الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الناصر الحي الباقي في قلوب الشعوب

هويدا صالح

2019 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


لماذا يحتفظ جمال عبد الناصر بكل هذا الحب في داخل ملايين من المصريين والعرب رغم مرور كل هذه العقود على وفاته؟ لماذا يثير جمال عبد الناصر كل هذا الجدل كل عام حينما تمر ذكرى رحيله أو ذكرى قيام ثورة 23 يوليو 1952؟ لماذا نستعيد مشاهد جنازة جمال عبد الناصر التي عدها العالم أكبر جنازة في التاريخ؟ لماذا أقام ملايين العرب جنازات مصغرة في مدنهم الصغيرة وقراهم؟ لماذا نستعيد مقولاته الخالدة حينما نتعرض لهزات نفسية واجتماعية ونحن نواجه ظروفا سياسية وعالمية نشعر فيها بالقلق على هويتنا القومية العربية؟
لا يختلف اثنان، سواء من المؤيدين أو المعارضين لحكم عبد الناصر حول شخصيته التي غيرت في التاريخ السياسي والاجتماعي لمنطقتنا العربية، بل أثرت في مناطق كثيرة من العالم. وبعد مرور كل هذه العقود، والكشف عن وثائق تاريخية غربية تتعلق بفترة حكمه والصراع العربي الإسرائيلي حول هوية الدولة الفلسطينية يتأكد للكاره قبل المحب أنه كان رجلا وطنيا نزيها لم يشغله سوى الحفاظ على وحدة الدول العربية ومواجهة الحركة الصهيونية العالمية التي أرادت تهويد كل الأراضي الفلسطينية وليس القدس فقط.
لكن هل ما خلد جمال عبد الناصر هو الدور التاريخي والسياسي فقط؟ ما جعله يحيا بيننا كل هذه العقود هو الدور السياسي فقط؟
لقد أصبح عبد الناصر شخصية عالمية، لا يقل أهمية عن جيفارا وغاندي ومانديلا، فقد أطلق أسمه على شوارع وميادين في إفريقيا و أمريكا اللاتينية، وأدرج ضمن أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم في القرن العشرين، حيث ساعد كثير من الدول في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للتحرر من الاستعمار والمد الامبريالي الغربي. ورغم العداء الشديد له من الغرب الأمريكي والأوربي إلا أنهم لم ينشروا أي وثيقة تاريخية تدينه في نزاهته ووطنيته، ورغم ذلك لم يكن كل ما سبق هو ما خلد عبد الناصر في قلوب الشعوب العربية عامة والشعب المصري خاصة، فما الذي فعله جمال عبد الناصر جعله يحتل القلوب ويعيش حيا بيننا رغم رحيله بجسده منذ ما يقرب من خمسة عقود؟
أتصور أن العدالة الاجتماعية التي اجتهد جمال عبد الناصر في تحقيقها هي ما جعلته خالد في قلوب المصريين، وأقول اجتهد ولم أقل حققها لأن حتى العدالة الاجتماعية التي كانت منبنية على فكر سياسي يساري يؤمن بحقوق مشاركة الجميع في مقدرات الدولة عليها تحفظ من البعض، فهناك من يرى أن حقق العدالة الاجتماعية للمصريين بتوزيع الأراضي التي كان يعمل فيها المصريون خدما وعمالا لدى طبقة البشوات والرأسماليين من الأسرة العلوية والأتراك الذين نهبوا خيرات مصر، كذلك بإنشائه المشروعات القومية الكبرى مثل : صناعة الألمونيوم والحديد والصلب و النسيج والأسمنت وإنشاء السد العالي مما وفر للمصريين فرصا حقيقية للعمل والكد بعيدا عن الاستعباد الذي كان يمارس ضدهم من الطبقة الرأسمالية، كذلك إتاحة الفرص العادلة والمتساوية أمام أبناء المصريين للتعليم المجاني، كل ذلك يحسب له في فرض العدالة الاجتماعية التي أشعرت كثيرا من المصريين بآدميتهم وحقوقهم الإنسانية، حق العمل وحق التعليم وحق العلاج والحياة الصحية للجميع.
لكن هناك فريق من المصريين يرون أن ما نطلق عليه عدالة اجتماعية كان إهدارا لمقدرات مصر، وأنه بتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين قام بتفتيت الكتلة الزراعية، مما أدى إلى تدهور النظام الزراعي والصناعي والتجاري في مصر، فبعد جودة المنتج الزراعي المستخرج من الإقطاعيات التي تخضع لنظام ري واحد ومبيدات وأسمدة واحدة ودورات زراعية محددة وإنتاج ضخم يتم من خلاله مراحل تجارية وصناعية لاحقة، كل ذلك ـ بحسب هذا الرأي ـ أدى إلى تفتيت الرقعة الزراعية، مما أثر على حال الزراعة في مصر حتى اليوم.
كذلك يرى هؤلاء البعض أن نزع ملكية الأراضي من كبار الملاك ومنحها للمصريين الفقراء والمعدمين يعد اغتصابا للحقوق ومنحها لمن لا يستحق، فهجر مصر العديد من الرأسماليين، وأغلق العديد من الصحف و أمم المصانع والشركات المصرية والأجنبية، مما أثر على الاقتصاد المصري الذي كان فيه الجنيه المصري أعلى قيمة من الدولار!.
إن الفقراء والبسطاء كانوا يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع المصري، وقد اهتم ناصر في المقام الأول بهم، وكان همه الاجتماعي الأول أن يتيح لهم هم فرصا اقتصادية واجتماعية كبيرة تتمثل في التعليم المجاني والحصول على مراكز مرموقة ومتعددة في الدولة، والقضاء على أي تمييز بالوساطة والمحسوبية، وإتاحة الفرص العادلة أمام الجميع للالتحاق بالجامعات والكليات، سعيا لأن يتبوأ أبناء البسطاء والفقراء مراكز داخل القوات المسلحة والشرطة وأن يطمحوا إلى ن يصيروا أساتذة بالجامعات وأطباء ومهندسين وغيرها؛ مما فتح الباب أمامهم كي يرتقوا في المستويات الاجتماعية لا شرط أمامهم سوى الكفاءة والتميز.
إن الفرص التي أتاحها عبد الناصر لتلك الشرائح الاجتماعية الكبيرة من العمال والفلاحين جعلت الشعب لا يرى فيه زعيما سياسيا يأمر بسجن معارضيه السياسيين فقط، بل تراه زعيما اجتماعيا بسيطا محبا للناس يصافحهم في المناسبات الخاصة ويتصور معهم دون أن يحيطه الحرس والعسكر من كل ناحية. إن قلقه من أجل هؤلاء البسطاء يرويها التاريخ القريب حتى أنه كان يفزع من نومه لو أخبره حراسه بأن هناك مواطنا أو مجموعة مواطنين يعانون أو يتعرضون لظرف اجتماعي ما، وما يرويه أعداؤه من أن قوانين التي وضعها كذلك كان هناك اهتمام بشريحة الفلاحين والعمال، فقوانين الإصلاح الزراعي مكنت الفلاحين من تملك الأراضي الزراعية وتوفير دخل من قوت عملهم ومن ملكيتهم دون أن يكونوا أجراء عند أصحاب الملكيات الكبرى، أما العمال فنالوا فرص كبيرة من خلال المصانع التي تم بناءها وأصبحت النظرة للمظهر العام وزى العمال نظرة فخر.
يروى لنا التاريخ وكل المقربين منه أنه عاش حياة بسيطة. لم تختلف كثيرا عن حياة الطبقة المتوسطة ، فقد كان والده يتقاضى راتباً قدره 20 جنيهاً يكفي بصعوبة للإنفاق على أسرته، وهو ما جعل الرئيس الراحل يشعر بالفقراء وينحاز لهم في كل قراراته عقب توليه رئاسة مصر. وعقب توليه الرئاسة لم يعش حياة البذخ التي يعيشها رؤساء وحكام الجمهوريات، بل ظل بسيطاً يشتري قماش ألبسته من محافظة المحلة ويتوجه به إلى "ترزي" بالقاهرة لتفصيلها. كان يأكل طعام الطبقة المتوسطة في مصر: وجبة غداء من أرز وخضروات مثل الكوسا أو البامية، وكان يتناول اللحوم والأسماك. كما أنه استدان من بنك مصر ليزوج إحدى بناته.
وحسب وثائق رسمية معتمدة فقد ترك الرئيس مبلغ 3718 جنيهاً فقط وسيارة كان يملكها قبل الثورة وأثاث بسيط في البيت إضافة إلى بعض الأسهم التي كان يملكها أي موظف عادي في مصر.ربما لكل هذه الأسباب السابقة سيظل جمال عبد الناصر حيا في قلوب محبيه، وحيا أيضا في وعي وعقول كارهييه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل ذكري عبد الناصر وأنتم بكامل الصحة
أنو نور ( 2019 / 9 / 28 - 23:24 )
منذ عام مضي لم تكتبي سيدتي سوي هذا المقال دفاعاً عن عبد الناصر
وفي العام الماضي في نفس اليوم نشرتي مقالاً في نفس الاتجاه
ويبدو سيدتي انك لم تطلعين علي تعليقات القراء علي مقال العام الماضي ولا علي درجة تقييمهم لمحتواه من الفكر والرأي
وربما لم تهتمي بما قالوه ولا رديتي علي التعليقات للايضاح
!!!
الشيخ الشعراوي قبل وفاته اعترف بفضل عبد الناصر علي الاسلام . بما قدمه من مشاريع دينية كبري لخدمة الدين . وذهب الشعراوي لضريح عبد الناصر وقرأ الفاتحة علي روحه
يا لكما من وفاء .. أنتي سيدتي , وسيدكِ الشيخ الشعراوي
من ضمن انجازات عبد الناصر في خدمة الدين : عمل جامعة الأزهر , التي تخلط العلم بالدين , فتخرج أطباء ومهندسين وصيادلة دراويش , يخلطون النقيضين ببعضهما !! .. وفي كل عام جامعة الأزهر تهدي للعالم آلاف من الخريجين الدواعش وأنصاف وأرباع الدواعش
كل ذكري وكل عام وأنتي بالخير سيدتي الفاضلة . وفي العام القادم - ان بقيت من الأحياء - سأكون في انتظار مقالك السنوي في الدفاع عن عبد الناصر
ولن ألوم الحكام اياهم ..الذين لا يراجعوا سياساتهم ولا يتغيرون , أوليس هكذا يفعل مثقفون !؟
مع الشكر والتحية


2 - موسم العزاء المتجدد
فاضل نمر ( 2019 / 9 / 29 - 01:13 )
بصفتي ماركسي غير مصري فانني لا اجد ماركسيا مصريا يمكنه الانضمام الي كتلة اممية عمالية عالمية. فهل للكاتبة من شرح لهذه الظاهرة؟
ارسل لي عضو سابق من الحزب الشيوعي المصري رسالة قال فيها ان الاحزاب اليسارية كالناصريين وحزب التجمع في مصر في انتظار الريجيسير الحامل للاوردر (Order) لدعم وإنقاذ نظام السيسي وتبييض صفحته.
اما من ناحيتي فانا علي بينه ان تهور ورعونة واستخفاف عبد الناصر بالرأسمالية العالمية وعدم الجدية في مقاومتها وابادة جميع التنظيمات الشيوعية وقتل اعضائها خدمة لامريكا واسرائيل اضافة لضحاياه من الفلسطينيين الذين فقدوا ارضهم بسبب تهوره في عام الهزيمة وتوالي اعداد اللاجئين من الفلسطيينين هي الاعلي عالميا، هي السبب فيما وصلت اليه مصر حاليا من سوء الحال.
بدلا من البكاء علي الميت اليس من الافضل كتابة شئ عن الاحياء الفاسدين في السلطة كانوا ام في داخل المؤسسة العسكرية التي هي مؤسسة عبد الناصر نفسه
مع التحية


3 - انا مندهش
على سالم ( 2019 / 9 / 29 - 01:49 )
السيده الكاتبه , اين تعيشى ؟ فى المريخ ؟ ام اين ؟ موضوع المنكوب عبد الناصر تم تشريحه وتفنيده وتقييمه على مدى تقريبا سبعين عام اى منذ ثوره يوليو السوداء المشؤومه والى وقتنا الحالى البائس الدامى على يد اساتذه ومفكرين وفلاسفه ومثقفين واكاديميين شرحوا هذا الشخصيه السيكوباتيه المريضه الغبيه , هذا الرجل النحس المشؤوم كان السبب الاساسى فى خراب مصر وتخريب الحياه السياسيه والبرلمانيه والتعليميه والاقتصاديه , هذا الرجل كان ديكتاتور جاهل ودموى ومريض نفسيا ويعيش حاله من العظمه والبارانويا والاوهام بأنه امين القوميه العربيه بل وتوحيد العرب المرضى المتخلفين من المحيط الى الخليج ويكون هو الزعيم المفدى لهم ؟ من الواضح انكى تعيشى فى اوهام الناصريه الغابره و من المحيط الهادر الى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر ؟ ؟ انت دكتوره فى اى مجال ؟ دكتوره يعنى متعلمه ومفكره واكاديميه وتعرف ان تميز الجيد من الطالح , أأسف واقول لكى انك لاتتمتعى بهذه الصفات ابدا ,على فكره يوجد فى مصر البائسه ملايين على شاكلتك وافكارك وتوجهاتك , انها ظاهره العاطفه الزائده لدرجه المرض


4 - لا اجد من الكلمات ما تنصفك
حسنين قيراط ( 2019 / 9 / 29 - 07:45 )
سيدتي الفاضلة الاستاذة هويدا صالح
بعد السلام والتحية
لا يعرف قيمة ومعزة جمال عبد الناصر إلا من عاش في زمنه ...كان رحمه الله ورزقه رضاه والجنة بمثابة أب لكل المصريين بل لكل العرب ...احببناه حبا يعجز التعبير عن وصفه وعندما توفي كان حزننا علي فراقه لا يوصف ...كنا نعزي انفسنا ...كانت سرادقات العزاء في كل بيت وفي كل شارع وفي كل حارة ...لقد فقدنا الأب والسند ..ولا ابالغ لو قلت فقد العرب بموته العزة والكرامة
....رحمه الله واسكنه فسيح جناته


5 - شهادة : عشت في زمن عبد الناصر
أنو نور ( 2019 / 9 / 29 - 09:57 )
الي ت 4 : لم نكن نعرف سوي أن نقدس عبد الناصر ونهتف له . فليس أمامنا سوي إعلام عبد الناصر ... والصحفي الذي يخرج عن التصفيق لعبد الناصر كان جزاؤه قطع رزقه والسجن والمعتقل . درسوا لنا بالمدارس - المواطن الصالح لا يستمع لاذاعات أجنبية - لكي لا نعرف ولا قطرة من حقيقة ما يدور ببلادنا والمستقبل الأسود القادم بسياسة وتفكير وعقلية وديكتاتورية عبد الناصر . وأجهزة عبد الناصر كانت تقوم بالتشويش علي الاذاعات الأخري , لتحول دون معرفتنا لحقيقة ما يجري ببلادنا ولا بخارجها . لم يكن في عهده انترنت ووسائل التواصل الاجتماعي . التي عرفنا منها اليوم كل شيء لأننا نقرأ ونتدبر ونراجع ونفهم ونعرف
السيدة الكاتبة , كانت طفلة صغيرة عندما مات عبد الناصر
فما عذرك أنت أيها المخضرم الذي عاش عهد عبدالناصر وعصر الانترنت والحقائق المطروحة مجاناً لتكشف الخداع والزيف وتطيح بأصنام سياسية عبدناها , بفعل الجهل وغياب الاعلام الصادق ؟؟
لا أري لك أو لها عذراً في ظلال الانترنت
الراقصة .. تحية كاريوكا , كان لديها من الوعي السياسي المبكر فلخصت عبد الناصر : كان عندنا فاروق - ملك - واحد , بقوا فواريق
آسف وحزين وعاجز عن الشكر

اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م