الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبح البانيا الكبرى -الداعشية- يخيم على البلقان

جورج حداد

2019 / 10 / 6
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*


بعد تفكيك الدولة الفيديرالية اليوغوسلافية الموحدة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، اتجهت السياسة العدوانية الاميركية نحو تفكيك وتدمير جمهورية صربيا ذاتها، النواة الاساسية ليوغوسلافيا السابقة، ولهذه الغاية تم اشعال الفتنة بين الالبان في مقاطعة كوسوفو الصربية بهدف فصلها عن صربيا، ثم تم جر حلف الناتو للقيام بحرب جوية شرسة ضد صربيا، التي استمر قصفها بوحشية اكثر من 70 يوما متواصلة بدءا من اذار 1999. وبنتيجة هذه الحرب الظالمة ضد الشعب الصربي تم فعليا فصل كوسوفو بالقوة عن صربيا. وفي حزيران 1999 صدر عن مجلس الامن الدولي القرار رقم 1244 الذي نص على سحب القوات اليوغوسلافية من اقليم كوسوفو ودخول "قوات سلام" اممية اليه، واعطاء الاقليم حكما ذاتيا واسعا تحت الاشراف الاممي، وفي الوقت ذاته الاعتراف بالاقليم بوصفه جزءا لا يتجزأ من صربيا. وبالرغم من هذا القرار "السلمي" و"المتوازن" فقد عمدت الولايات المتحدة فورا الى انشاء قاعدة "بوندستيل" العسكرية الاميركية في غربي كوسوفو، وهي قاعدة حديثة ضخمة جدا تتسع لالوف الجنود ومعدة للاستخدام كقاعدة جوية وبرية وصاروخية ـ نووية. ومن الواضح تماما انها بنيت ليس لاهداف امنية خاصة بصربيا وكوسوفو فقط، بل ولاهداف ستراتيجية عامة وواسعة. ويذكر ان القرار 1244 حاز على 14 صوتا من اصل 15 في مجلس الامن، وبالرغم من ان الغارات الناتوية كانت قد قصفت السفارة الصينية في بلغراد فإن الصين امتنعت عن استخدام حق الفيتو ضد القرار واكتفت بالامتناع عن التصويت. اما روسيا وبالرغم من تحفظاتها على القرار فقد ايدته على امل اجراء مفاوضات بين الطرفين المتقاتلين في كوسوفو برعاية سلمية اممية. وبالرغم من ذلك فقد تم اعلان استقلال كوسوفو في شباط 2008 بدعم من اميركا.
وتشير كل الدلائل ان عملية قصف صربيا وفصل مقاطعة كوسوفو وبناء القاعدة الاميركية فيها كانت جزءا من خطة ستراتيجية اميركية واسعة كانت تشمل منطقة البلقان وشرقي اوروبا ومنطقة "الشرق الاوسط الكبير" اي بما فيه افغانستان وتركيا وايران، وتهدف الى ضرب الثورة الاسلامية في ايران، واقامة الدولة الداعشية، وضرب المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان، واقامة دولة البانيا الكبرى، توصلا الى اقامة محور كبير اسرائيلي ـ داعشي ـ تركي ـ الباني كبير يضطلع بدور تطويق وخنق روسيا عسكريا واقتصاديا وسياسيا من جهة، والسيطرة على استخراج النفط والغاز من شرقي المتوسط لصالح الكارتيلات الاميركية، من جهة ثانية. ويكفي ان نذكر هنا ان قاعدة بوندستيل الاميركية في كوسوفو قد استخدمت لتدريب وتسليح مئات والوف الدواعش من الشيشان وداغستان واسيا الوسطى (الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة). وجرى تسريب الدواعش من كوسوفو الى تركيا، ومنها للانضمام الى "المعارضة السلمية" و"الدمقراطية" في سوريا والعراق للمشاركة في "الربيع العربي" المشؤوم.
ولا شك ان هذا المخطط العدواني الستراتيجي الاميركي قد تحطم بفضل صمود الجمهورية الاسلامية الثورية الايرانية ومحور المقاومة في المنطقة عموما، والذي تلقى دعما جويا حاسما من روسيا الفيديرالية، بناء على طلب الحكومة الشرعية في سوريا، الامر الذي اجبر تركيا على الشروع في مراجعة حساباتها الاقليمية، وحشر الوجود الاميركي في المنطقة في زاوية العجز والفشل والخذلان.
وبالرغم من كل ذلك فإن السياسة الاميركية تتابع بعناد خطة لعب الورقة الالبانية والعمل على انشاء "البانيا الكبرى" لمواجهة السياسة الروسية في منطقة البلقان وشرقي اوروبا، خصوصا بعد قرب انتهاء بناء خط انبوب الغاز الروسي الذي سيعبر الاراضي التركية ويسمى "السيل التركي"، والذي من المتوقع ان يبدأ العمل التجاري في اواخر سنة 2020 ويبدأ توزيع الغاز الروسي منه في جميع بلدان البلقان وشرقي اوروبا، وربما جرى مد فرع منه عبر اليونان الى جنوبي ايطاليا.
ولاجل التوصل الى انشاء "البانيا الكبرى" تتابع السياسة الاميركية الاعتماد على مخابراتها لتحريك الفتن والقلاقل لاجل هذا الغرض.
وضمن هذا السياق قامت الوحدات الخاصة الكوسوفية في 28 ايار 2019 بالتغلغل في المقاطعات الشمالية التابعة لكوسوفو والتي يقطنها الصربيون بكثافة، وهي تحمل قوائم بأسماء العديد من الصربيين المطلوب اعتقالهم بتهم مفبركة عن الفساد والمخالفات الجمركية. وقد ادى ذلك الى الاصطدام مع السكان المحليين واطلاق النار واصابة عدد كبير من الاشخاص. وفي بعض الاماكن رفع السكان المحليون المتاريس بوجه القوات المقتحمة. وكان بين المعتقلين اثنان من موظفي البعثة السلمية للامم المتحدة (UNMIK) احدهما روسي الجنسية. وحسب تصريح احد القادة الصربيين المحليين فإن الوحدات الخاصة الكوسوفية قامت باعتقالات واسعة للصربيين في المقاطعة.
وفي الوقت ذاته فإن وحدات الناتو الموجودة في المقاطعة بداعي حفظ الامن فإنها لم تحرك ساكنا بحجة ان "مسألة الفساد ليست من اختصاصها".
وقد حرك هذا الاستفزاز الواسع ضد الصربيين في كوسوفو، المياه الراكدة. ووضعت القوات الصربية في حالة الطوارئ. وارتفعت مختلف الاصوات، بعضها يتهم الرئيس الصربي فوتشيتش بالتساهل. وطرحت مسألة تعديل الحدود وتبادل الاراضي، حيث يتم ضم المقاطعات ذات الاغلبية الصربية شمالي كوسوفو، الى صربيا، مقابل ضم المقاطعات ذات الاغلبية الالبانية جنوبي صربيا الى كوسوفو. ولكن الرئيس الكوسوفي المافيوزي المعروف والذي كان ملاحقا من المحكمة الدولية بتهمة المتاجرة بالاعضاء البشرية المنتزعة من الاسرى الصربيين خلال الحرب في 1998 و 1999، والمدعوم بشدة اميركيا، فإنه صرح انه يصر على ضم المقاطعات الجنوبية الصربية الى كوسوفو بدون اعادة المقاطعات ذات الاغلبية الصربية في شمال كوسوفو الى صربيا. وترتفع اصوات "القوميين" المتشددين في كوسوفو بأن على الصربيين ان يرحلوا من كوسوفو.
ولاقت فكرة اعادة ترسيم الحدود معارضة شدبدة ليس فقط من المواطنين الصربيين بل كذلك من عدة دول في الاتحاد الاوروبي وخصوصا بريطانيا والمانيا، لان ذلك يخلق سابقة تساعد على زعزعة الاستقرار في اوروبا، إذ تستفيد منها بعض الدول التي لديها مشكلات حدودية مع جيرانها. اما فيما يتعلق بموقف الحليف الرئيسي لصربيا، اي روسيا، فهي تدعو الى حل المشكلات عن طريق التفاوض بين صربيا وكوسوفو بدون التعارض مع الاعراف والقوانين والاتفاقات الدولية ولا سيما قرار مجلس الامن الدولي 1244, والجدير ذكره ان صربيا لا تزال الى الان ترفض الاعتراف باستقلال كوسوفو، بدعم كامل من روسيا.
ويأتي تحريك الازمة بين صربيا وكوسوفو في سياق المشروع الاكبر والاخطر الذي تعمل عليه السياسة الاميركية ونعني به اعادة رسم خريطة البلقان وبناء "البانيا الكبرى".
ان الالبان يحكمون الان في البانيا وكوسوفو. وبدونهم لا يمكن تشكيل الحكومات في جمهوريتي "الجبل الاسود" (مونتي نيغرو) و"مقدونيا". وقد فتحت الحدود بين البانيا وكوسوفو ويمكن لالبان كوسوفو وجنوبي صربيا المجيء والعمل في البانيا بدون اي ترخيص. وهناك مجموعات مسلحة البانية في مقدونيا تقيم مراكزها في كوسوفو. واستنادا الى هذا الواقع فإن رئيس كوسوفو المافيوزي هاشم تاجي، لا يتورع عن انتقاد "ضعف" موقف الاتحاد الاوروبي من "المسألة الالبانية" ويدعو الى ان تلعب اميركا دورا اكبر في الشؤون البلقانية.
وترى غالبية المحللين الموضوعيين ان "البانيا الكبرى" لن تكون سوى دولة معادية لروسيا، وقاعدة "شرعية" للحركات التكفيرية والارهابية لداعش واخواتها، التي يمكن استخدامها ليس فقط ضد روسيا، بل وكسيف مسلط فوق جميع الدول الاوروبية ضمن المخططات الاميركية. ولكن روسيا اولا ، وشعوب منطقة البلقان ثانيا، لن تسمح بمرور هذا "المشروع الاميركي" الذي لن تكون حظوظ نجاحه اكبر من حظوظ نجاح "الدولة الداعشية" والمخططات الاميركية عموما في "الشرق الاوسط الكبير".
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس