الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة -الطبلة- العربية

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2019 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


كان أمراً يفوق قدرتي على الاحتمال أن يظهر أمامي في يومٍ واحد مقالان يمجدان في إثنين من حكامنا العرب الغير أعزاء..هذه هي الجرعات القاتلة التي يتحدث عنها الأطباء طوال الوقت و التي قد لا يحتملها قلبك فيتوقف فجأة عن العمل..لن أتحدث عن اللغة الركيكة التي كُتب بها كِلا المقالين..فأغلبنا -إن لم يكن جميعنا- يعاني كثيراً و هو يستخدم اللغة العربية الفصحى في كتابة مقالاته -أتحدث عن نفسي على الأقل- بالرغم من أنها اللغة الأم للكثير من الكتاب..و لكني سأتحدث عن الأفكار الركيكة التي كان يمتلئ بها كِلا المقالين.

فالمقال الأول كان يتحدث كاتبه بكل فخر عن مدى عظمة الحاكم الذي قرر افتتاح دار سينما لأول مرة في البلاد و عن الانفتاح الفكري الذي بدأت معالمه تظهر في تلك الدولة..في هذا المقال كانت الوحدة الرياضية لقياس مدى "العظمة" هو عدد دور السينما التي تم افتتاحها..لم يتحدث الكاتب عن وحدات قياس أخرى مثل عدد مُعتقليَّ الرأي في ظل حاكمه العزيز و لم يتطرق لعدد حالات الانتهاك الإنساني التي حدثت بجانب افتتاح دور السينما تلك..و لم يذكر و لو باختصارٍ شديد حالات ترهيب و تهديد المعارضة المدنية داخل البلاد و خارجها..ذلك الحاكم عظيم و رائع بسبب دارٍ للسينما و أنتم أيه المواطنون لا تعلمون قيمة الجوهرة التي تملكونها و كفى..هذه العبارة الأخيرة كانت باختصار هي مضمون الجرعة الأولى التي ضربت عقلي فقط لتضربني بعدها مباشرة الجرعة الثانية.

ففي المقال الثاني كانت الكاتبة تتباهى بأن الحاكم قد قام ببناء العديد من الجسور و تطبيق الحد الأدنى للأجور و لكنها تغاضت عن ذكر الحد الأعلى لغلاء المعيشة و الذي خسف بمواطنيَّ دولتها لما تحت خط الأرض و ليس الفقر..و بالطبع تجاهلت الحديث عن حقيقة أنه يكاد يكون أكثر حاكمٍ عربي بُنيت السجون في عهده..السجون التي أصبح السعي في رفع أعدادها و طاقتها الاستيعابية ضرورةً شديدة في عهده خاصة مع "استضافته" لكل و لأي شخص يُعارض استبداده في الحكم و لو كانت تلك المعارضة بورقةٍ بيضاء كُتب عليها كلمة واحدة فقط..لم تتحدث الكاتبة عن تبديد المال العام و لا عن سياسة الاحتكار التي أصبحت السمة العامة لنظام حكم حاكمها العظيم..الاحتكار الذي لو مارسه صاحب أكبر شركة تجارية في الولايات المتحدة -كما حدث مع شركة مايكروسوفت- لتم تغريمه بمبلغٍ خيالي و ربما سجنه لأنه ينتهك حق المُستهلكين في أن تتوفر أي سلعة بأسعارٍ تنافسية..فعن أي "عظمةٍ" هي الأخرى تتحدث إن كان ذلك الحاكم يمارس انتهاك القوانين و بالجملة!!.

التشدق بعظمة "س" و "ص" من الحكام العرب و إفراد المقالات لتمجيدهم بل و المشاركة في المظاهرات المرئية أو المكتوبة لتلميع صورة تلك الأنظمة البوليسية القذرة يكشف نوع الأزمة الحقيقة التي تُعاني منها تلك الفئة من "المُستثقفين" العرب..الأزمة التي تظهر في إيمانهم بأن الثقافة تُقاس بعدد الكتب التي تظهر في خلفية صورهم الشخصية و التي تتزين بها مقالاتهم التلميعية لهذا الحاكم أو لذلك النظام..الأزمة في حقيقة إنهم اقتنوا تلك الكتب لتصبح خلفيةً لصورهم و ليس لتُثري أرواحهم أو لتزيد من اتساع أُفق عقولهم..الأزمة في اعتقادهم بأن تحولهم لمجرد طبلٍ أجوف يُردد رأي الحاكم في نفسه هو الغاية الأهم و الأسمى و ليس التعبير عن المعاناة القاسية التي يتقاطع معها المواطن العربي بشكلٍ يومي..تلك المعاناة التي تتضمن مفاهيم بشعة كالاعتقال التعسفي و القمع السياسي و التعذيب و انعدام الحريات و ارتفاع معدلات الفقر و البطالة..تلك القضايا لا يمكن مقارنتها أبداً ببناء دارٍ للسينما أو عدة جسور..تلك القضايا الإنسانية غير قابلةٍ للمساومة و لا يمكن التغاضي عنها أو تهميش أهميتها في مقابل بعض "الفُتات" الذي أُلقاه هذا الحاكم أو ذك للمحظوظين الذين بقوا خارج حدود سجنه الكبير حتى حين..الحديث عن تلك القضايا و انتقاد الحاكم الذي جعلها واقعاً يومياً في حياة مواطنيه هي الاختبار الحقيقي لمدى ثقافة المرء -و من قبلها إنسانيته- و إلا سيكون حينها مجرد طبل أجوف آخر يُزين ديوان الخليفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج