراق اذا ما تم إعطائه الاهتمام اللازم، اذ أن العراق يمتلك مختلف أنواع السياحة الدينية والتأريخية والطبيعية الا أن البنية الأساسية لهذا القطاع مازالت دون المستوى المطلوب، فضلا عن الاهمال الكبير الذي يعانيه هذا القطاع منذ فترة طويلة.
في الختام فان الكاتب يدعو الحكومة العراقية الى التحرك قبل فوات الأوان وقبل انفجار القنبلة الموقوتة مادام في الوقت بقية قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف هي العلاقة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية؟


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة


.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24




.. الرئيس الفرنسي يحث الاتحاد الأوروبي على تعزيز آليات الدفاع و