الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليو شتراوس وصحوة الفلسفة السياسية ب بقلم يوجين ف ملر

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2019 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


تحدثنا فى الجزء الاول عن الضربات القاسمة التى واجهتها الفلسفة بظهور الاديان واليوم نتحدث عن خطر جديد تواجهه الفلسفة السياسية كما يقول شتراوس ، وهو خطر ينبع من داخلها وهو ظهور تيارين ( نظريتين) هما الوضعية ، والتاريخية

وخطر اخر هو ان الغرب لم يعد يدرك على وجه اليقين ماهية اهدافه

والوضعية كما يعرفها شتراوس هى ذلك الاتجاه الذى يرى بان المعرفة الحقيقية تتحقق باستخدام مناهج العلوم الطبيعية وحدها وانصار الوضعية فى القرن العشرين تجاوزوا الرواد الاوائل من امثال هيوم وكانط الذين نادوا بضرورة دراسة المجتمع الامثل والنظام السياسى الفاصل

نقول تجاوزوا وقرروا بالاكتفاء بدراسة الوقائع والموقف الوصفى ليس موجها الى سائر الدراسات السياسية بل ينصرف ايضا الى سائر العلوم الانسانية

واذا انتقلنا الى الاتجاه الثانى وهو التاريخية وجدنا ان شتراوس ينظر اليها باعتبارها حركة معقدة شهدها الفكر الحديث وتمثلت اوضح ما تكون فى افكار هيجل ونيتشه وهيدجر ، وهنا شتراوس يميز بين نمطين داخل هذه الحركة

التاريخية التاملية وتتمثل فى اعمال هيجل وطبقا لها فان العلم مهمته تامل الحركة التاريخية التى هى فى جوهرها تطور عقلى بمعنى انه لايجب علينا ان نعنى بما يجب ان تكون عليه الدولة بل تقصر اهتمامنا على تبيان ما هو متحقق فعلا فى لحظة معينة

النمط الثانى من انماط التاريخية هو التاريخية الوجودية او التاريخية الراديكالية وفق وصف شتراوس ويعتبر نيتشه رائده الروحى وهايدجر ابرز المدافعين عنه فى القرن العشرين

هذا النمط يتفق مع هيجل فى ان الانسان لايمكن فهمه الا فى ضوء التاريخ ولكنه يختلف معه فى ان التاريخ ليس تطورا عقليا او تطورا صاعدا بالضرورة

النمطين التاريخية الراديكالية والوضعية يتفقان فى رفض امكان قيام الفلسفة السياسية

ورغم اتفاقهما الا ان التاريخية الراديكالية ترفض الوضعية مع ملاحظة انها ترفض الفلسفة الكلاسيكية ، وترى ان الوضعية قد جانبها الصواب حين تصورت ان العلم قادرا على اكتشاف معرفة موضوعية بالعالم الواقعى لان سائر مقومات ومبادىء الفهم مشروطة تاريخيا ، بحيث لايمكن قيام معرفة صحيحة الا فى حدود معينة ومن منظور معين

تلك هى ملامح ازمة العصر كما يراها شتراوس ، ومع هذا فان الفلسفة السياسية ما تزال ضرورة فى راى شتراوس وينبغى العمل على انتشالها من سقطتها وايقافها على قدميها

ان شتراوس لاينظر الى ضرورة الفلسفة السياسية باعتبارها شرط لاستمرار المجتمع فى الحياة فقط ، ولكنها ضرورة من اجل التمسك بغايات ومقاصد المجتمع المعاصر من خلال الحفاظ على اهم المفاهيم التى طرحتها الفلسفة السياسية الحديثة والمتمثلة فى مبادى الحقوق الطبيعية والديمقراطية الليبرالية

من خلال هذه المفاهيم انبعثت الامال فى امكانية قيام رابطة عالمية تجمع البشر تتكون من امم حرة ، مواطنين احرار متكافئين رجالا ونساء ، وكذلك فى امكانية تحقيق السلام العالمى، والرخاء الشامل لكل بنى البشر نتيجة الاستنارة ومعرفة الناس بحقوقهم الطبيعية

فضلا عن استثمار منجزت العلم والتكنولوجيا فى تحقيق المزيد من الرفاهية لبنى الانسان فى كل مكان

ويلاحظ شتراوس ان الشيوعية التى نظر اليها الكثيرين من الغربين فى بداية الامر على انها حركة موازية لليبرالية تستهدف نفس ما تستهدفه الليبرالية من اقامة مجتمع عالمى بسوده الرخاء والحرية والمساواة بين بنى البشر ، الا ان التجربة العملية اكدت ان الشيوعية هى انتصارا للقهر والطغيان والحكم الاستبدادى

فتقلص المطلب العاجل للغرب فى المحافظة على نمط بعينه من الديمقراطية الليبراية وليس اقامة مجتمع عالمى

ونتيجة لكل ذلك لم تعد الليبراية فى الغرب الا نمطا من الايدلوجيا يستحيل اثبات صدقها تماما

وكانت النتيجة العملية لكل ذلك ان الانسان الغربى اما ان ينجرف الى العدمية واللامبالاه او ينجرف الى الى نوع من التعصب الذى يحاول به ان يكبت شكوكه الداخلية التى انتابت ايمانه بما هو صواب وحق

الى هنا يرى شتراوس ان الديمقراطية الليبرالية وان لم تكن افضل النظم التى يمكن تصورها نظريا الا انها من الناحية العملية افضل النظم الممكنة

ومن ناحية اخرى فهى النظام الذى يلبى متطلبات الفلسفة الكلاسيكية اكثر من اى نظام اخر فى عالمنا المعاصر

ذلك انه فى الحقيقة تطبيق لذلك المبدأ الكلاسيكى القائل بان الالتزام بحكم القوانين الحصيفة التى يقوم عليها اناس اكفاء افضل من اى نظام مطلق

بالاضافة الى هذا فان الفلسفة السياسية لديها فرصة فى الوجود فى ظل الديمقراطية الليبرالية افضل مما لديها فى ظل اى نظام اخر قائم على الطغيان
التساؤلات الاساسية فى مجال الفلسفة ما تزال هى نفس التساؤلات سواء فى عصر سقراط او فى عصرنا هذا ، والواقع ان وجود مثل هذه التساؤلات الاساسية هى كل ما يحتاج اليه الامر لكى توجد الفلسفة السياسية بالمعنى السقراطى

وتبقى بعد ذلك ملاحظة اخيرة وهى ان شتراوس وان كان يرفض الاتجاهات التاريخية الا انه يؤمن باهمية دراسة التاريخ ، وتاريخ الفلسفة بوجه خاص بهدف تقييم الموقف الراهن للفلسفة فى ضوء تاريخها الطويل

واكتشاف ما هو عارض وما هو اساسى، ودراسات شتراوس التاريخية بهذا المعنى الذى يختلف عن الاتجاهات التاريخية هو محاولة منه للبرهنة على ان المرحلة التاريخية الراهنة وان كانت تشهد تقدما فى المجال العلمى الا انها فى الواقع تشهد تدهورا فى مجال الفلسفة

سببه الوضعية والتاريخية التى تحاول ايهامنا بان افكارهم نوع من التقدم باعتبار ان هذه الافكار واردة فى سياق من التقدم العالمى فى كافة المجالات العلمية

وهى مغالطة كبرى من جانبهم تصدى لها شتراوس بكل شدة بحيث يمكن القول بان دراساته نوع من الايقاظ للفلسفة السياسية وهو ايقاظ سوف تعقبه فى اعتقادنا صحوة لاشك فيها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات إسرائيلية ومؤشرات على تصعيد محتمل مع حزب الله | #غ


.. سائق بن غفير يتجاوز إشارة حمراء ما تسبب بحادث أدى إلى إصابة




.. قراءة عسكرية.. المنطقة الوسطى من قطاع غزة تتعرض لأحزمة نارية


.. السيارات الكهربائية تفجر حربا جديدة بين الصين والغرب




.. طلاب أميركيون للعربية: نحن هنا لدعم فلسطين وغزة