الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة الإعلامية السورية – بين الوهم والواقع

سامر عبد الحميد

2006 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


مثل أية مهنة أخرى، فإنه على المشتغلين بالسياسة أن يحملوا دوما في أيديهم ميزانا يقيسون به مقدار الربح والخسارة في أية خطوة سياسة يقدمون عليها، أو يحاولون القيام بها!.
وإحدى بديهيات العمل السياسي أيضا، والتي يتعرف عليها السياسي بخبرته، هي ألا يقول المرء دائما، وفي مختلف الظروف، ما يعتقد به، وإنما أن يقول ما ينبغي أن يقال!.

موازين القوة هي التي تحدد ما ينبغي أن يقال، والواقع الملموس هو الذي يحدد الخطوة التالية، ومقاومة المخرز بالعين، هي غباء وحماقة سياسيين، وليست التزاماً بالمبادئ على الإطلاق.

وعلى هذه المقدمة نبني، أن على المعارضة السورية أن تعرف حجمها وحدودها جيدا قبل أن تتنطح لمهام هي أكبر بكثير مما يمكن لعودها الطري أن يتحمله.
النظام السوري القوي، هو الذي يحدد تخوم اللعبة السياسية، وعلى المعارضة، مجبرة، أن تجيد اللعب داخل هذه التخوم.

لا يمكن الحصول على مساحات أكبر من الحرية بفضل تضحيات المناضلين فقط، وانتحاراتهم.
وعندما تكون قوة الطرفين متكافئة، يمكن عندها للاعبين معا أن يحددا شروط اللعبة.

الموجة الأخيرة من الاعتقالات في سوريا ليست بسبب سفالة الأجهزة الأمنية فقط، وإنما بسبب تجاوز الكيلو والجاموس وغيرهما قواعد اللعبة التي فرضها اللاعب الأكبر..السلطة.
كان بامكانهم رفض الدعوة إلى ساحة الصراع، إن لم تعجبهم الشروط.لكن الوهم بأن لهم رب يحميهم، كسر ظهرهم...وظهرنا!!.

في مشهد لا يحتاج إلى تعليق، وبحضور أقل، من عشرة أشخاص بينهم بعض المصورين ومندوب عن قناة الجزيرة، أعلن منذ أيام، ما يسمى حزب العدالة والبناء(!)عن انطلاقة نشاطه المعارض من لندن، ضد النظام السوري.
وجهاء هذا الحزب، والذي هو بالمناسبة من سلالة الإخوان المسلمين، لم يجدوا غضاضة أو حرج في طرح شعاراتهم وقضاياهم ومهامهم الكبيرة جدا أمام هذا العدد الضئيل من الحضور المعارض.ولم يروا أن الموقف كان بالفعل كاريكاتوريا، مضحكا ومبكيا في آن معا!.
وهذا الموقف الكاريكاتوري الذي ظهر فيه الحزب الوليد، يجعلنا نضع أكثر من علامة استفهام حول قدرة المعارضة السورية عامة، بكافة تلاوينها وأطيافها، والمعارضة الخارجية خاصة، على الاستفادة من الانفتاح الإعلامي الهائل، الذي وفره التطور الحاصل في وسائل الإعلام والاتصالات...
ولعل أحد أهم منجزات العولمة، أنها أتاحت لمختلف القوى والفعاليات فرصا إعلامية حقيقية لإبراز نشاطها، والإدلاء بما يحلو لها من آراء، وما تعتنقه من أفكار.
غير أن هذا التطور السريع في وسائل الإعلام والاتصالات يمكن النظر إليه على أنه سلاح ذو حدين إن لم يتم استعماله من قبل البعض استعمالا حقيقيا وخلاقا.

وهذا ما يحصل تماما مع المعارضة السورية، التي تحاول جاهدة الإفلات من الحصار المضروب عليها من قبل الإعلام الرسمي السوري، فتلجأ إلى الإعلان عن نشاطاتها المتواضعة عبر وسائل إعلام أخرى كقناة الجزيرة مثلا.
ومن تابع سلسلة اللقاءات والنشاطات والندوات المعارضة التي بثتها بعض القنوات الفضائية في الفترة الأخيرة، لابد أنه شعر ببعض الحرج من ضآلة الحضور المعارض الذين طالما أكدنا بأنهم يتجاوزون عشرات الألوف ممن ينتشرون في طول أوروبا وعرض أمريكا‍.
فمن لقاءات باريس ومعهد اسبن الشهير، إلى مؤتمر الإعلان عن ولادة جبهة الخلاص بقيادة الخدام والبيانوني، مرورا باللقاء مع القيادي الكبير فاتح جاموس، وصولا إلى الإعلان عن بدء نشاط حزب العدالة والبناء(!)، إلى آخره من هذه اللقاءات والندوات التي تعقد بعيدا عن سلطة المخابرات السورية وبطشها، فإن أول ما يلحظه المشاهد هو تكرار نفس الوجوه الحاضرة، وسماع نفس الكلمات.والغياب الواضح لجمهور المعارضة!.
وهكذا وأمام القدرة المدهشة للمعارضة السورية على استخدام وسائل الإعلام المتاحة أمامها لفضح نفسها، وإظهار مدى ضآلة حجمها، فإنه لا يسع المتابعين والمهتمين بشؤون الساحة السورية إلا أن يضربوا كفا بكف، لما آل إليه حال المعارضة السورية من ضعف وتقزيم(ظاهريين)، لدرجة أن وصفها أحدهم بأن عدد أفراد هذه المعارضة مجتمعة لا تملأ نصف جناح في سجن صيدنايا الشهير، الذي كان ممتلئا عن بكرة أبيه في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حين كان البطش السلطوي على أشده، وحين لم تكن المعارضة السورية تملك أية إمكانية إعلامية لفضح نفسها كما يحصل اليوم!.
ونحن إذ نثمن، أي نشاط معارض لقوانين الطوارئ، وغياب الحريات، واحتكار السلطة.
ومع احترامنا العميق لنضالات العديد من الشخصيات الوطنية المعارضة وتاريخها كالمناضل فاتح جاموس، وعدم شكنا بصدق نواياها وتوجهاتها.
فإننا نرى بأن النشاط المعارض هذه الأيام، وعلى مختلف الجبهات خصوصا الإعلامية منها، لا يتناسب مع دقة وحساسية هذه الفترة التي يمر فيها النظام السوري، كما الوطن، بأكثر من مأزق، بل على العكس نرى بأن هذا النشاط العشوائي وغير المدروس يقدم خدمة جلى للنظام الذي طالما تشدق (بدون وجه حق)، بأن المعارضة الوطنية والديموقراطية لسلطته لا تتجاوز أصابع اليدين، وبأن الشعب بكافة أطيافه ملتف حول قيادته التاريخية.
ومنه فإنه يمكننا أن ندرك مدى قدرة النظام على إلحاق الأذى بفاتح جاموس مثلا، والذي قد يدفع ضريبة باهظة لا تتناسب أبدا مع المردود الحاصل من لقاءاته وجولاته الأوروبية، في حين كان يمكنه وبدون ثمن يذكر، أن يجمع حوله أضعاف هذا العدد ممن حضروا لقاءاته الأوروبية، في بلده وفي أية سهرة عادية لا تأخذ بالضرورة طابع العمل التنظيمي أو السياسي، وبدون أن يثير حفيظة السلطة.
ومنه أيضا، ومع ما تثيره هذه المعارضة على ضآلتها الإعلامية، من أوهام حول قرب سقوط النظام السوري، مدفوعة برغبتها وتعجلها للتخلص من ثقل واستبداد هذا النظام، فإننا نلاحظ اختلاطا واضحا للمهام المنوطة بالمعارضة في ظل الظروف الموضوعية الحالية، وعدم تحديد للتخوم بين مختلف أطياف المعارضة، والتي تظهر بنسيج مزركش متنافر الألوان.مما يجعل المواطن البسيط في حيرة من أمره، هل يؤيد معارضة خدام والبيانوني وحلفهما الطائفي، وغير الجدير بالثقة، أم ينتظر الخلاص من أمثال الغادري ورفعت الأسد...أم يتعاطف مع الوطنيين والديموقراطيين الحقيقيين أمثال الجاموس والكيلو وجماعة إعلان دمشق ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني الأهلية...
وحين يعلن البعض وبطريقة متعجلة جدا بأن مهمة المعارضة الراهنة هي إسقاط النظام السوري، فإنهم يضعون أنفسهم فورا في فوهة المدفع، كما يضعون الوسط السياسي الديموقراطي ككل، في مواجهة غير متكافئة بالمطلق مع السلطة المتحكمة بكافة مفاتيح القوة، مع ما يتطلبه ذلك من دفع أثمان باهظة من سجن ونفي وتشريد وملاحقة، وفي ظروف يعتبر فيها أن عقد اجتماع ناجح لمناقشة قضايا بسيطة تهم المواطن العادي إنجازا عظيما إن حضره عشرون شخصا..مثلا!!.
وهكذا فإننا مضطرون رغما عنا أن نستنتج بأن النشاط الإعلامي المعارض(من الإدلاء بتصريحات، إلى إصدار البيانات..الخ)، قد قام مؤخراً بدور بالغ الخطورة في الإساءة إلى المعارضة الحقيقية(الكامنة)، المغيبة قسريا عن وسائل الإعلام، نتيجة لعوامل شتى سنأتي على ذكرها في مقام آخر، أهمها دخول بعض المتطفلين والطارئين على العمل السياسي، وادعاء البعض الحق الإلهي بقيادة المعارضة، وبحث البعض الآخر عن النجومية والمصالح الشخصية الضيقة جدا...الخ.

في الخاتمة فإنه لا يسعنا سوى أن ننظر بمزيج من الإعجاب الشديد والحسد، إلى القدرة المدهشة للفنانة هيفاء وهبي على حشد الألوف المؤلفة من جماهير شعبنا الأبي لتحدثه عن مشاكله المصيرية وعلى رأسها....الواوا!!!!!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا