الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحكم الذاتي .. مشروع حل قضية الصحراء الغربية أم مغامرة غير محسوبة ستؤدي لتفكيك الدولة المغربية؟
احمد خليل
2006 / 5 / 18اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يبدو أن مرض الاستعماريين والطغاة الذي أودى بهم الى نهاياتهم الغير محمودة كان على الدوام: العمى السياسي، مصحوبا بغباء تاريخي، وتمركز حول الذات غيب عنهم باستمرار حقائق الواقع الواضحة.
وعلى ما يبدو فإن حالة محمد السادس ظاهرة مرضية بكل معانيها الاكلينيكية حسب كل وصفات المؤرخين والساسة ورجال الفكر، والا فما هو السر الكامن من وراء اقدامه على اقامة الدنيا واقعادها من اجل مشروع ولد ميتا منذ 1974 وتم تقديم جثته المحنطة في جلباب ابيه سنة 1989 وبعدها سنة 1996 ثم 2003 كآخر تقديم للمشروع الجنازة؟
طبعا من حق الملك أن يحلم ككل الكائنات المحبطة أو المنتشية بعقد نقصها، لكن تصور أحلامه حقائقا، وتصديرها واقحام جزء من المغاربة "ونخبهم السياسية" في مغامرة تجسيد الوهم التوسعي، لن تكون نتائجه حتما الا كارثية على المغرب بوجه عام وعلى العرش على وجه الخصوص.
لم نختر هذا التقديم الذي قد ينعته بعضهم بالمجرح لذات الملك صدفة او امعانا في سوء الادب ولكن لقناعتنا ان هناك حالات مرض لا يشفي منها غير مبضع الجراح، وحالات وباء لا يتم القضاء عليها الا بالحمية والعزل الطبي بل والمحارق. والنموذج الذي من بين ايدينا من هذا الصنف، لماذا؟
مشروع الحكم الذاتي (المشروع القديم-الجديد)
من حيث المبدأ نؤكد على ان تداول هذا المفهوم ضمن ادبيات الصراع المغربي الصحراوي ومن كل اوجهه التاريخية والسياسية تداول مرفوض ونوع من الدفع الى المضاجعة السياسية والنفسية مع مفهوم ملفوظ. ولكن مشروعية التطرق اليه تكتسب من ضرورة تفكيك الدواعي الى طرحه والاهداف من ترويجه ونزع البرقع الاعلامي والقناع السياسي الذي يتخفى وراء مشروع محاولة وأد الوجود الصحراوي المستقل تحت اوساخ مفاهيمية تعشش في الذهنية التوسعية للمخزن ومن ربطوا مصائرهم بمصيره.
أ- الدافع السياسي:
كاد ان يصبح من مجال الهرطقة السياسية الكلام عن امكانية استمرار ملكية شمولية وحكم فردي مطلق في الحياة داخل المغرب وخارجه، فكيف إن اضاف الى تركيبته العتيقة حملا استعماريا اضافيا؟ فحينما قرر الحسن الثاني غزو الصحراء الغربية كان ذلك كما هو معروف من اجل ابعاد خطر الجيش عن قصره اولا بعد محاولتي انقلاب بداية السبعينات، واستدراج "المعارضة" الانتهازية الى حمل وزر سياسته اللاشعبية وعزل اليسار الديمقراطي، وبكل اختصار تشكيل اجماع مفبرك على خرافة جديدة بعد ان تآكلت خرافة "ثورة الملك والشعب" بعد مذابح الريف، وزيان، وسوس، و23 مارس في الدار البيضاء، و مقتل شيخ العرب ورفقائه وتصفية وسجن عشرات الالاف من المقاومين المغاربة الشرفاء في الفترة الفاصلة ما بين 1956 و1974 فتم اختراع اجماع مغشوش حول قضية مغلوطة لمؤدلجي النظام تم تسميتها "بالوحدة الترابية". اذن الرهان الداخلي والازمات العاصفة بكيان النظام، الذي عوض ان يرضخ للمطالب الشعبية ويختار الديمقراطية كنموذج واقتسام السلطة مع ممثلي السلطة الشعبية كسبيل، دفعه الى اختيار مغامرة الهروب الى الامام واقحام الشعب المغربي في حرب استعمارية.
ساعدت الملك السابق في الجرأة على جريمته معطيات الواقع الدولي آنذاك بحربها الباردة وتخندقات معسكراتها من جهة وشرذمة القوى الوطنية المغربية وغياب مؤطر فعلي لها بعد ان اختارت بعض قياداتها ركوب قاطرة التنصل من التزاماتها النضالية، وغرق البعض الاخر في الصراعات الداخلية على قاعدة تبني اطروحات ايديولوجية او دينية او عرقية من باب مسايرة الموضة اكثر منه من باب الاختيار الناضج الواعي.
كان هناك عامل اخر ساهم في تعزيز امكانية احتلال الساقية الحمراء ووادي الذهب لدى الحسن الثاني، وهو ما يمكن تسميته بالعامل اللاتاريخي والمتمثل في الرؤية التبخيسية للشعب الصحراوي كشعب قليل العدد، تقوده حركة سياسية في سن الفطام (سنتين واشهر فقط) ذو وحدات قتالية محدودة التسليح والعدد، ولم يخطرر ببال الملك ان الشعوب لا تقاس باعدادها والا كانت جزيرة بريطانيا المحدودة عاجزة عن استعمار الهند والصين او عجز الشعبان الفيتنامي والجزائري عن قهر اعتى الامبراطوريات التاريخية. دعم المشروع الاستعماري الملكي كذلك يقين الملك بامكانيه تواطئ اسبانيا الاستعمارية ضمن ظروف ومؤشرات التحولات التي تعرفها، وعن طريق الابتزاز الذي يسمح به الجوار ومعطيات اخرى انذاك.
لكن بعد ان اثبتت سنوات الحرب والمقاومة الصحراوية حجم الخسائر المغربية على كل الاصعدة، وانحسار السمعة والتاثير المغربي على الساحة الدولية مقابل التبني المتصاعد للقضية الصحراوية من طرف العديد من دول وشعوب ومنظمات العالم، ان تحقيق الوهم الامبراطوري على جثة الشعب الصحراوي مستحيل، بل ان لهيب المقاومة الصحراوية بدأ يهز اركان الدولة المغربية شرع الحسن الثاني ومن وراءه القوى الاستعمارية المتواطئة في البحث عن طرق تحقيق المبتغى الثابت في الاستراتيجية المغربية استمرار الاحتلال من خلال تكتيك الالتفاف على القضية.
وفي هذا الاطار وضمن ظروف استهلاك الاجماع السابق لمداه التاريخي والسياسي، واضطرار الحسن الثاني الى انفتاح شكلي لاستيعاب التذمر الشعبي الذي بدا منذ مظاهرات 84 لينتشر في انتفاضات الحسيمة والناظور وتطوان وفاس ومراكش المتواصلة. وفي وجه التحولات الدولية التي عصفت بالثنائية القطبية والحرب الباردة اختمر في المخيلة الاستعمارية لملك كان لا يزال يعيش على ثقافة "الامير" الميكيافيلية، مشروع "حكم ذاتي" سيلتف به على مشروع الاستقلال الوطني الذي تقوده الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، فما كان منه الا ان شرع في مفاوضات مباشرة كانت خاتمتها مفاوضات الرباط 1996 مع وفد قيادي من الجبهة الشعبية اكد له رفض الشعب الصحراوي لوهم الحكم الذاتي وتشبثه بالاستقلال الوطني، وهنا لابد من تأطير هذا الطرح المغربي ضمن ظرفيته التاريخية آنذاك للتأكيد على الحقيقة التي مفادها أن اي تكتيك في السياسة الاستعمارية انما تمليه استحالة تحقيق الهدف والعجز الاستعماري النهائي، أي فرض الامر الواقع.
فمنذ وقف اطلاق النار وبدأ معركة الاستفتاء، الذي لم يكن في نية المغرب احترامه او احترام نتائجه الا إذا كان سيفضي الى "استفتاء تأكيدي"، تأكد لدى ملك المغرب وعلى ضوء عملية تحديد الهوية ومنعرجاتها استحالة بلوغ هدفه باحترام الشرعية الدولية واللجوء الى استفتاء تقرير مصير. حينذاك وخلال ازمة التوقف حول تحديد الهوية لوح الحسن الثاني بمشروع "الحكم الذاتي"، لكن رفض الجبهة الشعبية وعجز القوى المتواطئة معه سواءا كحكومات او موظفي منظمات دولية عن كشف اوراقها وتهدئة الازمة داخل المغرب عن طريق بعض الاصلاحات الشكلية من حكومة ائتلاف وادراج لاوجه تاريخية ضمنها وفتح بعض مجالات الحوار مع القوى السياسية، والتلويح باصلاحات اكثر عمقا للتخفيف من الضغط الدولي وعدم حسم الامم المتحدة وضغطها على المغرب لاحترام التزاماته، اعطت نفس المماطلة للنظام المغربي واجلت اخراجه من جديد لورقة "الحكم الذاتي" في تصور خاطئ للادارة المغربية اعتمد على:
1- الدعم المطلق لفرنسا.
2- المراهنة على الاوضاع السيئة آنذاك في الجزائر.
3- المراهنة على امكانية تشكيل قوة صحراوية موالية للمغرب تتنازع تمثيلية الشعب الصحراوي مع الجبهة الشعبية (البوليساريو).
4- الاعتماد على تسويق وتلميع وجه النظام الجديد...الخ.
وباختصار شديد فان العوامل في اقدام المغرب بالامس كما اليوم على التلويح بهذه الورقة تظل هي:
1 عجز النظام المغربي عن ايجاد حلول لازماته الهيكلية في كل المستويات.
2 انعدام اي ارضية لمشروع اجماع عقلاني يخرج المغرب من ازماته، والبحث عن تشكيل اجماع جديد على قاعدة مشروع خرافي اخر مع الاستحضار الدائم والدراماتيكي "للخطر الخارجي" لتغذية النزعة الشوفينية لدى المغاربة.
3 العجز المطلق للنظام الاستعماري عن قهر المقاومة الصحراوية، وتضاعف هذا العجز والتخبط مع تصعيد المقاومة الشعبية بالارض المحتلة من الصحراء الغربية وجنوب المغرب، زد على ذلك انكشاف هشاشة المعالجات المخزنية في تسيير الشأن الاستعماري.
4 تضاعف الضغط الدولي ومطالبة المنتظم الدولي المغرب بايجاد مخرج للصراع الذي دام اكثر من 30 سنة ورهن استقرار المنطقة ومعه مصالح القوى الدولية فيها. مخرج مشروط باحترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وهو مااكدت عليه كل القرارات الدولية ومشروع بيكر، هذا اضافة الى السخرية التي تعرض لها مشروع الحكم الذاتي لسنة 2003 المقدمة من طرف المغرب لدرجة وصفه من طرف رسميين امريكيين "بالجبل الذي تمخض عن فأر" .
ب- الدافع الجيوستراتيجي:
لقد قدم المغرب نفسه باستمرار منذ الحرب العالمية الثانية على انه البلد ذو الموقع الاستراتيجي المتعدد الخدمات: في السلم كمعبر تجاري عبر مضيق جبل طارق، وكضلع جنوبي لاوروبا، وكبوابة نحو افريقيا، و في زمن الحرب كقواعد للناتو –طائرات وأساطيل ومواقع انزال- لكن هذا الامتياز تزعزع بفعل معطيات النظام الجديد، وفقد اهميته ولم يبق من ذلك غير الشاطئ الطويل (بالطبع بعد إضافة الشاطئ الصحراوي) فكيف ستصبح حاله اذا ما فقد العمق المحيطي الصحراوي؟ سيما وان المغرب، ومنذ البداية يطرح نفسه كند استراتيجي للجزائر، فهل يمتلك مقومات ذلك؟ بالطبع لا. اذن تشبث المغرب باستعمار الصحراء الغربية بشتى الطرق اللاشرعية، ومحاولته الاستمرار في هذا الاحتلال يدفعه اليوم للمغامرة السياسية مما سيؤدي إن عاجلا أو آجلا ليس فقط لفقدان مستعمرته الصحراوية، وهذا أمر حتمي، ولكن وهنا مكمن المغامرة، سيدفعه لفقدان العرش الملكي بل لتفكيك الدولة المغربية بسبب هذا التهور والصبيانية السياسية.
ج - الدافع الجيواقتصادي:
شكل فقر المغرب من الخامات عقدة مستديمة للنظام المغربي على مر التاريخ حاول تعويضها باستمرار من خلال التوسع (من لا يذكر الحملات السلطانية منذ القرن 13 حتى 18) نحو افريقيا السوداء وموريتانيا والصحراء الغربية.
والصحراء الغربية، كما هو معلوم حسب شواهد لا تقبل الشك، زاخرة بما يفتقر له المغرب من خامات (فوسفات حديد منغنيز غاز بترول) اضافة الى السمك والسياحة المستقبلية الواعدة، هذا بالطبع اذ ما اضفنا عامل النمو الديمغرافي في المغرب، والاخلالات التنموية وعدم توافق البنى الاقتصادية مع ما يتطلبه اقتصاد السوق التنافسي، وطغيان الاقتصاد الريفي والزبونية والعصبية التي تعيق تحرر الاقتصاد الوطني المغربي. اذن اذا ما استجمعنا هذه الدوافع اضافة الى اخرى لا يتسع ذكرها هنا، يمكن فقط ان نقف على عمق الازمة المغربية، ومدى الانحراف الخطير في مقاربة حلها من خلال التمادي في اللهث وراء حلم استمرار الاحتلال باعادة التلويح بشيئ، مبهم، تم اعطائه عنوان "مشروع الحكم الذاتي" عوض الحل الصحيح، الذي هو "تصفية الاستعمار" من الصحراء الغربية وفقا لارادة شعبها العربي الصحراوي، وتنمية الطاقات المغربية من خلال الديمقراطية وترقية حقوق الانسان وحرية السوق، واحترام الشرعية الدولية بما فيه صالح كافة شعوب المنطقة.
استقراء اشكالات مشروع الحكم الذاتي
اذا كانت هذه الدوافع لاقدام ملك المغرب على اعادة احياء مشروع الحكم الذاتي، والمختزلة في محاولة حل مشكل المملكة على حساب الشعب الصحراوي. فان هذا المشروع، وبغض النظر عن استحالة تحقيقه، فهو في حد ذاته يحمل بذرة تفكيك الدولة المغربية، ، كيف ذلك؟
يدخل المشروع المغرب في منطقة الزوابع من خلال الاشكالات التالية:
1 البعد الجغرافي
2 البعد الاثني
3 البعد التشريعي
4 البعد الاقتصادي
5 البعد الاداري
6 البعد الامني
1 البعد الجغرافي:
اذ ما تجاوزنا المحاولات التبريرية المدرجة في وريقات المجموعة التي اطلقت على نفسه، (دون احترام للارادة الصحراوية للاسف)، "مجموعة الصحراء المغرب المغربي"، والتي قدمت تقطيعا حاولت ايجاد مسوغات غير معقولة له، يطرح السؤال التالي نفسه بالحاح: اما ان الصحراء الغربية بحدودها الموروثة عن الاستعمارالاسباني جزء من المغرب كما تدعي الاطروحة المغربية، وبالتالي يسقط مطلب الحكم الذاتي لها في خانة المشاريع الغير عادلة لمنطقة على حساب المناطق الاخرى من المغرب، واما ان هذه المنطقة بلد مستعمر وبالتالي فمشروع الحكم الذاتي لا يتعدى ان يكون مشروعا استعماريا كباقي مشاريع الاحتلال.
اذ ما تجاوزنا مجازا هذه الاشكالية الجوهرية، فعلى اي قاعدة تم تحديد رقعة المنطقة التي يجب ان تخضع للحكم الذاتي؟ اهي الارض التي كانت تستعمرها اسبانيا؟ وهذا سيدرج طبعا منطقة جنوب وادي درعة، ولكن كذلك منطقة الشمال المغربي التي كانت تحتلها اسبانيا. واذا كان اللون الاستعماري لا يحقق هذا الشرط فهل هو الشكل المناخي، فهل لا يدرج ذلك منطقة ووزازات وزاكورة وامحاميد الغزلان وغيرها.
ان الاحزاب السياسية المغربية التي تبنت مشروع الحكم الذاتي ومن سار سيرها، في اطار المزايدة السياسية على النظام المخزني، لايعون انهم انما يجسدون انضمامهم للمجموعة الحاكمة التي وصفها الوزير المغربي السابق ادريس البصري بقصر النظر بدرجة ان الحل الذي ينادون به اليوم سيجعل المغرب يدخل في مسار انقلاب حقيقي لطبيعة الحكم في المغرب، وفي هذه الحالة لن تجدي التبريرات المقدمة من طرف اقطاب الفاعلين السياسيين سواء اليمينيين منهم كالعنصر والفاسي اواليساريين كعبد الله بن عمور ومن ساير سيرهم في تجنيب المغرب كارثة التفكك والتشرذم والتحول الى مركب غير متجانس من 5 او 6 امارات عشائرية بدون نفط. اما حزب العدالة والتنمية فقد تكون له مراميه الخاصة في تفكيك تنظيم الحكم واقامة خلافة زوايا دلائية كانت او غيرها.
اما من يحلم بان يدفع النظام القائم الى تقديم تنازلات جوهرية في مجال التحول من نظام فردي مطلق منبني على ثالوث العصبية/المخابرات/والاصولية بتقديم الشعب الصحراوي قربانا "لمطامحه الديمقراطية" فانما يكشف عن ذهنية حانوتية طفيلية سبق ان كانت العامل الاساسي في اجهاض كل ثورات وانتفاضات الشعب المغربي السابقة منذ الخمسينات.
ان البحث عن اغناء "مدونة الحكم الذاتي" الفقيرة واللامعقولة بامثلة بلدان اخرى كاسبانيا او المانيا، او بمنظومات حكم برلمانية كما في ابريطانيا، انما يغالط نفسه ويضلل شعبه ويتجنى على تاريخ الشعوب متناسيا دروس التاريخ.
فالملكية في اسبانيا لم تصل الى ما وصلت اليه (رغم عدم مثاليته) الا بعد حرب اهلية قاسية قدمت فيها الحركة الديمقراطية الاسبانية مئات الالاف من الضحايا، وبعد مايقارب 40 سنة من حكم الفاشية التي اتت نتائج خيانة بعض اطراف التحالف الجمهوري نفسه.
اما ما وصلت اليه المانيا فلا مجال لمقارنة الدولة التي اقامها بسمارك وعصفت بها حربان عالميتان، في حين ان ملكية ابريطانيا الديمقراطية التي يحاول البعض مغالطا اقحامها كمرجعية، متناسيا بكل بساطة ان قطع راس الملك شارل على يد كرمويل والبرلمانيين البريطانيين كانت المدخل والشرط الاول لبناء النظام البريطاني بشكله الحالي، فهل دعاة هذا التيار مستعدون لقطع راس محمد السادس لنفس هذا الغرض؟
2 البعد الاثني:
لا مجال هنا الى الكلام عن بعد اجتماعي، مادام العرق والقبيلة والعشيرة والسلالة هي المرجعية الاساسية للنظام المخزني القائم على جملة من التوازنات الاثنية فكيف سيتعامل "مشروع الحكم الذاتي" مع هذه المعطاة. هل سينبني مشروعه على الحيز الجغرافي لتنقل وترحال العشائر، واين سيقف هذا المدى للقبائل الصحراوية التي تتضمن قبائل تعيش في الساقية الحمراء ووادي الذهب واخرى في وادي درعة، وواد نون، وايت بعمران بل حتى قلعة السراغنة والرحامنة شمالا حتى عمق التراب الموريتاني؟ وباي حق يلغيها من حكمه الذاتي ما دام قد ادرجها منذ الخمسينات في مشروعه الامبراطوري العدواني ضد الجمهورية الديمقراطية الشعبية الجزائرية ليعيد هذا "التبني" خلال مشروعه الاستعماري للصحراء الغربية (الوثائق المقدمة لمحكمة العدل الدولية 1975)، وبعد ذلك معركة تحديد الهوية ليوثقها لدى الدوائر الاممية في محاولة تمطيط الجسم الانتخابي الصحراوي؟ وكيف يعالج القصر هذه الحقيقة؟ ام سيلجأ في مشروع "حكمه الذاتي" هذا الى عملية تقطيع واقتطاع للقبائل والعشائر والبطون ضمن منطقه العصبي؟ وهل ستستكين هذه الكيانات العصبية الى عملية خلق ومحو جدودها وانسابها وحدود معيشتها؟ ومن جهة اخرى، الن يشكل اي مشروع مبني على هذا الاساس الى اعادة هيكلة للبنية العصبية داخل التراب المغربي نفسه، واحياء للمطالب الاستقلالية لمكوناته الاثنية التي شكلت تحالفاتها وتناقضاتها خارطة تغيير السلالات في المغرب، والتي ليست سلالة مولاي اعلي الشريف، الحقيقية او المتوهمة، الحاكمة اليوم الا نتاجا لها؟ اليس ذلك اعلان عن نهاية الدولة المغربية على شكلها الحالي؟
3 البعد التشريعي:
عندما شرع محمد السادس وقبله الحسن الثاني، وبعض الفرقاء السياسيين الاخرين في المغرب يسوقون لمشروع "الحكم الذاتي"، كانوا ولا زالو يعتمدون على اخفاء الاشكال التشريعي لهذا المشروع لان في اثارته ابراز لمدى لاعقلانية هذا المشروع وعدم انسجامه وانعدام مصداقيته، وهو ما عبر عنه الامريكيون بصورة معبرة ابان التقديم الاول لهذا المشروع المرتبك سنة 2003 حينما قالوا حرفيا للمندوب المغربي، "سنسدي لكم خدمة، وذلك بان نعتبر بانكم لم تقدموا شيئا اصلا".
الاشكال التشريعي في حالة الاقدام على هذه المغامرة الاستعمارية، يطرح على مستويين: مستوى نظام الحكم بالمغرب، ومستوى مشروعه الاستعماري "الحكم الذاتي".
فعلى مستوى المغرب:
سيكون بلدا ذا نظامين تشريعيين: نظام تشريعي لا مركزي، في منطقة "الحكم الذاتي"، ونظام تشريعي مركزي في المناطق الاخرى.
الاكثر من ذلك، على اي مستوى ستسن هذه التشريعات المؤسسة لهذه النظم: البرلمان؟ الحكومة؟ الهيئات القضائية العليا؟ ام القصر؟ وفي اي القوانين؟ الدستور؟ قانون استثنائي؟.. وهل سيتطلب ذلك تغييرا على مستوى الدستور وما هي حدود هذا التغيير؟ وهل سيطال السلطان المطلق للملك؟ ام سيطال صلاحيات الحكومة الصورية المحددوة سلفا؟ وكيف سيتم التعامل مع برلمانيين، وممثلي برلمان اخر ضمن برلمان؟ وماهي التشريعات والقوانين التي ستحكم العلاقة بين الكيانين، واخيرا هل سيسمح النظام القائم بتغيرات جوهرية تفضي الى اقصاء الملك ومكونات حكمه وتحجيم سلطانه ؟ وهل هذا ان كان متصورا ممكن مع بقاء هياكل المخزن والقبضة الامنية وغياب الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان؟ ام يتصور الملك وصانعي السياسة المغربية ان المناطق المغربية التي تعاني من التضييق على طاقتها، ونهب خيراتها واستمتاع قلة من الحاكمين والاتهازيين بثرواتها ستفوت فرصة تمتع الصحراء الغربية بوضع خاص دون ان تطالب هي الاخرى باشكال معينة من الحكم الذاتي لها؟
اما على مستوى رقعة "الحكم الذاتي" التي سيقترحها النظام سيطرح اشكالا اضافيا وهو هل سيكون الامر على شكل "حكم محلي" او جماعات محلية، وبين الامرين فارق جوهري. فالى اي الحدود سيتسع مجال لا مركزية السلطات؟ هل سيذهب المشروع الى خيار البرلمانات الجهوية ام سيختار المجالس الجهوية؟ والاحزاب هل سيقر بوجود احزاب جهوية، ويتناقض بالتالي مع اسس دستوره الذي يمنع قيام احزاب على قاعدة الجهة او العرق او الدين. واذا اباحها للمنطقة "المسيرة ذاتيا" فباي حق يمنعها في باق المناطق؟ واذا لم يقر بوجود هذه الاحزاب فكيف سيكون مصير الحياة السياسية فيما اراد له "حكما ذاتيا"؟ وهل يمكن التفكير من حيث المبدأ في مثل هذا الوضع في غياب قوى واحزاب سياسية مستقلة في هذه الجهة؟
ومن سيمثل النظام المركزي، اهي الولايات؟ ام المجالس .... الخ ان الاشكال الرئيسي الذي ينزع عن هذا المشروع كل مصداقية، ويدخله في مجال المناورات التكتيكية الاستعمارية هو انه لايمكن اطلاقا جعله واقعيا بدون تقزيم سلطات الدولة المركزية وعلى الاخص سلطات الملك. ومن المفروغ منه ان اي تغيير تشريعي سينتج عنه شلال من التغيرات ومن تقويض البناء التشريعي الشامل للدولة المغربية الراهنة، ليضعها امام مستقبل مجهول تتربص به الحركات الاصولية، والتيارات المغامرة، والبنى العصبية العرقية المختلفة داخل المغرب بل وحتى بعض التيارات الوطنية التي لم تمنح نفسها فرصة حقيقية للتخلص من الرؤية المغامرة المحدودة للمخزن لتفكر بروية الوطنية وبحكمة العقلانية وبعد نظر حتمية المصير المشترك المبني على احترام ارادة الشعوب في الحرية، والديمقراطية والندية.
4 المعطاة الاقتصادية:
قليلا ما تمت اثارة المعطاة الاقتصادية في هذا المجال رغم انها تثير العديد من التساؤلات، وربما هي اكثر تعقيدا من الجانب التنظيمي الذي تمت الاشارة اليه. والسؤال الاول هنا هو، هل ستتمتع الجهة باستغلال كل ثرواتها ام هل ستقتسمها مع النظام المركزي؟
واذا كان الخيار هو الثاني فماهي المعاير التي ستعتمد في هذا الاقتسام؟ وماذا سيكون مصير تمويل المشاريع الكبرى وتسيير وتطوبر الموارد المائية؟ واذا ماتم اختيار استغلال الموارد من طرف الجهة، كما يؤشر اليه الخطاب الاستقطابي للنظام. فماذا يعني ذلك بالنسبة لبلد يعاني مسبقا من اخلالات جهوية قاتلة جعلت 80% من ساكنته تنتشر على 30% من ترابه لا تتجاوز المناطق الغربية وبعض السهول الوسطى؟ الا يعني ذلك في الخطاب السياسي ان تتحول هذه الساكنة نحو المستعمرة الغنية بمواردها؟ وما هو مصير التضامن بين المناطق والجهات، ام ان المغرب النافع سيتحول نحو الصحراء النافعة؟ وبهذا المنطق، الا يحق للغرب المغربي ان يسير مداخيله السمكية والتجارية؟ ومنطقة اخريبكة ووادزم لمداخليها الفوسفاتية؟ وفأس ومراكش لمداخيلها السياحية؟ ومناطق اخرى لمداخيلها الفلاحية؟ الن يجد المغرب نفسه آنذاك امام مركب متنافر من دويلات اقتصادية فقيرة متفاوتة و اخرى غنية مع ما يحتمله ذلك من صراعات ستشكل الوقود لحروب اهلية من اجل توسيع او تقليص الجهات على قاعدة الحصول على موارد اكثر وحيز اوسع، وهذا بحق ما بدأ يترجمه، عن وعي او عن غير وعي، خطاب اصحاب مشروع "الحكم الذاتي" والجهوية وتناقضاتها التي تروج بتخبط الى تقطيع ترابي ثماني او سداسي او رباعي للمغرب.
5 البعد القضائي والامني:
اذا كان مشروع الحكم الذاتي غير ممكن جغرافيا وغير مقبول اثنيا، وغير متجانس تنظيميا ومستحيل اقتصاديا ومرفوض سياسيا. فان بعده القضائي والامني يعمق هذه الخلاصات فاي شكل من اشكال القضاء سيتبنى؟ وما هي نوعية المحاكم ومستوياتها وفي اي القضايا سيخول لها الحكم؟ وحسب اي قانون؟ وباسم من ستصدر الاحكام؟ مع اننا نعرف ان القضاء المغربي بني على قاعدة قدسية واطلاقية الملكية وكونها مصدرا للقوانين التي تصدر باسم الملك. فهل يمكن ان يكون هناك "حكم ذاتي" بدون "قضاء ذاتي" وقوانين تنبع من هذه الحقيقة. واذا ما تم قبول ذلك، الن يكون ذلك بالتأكيد زلزالا يطيح بكل البناء القضائي والقانوني للمملكة المغربية؟ وبالتالي نصل مرة اخرى الى اهم خلاصة وهي ان شكل النظام في المغرب حتما سيزول عندها، والدولة المغربية المركزية ستزول وتتحول الى مجرد كيانات مجهرية متصارعة . وهو ما سيرجع هذا البلد الى زمن السلالات القبلية المتصارعة او استقطابات القوى الوصولية او الاجنبية.
خاتمة
إن المشروع المرتبك الذي يلوح به نظام الرباط هو مشروع لامعقول، ليس فقط بسبب تناقضه مع الشرعية الدولية، ولا بالنظر لرفض الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، جبهة البوليساريو، مجرد الخوض فيه، ولا بسبب رفض الشعب الصحراوي له جملة وتفصيلا كما عبرت عن ذلك وبوضوح كل المظاهرات، والوقفات، والاضرابات الصحراوية الرافضة للامر الواقع الاستعماري، والتي رفعت وبوضوح مشروعها البديل والمنسجم مع الشرعية الدولية، ومع اهداف ومطامح الشعب الصحراوي في تحقيق مشروعه الوطني عبر ممارسته وبشكل ديمقراطي لحقه في تقرير المصير.
مشروع الرباط غير معقول لانه لا يعدو ان يكون تكتيكا استعماريا ظرفيا يثبت وبوضوح قصر نظر سلطات الاحتلال المغربي، وفقدانها البعد التحليلي والنضج السياسي الذي كان من المفترض ان تتسلح به لانهاء وضع استعماري غير معقول، وتمكين الشعب المستعمر من حقه في الاستقلال وفقا لقرارات مجلس الامن وللشرعية الدولية من اجل صالح الشعب المغربي نفسه ومن اجل استقرار المنطقة الذي لن يكون الا فاتحة خير على الجميع.
الادهى من ذلك ان اصرار الرباط على المضي في هذا المشروع، سيضع المتتبعين لاطوار هذا الصراع امام التساؤل: ماذا يريد المغرب؟ حل مشكل الصحراء الغربية حقا، ام تدميرا ذاتيا غير محسوب وتفكيكا للمملكة المغربية والى الابد؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من
.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال
.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار
.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل
.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز