الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنسى كمصرع طائر , ذكريات الطفولة والذاكرة المثقوبة

هاله ابوليل

2019 / 10 / 4
سيرة ذاتية


راعني امر خطير مساء البارحة , وهو كيف يتسنى للمرء نسيان حدث ما قد يعتبر حد فاصل أو لحظة تاريخية موثقة أو ذكريات لا تنسى
لأمر عشنا تجربته وفرحنا به , ثم ينسى .
في اجتماع عالمي لرفيقات الطفولة ,كنا نتحدث عن طفولتنا وتذكرنا رحلة البحر والقارب الضائع الذي كنا نريد ركوبه ,وفجأة قالت ابنة خالي -التي رافقتنا بالرحلة إنها لا تتذكر منها شيئا .
كانت ابنة خالي ذو شخصية متحفظة وقد كانت تحظى بطفولة قاسية في طل زوجة اب قاسية جدا وفي ظل ام مريضة لا تقوى على الدفاع عنهم ضد تغّول زوجة الأب الدائم .
وكنت اعتقد ان ذكرى رحلتنا الى البحر نحن الذين نعيش في منطقة يبعد البحر عنها مسيرة يوم لا يمكن لها ان ننسى , ولا يمكن ان تمحى من الذاكرة
تلك الرحلة التي عشناها بكل تفاصيلها الجميلة
فما الذي حدث فعليا في عقل تلك الفتاة لكي تنسى امر الرحلة التي لم تكن لتتوفر للأغلبية من سكان منطقتنا نظرا لسوء الأحوال المادية وعدم توفر الحافلة المناسبة و بعد المسافة وطول الرحلة .
لماذا لا تتذكر اي شيء يخص الرحلة الفريدة ,وكيف لم ترى ماكنا نراه من الخط الحجازي والسراب الذي كنا نلاحقه في قطار كلما اقتربنا منه اختفى !
كيف يا ربي , نسيّت امر السمكة التي اصطدناها , وكيف نسيت مراسم دفن سمكتنا الاليمة ودعواتنا ان يستقر جسدها في الارض بكل ثبات وايمان لا تزعزعه اعاصير أو زلازل كنا نسمع عنها و لا نراها .
كل هذه الذكريات , كيف مسحت من ذاكرة الطفلة التي كانت في سن الكمون
نلك السن التي لا تستقر فيها نوازع الطفولة الحمقاء ولا تبدو فيها مظاهر المراهقة بعد .
صحيح , تزوجت الفتاة في سن صغيرة جدا ,هربا من جور زوجة الاب الظالمة ومن قسوة اب لا يرحم ولا يحب ابناءه !
هل هناك من لا يحب اباه ,
وهل هناك اب يكره اولاده
ام أنها تصاريف الأقدار القاسية
اب يهربون عند مجيئه لئلا يراهم .
اب قتل فيهم اي عاطفة جميلة تسمى الأبوة
اب عاش غاضبا وجعلهم في حيرة من ثبات الكون ,جعلتم ينسون الاوقات الجميلة التي جلسنا فيها على رمال البحر الغربية لأول مرة في حياتنا ,نناظر تسابيح الموجات الصاخبة لرب العباد ,بينما كنا نتقاسم الضحك والماء والركض والتراشق في حركات طفولية جميلة .
يا الهي, كيف نسيّت منظر تلك الموجات وصراع البحر وصخب ضجيجه وهو يضربنا برفق على شاطئه الفارغ الا منا
نحن الصغيرات - اللواتي كنا فيها نرتدي المايوه لأول مرة
صغيرات لا نملك اي ملامح انثوية ,ولكننا تشبثنا بما يميزنا عن اخوة لنا شاركونا صخب البحر وتدفق موجاته.
ومع ذلك تقول انها نسيّت كل ذلك, يا للهول.
اي ذاكرة مخرومة اثقلت هذه الفتاة بها ,وأي ظلم وأي تعب !
وتذكرت ما قرأته عن فساد الذاكرة ,وكيف لها أن تطمس الكثير مما لا ينبغي لها ذلك ,
كان ذلك على لسان خبير علاقات اجتماعي من اليهود الذين كانوا يوثقون الهلوكوست شفويا بمقابلة الآلآف منهم وتسجيل اقوالهم عن المذبحة ,وكيف نجوا منها .
يقول:" بينما كنا في الطائرة عائدين من استراليا ,ولدي حصيلة ممتازة عن توثيقات قديمة لكبار السن عما تعرضوا له في زمن الحرب .
انبثق صوت كورال طلابي يترنمون بأغاني الكنيس و يرددون بشغف تلك الالحان بصوت مسموع و بمباركة من المسافرين التفت له اخاه قائلا :" هل تذكر عندما كنت تغني هذه التراتيل في جوقة الكنيسة في حارتنا ؟
:"انا كنت اغني في الجوقة التابعة للكنيسة ؟
بدت ملامح الذهول على وجه الأخ وبسخرية من يعتقد ان محدثه يسخر
:"لقد كنت عازف الفرقة. ما بك
وعندما رأى ملامح الاستغراب اكمل :"
كنا سويا ننفخ في الأبواق.
صعق الباحث الاجتماعي من اصرار اخيه على حادثة لا يتذكر منها شيئا .
فسأل أخاه مرة اخرى :"هل صحيح ما تدعيه .
قال الأخ وهو يكاد لا يصدق ما يسمعه :"هذا ليس ادعاء لقد كنا لسنوات في فرقة الكنيسة للغناء ,ولا اعلم كيف يمكن للمرء ان ينسى حدثا كذلك !
تعالت امواج وابواق فرقة الغناء في الطائرة وغطت على ما كان اخاه يقوله
بينما كان الباحث يراجع اعماله والأوراق التي جمعها من ضحايا الهولوكست وشرائط التسجيل متسائلا في قرار عقله -الذي كان الجميع يعترف انه كان لماحا وذكيا و راجحا .
هل يمكن و يعقل للمخ الانساني ان يشهد تجربة مثل تلك في حياته ,
تجربة ليست شيئا عاديا في حياته لكي تنسى , بل كيان من الذكريات المتجمعة وتساءل :" أي فجوة جعلته ينسى حدثا مثل هذا .
وعندما اسهب الاخ بتذكيره بأحداث تؤكد روايته وانهم كانوا في نفس الجوقة ومن العازفين والمغنين ,امتدت يده ممزقة تلك الشرائط التي سجلها لعجائز بلغوا الثمانين واخاه ينظر متعجبا
قائلا له :" هل يعقل و قد كنت مغنيا في القداس الاسبوعي
و عازفا على الة موسيقية في صغري وانا الآن في الأربعين ,وقد اختفت تلك اللحظات التي تذكرني بها من ذاكرتي بتاتا .
فهل يعقل ان هؤلاء العجائز في سن خرفة ان تتوقع ان يتذكروا احداث حدثت قبل ثمانين سنة من اعمارهم ,بدون شروخ الذاكرة التي حدثتنا عنها للتو
ان ذاكرة الانسان, لا يمكن ان يعوّل عليها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز