الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الكاتب و المفكر الاستاذ حامد عبد الصمد

هديل خزري

2019 / 10 / 4
مقابلات و حوارات


أستاذ حامد عبد الصمد من الفاعلين الثقافيين الذين يحبذون المزج بين أسلوب الجد و الهزل في نتاجهم الفكري سواء من خلال أعمالهم الأدبية أو المحاضرات التي يواظب على تقديمها في أماكن مختلفة من العالم، أتنبع هذه الطريقة المتفردة في إيصال المعلومة من حس الدعابة المتأصل في شخصية هذا المفكر أم من رغبة مبطنة في خلق علاقة صداقة مع متابعيه الذين يتفاعلٌون مع أطروحاته بالكثير من الاعجاب الممزوج بالدهشة؟
في الحقيقة أنا أكتب وأتحدث في برامجي بنفس الطريقة التي أفكر بيها وبنفس الأسلوب الذي أتحدث به إلى أصدقائي.. أنا أحب التفكير العقلاني وأحب المزاح والفكاهة، ولكني لا أعتبر ذلك هزلاً، وإنما سخرية.. والسخرية هي محاولة لرؤية العالم كما هو دون رتوش ولا مساحيق تجميل.. وأنا لا أحب أن أجرح مشاعر أحد بسبب هذه السخرية، هي فقط محاولة لرؤية الأشياء من زاوية أخرى ونزع القداسة عن النصوص والشخوص التي أتعاطى معها كي أراها ويراها من يسمعني في حجمها الحقيقي. التحليل العقلاني للمشاكل الموجودة في نصوص التراث قد لا يؤثر في عقلية الشخص المتدين حين يستمع لهذا النقد، لأنه حين يسمع الإنسان نقد لدينه لا تتحرك في مخه الأجزاء المعنية بالمنطق والتحليل وإنما الجزء العاطفي المعني بالدفاع عن هويته. أما حين يسمع الإنسان عبارات ساخرة عن دينه فتحدث عنده صدمة، قد تجعله يغضب ويسب في البداية لكنها تعييده فيما بعد للتفكير، لو كان ممن يجيدون التفكير. إذاً فهي ليست سخرية هزلية من أجل الضحك بقدر ماهي نوع من أنواع العلاج بالصدمات.

تنقلتم بحكم ظروف العمل و الدراسة بين سياقات إجتماعية و ثقافية متعددة فهل كان لهذا السفر و الترحال الدائم تداعيات على تطور الأطروحات التي يعالجها الكاتب في أعماله الأدبية أم أنه يرى في فكرة النضج المعرفي و العلمي الذي يجعل منه باثاً لا متقبلا و مؤثرا لا متأثرا؟
السفر والتنقل بين السياقات قد يثري تجربة الكتابة وتجربة الحياة بصفة عامة، ولكن بشرط أن يسافر الإنسان في رحلة موازية داخل نفسه ويحاول فك شفراتها وفهمها. فما فائدة أن تتغير الطبيعة والوجوه من حولك وأنت لا تتغيرين؟ كثيرون يسافرون ثم يعودون إلى حيث بدأوا دون أن يتعلموا شيئاً، بل يعود بعضهم أكثر جموداً وإحباطاً وتزمتاً. السفر والتجارب لا يصنعون كاتباً ولا يصنعون إنساناً، ولكن حين يكون الإنسان منفتحاً على البشر والثقافات التي يمر بها يتعلم الكثير منها ويضيف لتجاربه وقناعاته، ولكن بعض الكتاب يسافرون دون أن يتخلصوا من خوفهم من فقدان الهوية ولا من توقعاتهم وصورهم النمطية عن البلاد التي يزورونها، فلا يأخذون منها إلا ما يعرفون فقط أو ما يظنون أنهم يعرفون، مثل من يدهن جسمه بالزيت قبل أن ينزل البحر كي يعزل جسمه عن الماء. ولكن أن تسافر يعني أن تتعلم.. وأن تتعلم يعني أن تتغيّر.

بالرغم من جرأة الأفكار المطروحة برواية " وداعا أيتها السماء و ثراء التجربة الإنسانية المقدمة بها إلا أننا نلاحظ أيضاً تغييباً نسبياً للجانب العقلاني الرصين على حساب جرعات إضافية من كل ما هو روحاني و صوفي فهل نرجئ هذا الأمر إلى عفوية الكاتب التي يصبغها على كل ما يصوغه من أثر كان نثراً كان أو شعراً أو إلى تعرف الكاتب إلى الديانة البوذية التي سلحته بالكثير من الوئام و السلام الداخلي الموعود؟

أفضل الأعمال الأدبية لم يكتبها أصحابها بميزان المنطق والربط بين الأسباب والنتائج، ولكن حين تركوا أنفسهم لتيار الوعي يُخرج منهم ما لم يكونوا مدركين لوجوده.. أنا لم أقدم في رواية وداعاً أيتها السماء تحليلا للإسلام والبوذية وإنما تجربتي معهما ومع الحياة بصفة عامة. كتبت هذه الرواية وأنا طريح فراش المرض أثناء أكبر أزمة نفسية مررت بها في حياتي، فمن أين لي بالعقلانية والرصانة؟ العمل الأدبي بصفة عامة ليس كتاب في علوم الاجتماع والتاريخ وإنما لغة موازية وسرد موازي.. لغة تتمرد على المألوف وسرد يتحدى الواقع.

من أكثر الظوهر السوسيولوجية التي سعيتم إلى محاربتها بعض حالات انفصام الشخصية التي يواجهها المتدينون حيث لم تنجح فكرة الدين في كف أذى هؤلاء عن غيرهم بل أن هناك من يعتقد أنه يحق له أن يعامل غيره على ذلك النحو اللا إنساني ليكفر في أخر حياته عن ما مارسه من شرور من خلال طقوس عقائدية ستجرده من اخطائه دون أن يعتذر لمن ظلمهم ، ألا ترى أن الركود الذي يشهده الفضاء -الحضاري العربي حاليا لا يعود بالضرورة إلى تفشي هذه الممارسات و إ نما تتمثل جذوره في سلوك سلبي وطده الاعتماد على المنتوج الغربي بدءا من حاجياتنا البسيطة وصولاً إلى أكثر الامور تعقيداً من خدمات صحية و تكنولوجية بشكل أشعر المواطن العربي بالدونية المعرفية و هو ما أفضى إلى الاستنتاج أن أوطاننا في ضل الامكانيات الحالية عاجزة تماما عن الاتيان بانجازات علمية مماثلة ؟

المشكلة ليست الدونية المعرفية والتكنولوجية، فكثير من شعوب الأرض تعاني من هذه المشكلة.. ولكنهم يحاولون تقليد من هم أفضل منهم في أساليب التعليم والقوانين والحريات، لذلك يتقدمون بعض الشيء ويسدون الفجوة بينهم وبين الغرب تدريجياً.. حدث ذلك مع اليابان وكوريا وفيتنام وتايوان والكثير من دول أمريكا اللاتينية. لكن مشكلتنا بالأساس هي الازدواجية، أي أننا نشعر بالدونية الاقتصادية والمعرفية تجاه الغرب، لكننا نشعر بالتفوق الأخلاقي تجاهه لتعويض هذا النقص، فلا نتحرك.. نستهلك المنتوجات الغربية طول الوقت لكننا نرفض الروح التي أنتجتها: روح الحرية والتعددية وثقافة السؤال والشك والبحث، لا ثقافة اليقين الزائف والأجوبة الجاهزة المغلفة. ندور في حلقة مفرغة لأننا مازلنا نربط الحرية بالانحلال الأخلاقي، ونربط الأخلاق بالجنس، والتنوير بالإلحاد وضياع الهوية الدينية. نشعر أننا ندّاً للغرب ببعض الشعارات والقيم التي عفا عليها الزمن. لكن عدونا الحقيقي هي ذات القيم وطريقة التفكير التي نحتمي بها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو