الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشهد من رواية ظلال العائلة

محمود شقير

2019 / 10 / 7
الادب والفن


وصل رهوان؛ غادر سيّارته بعد أن أوقفها خلف سيّاراتنا.
كان متدثِّرًا بمعطف، وعلى رأسه طاقيَّة من صوف ممّا يناسب برد الأسابيع الأخيرة من فصل الخريف. جلس على حافّة السور الواطئ غير بعيد منّا. أخرج علبة السجاير ودخَّن سيجارة وهو لا يلتفت إلى أحد. بدا كأنّه ممثّل في فيلم سينمائيّ صامت.
احترمنا صمته، ولم نشأ أن نعكّر مزاجه بطرح الأسئلة عليه. ظلّ يدخِّن سيجارته ونحن نتبادل أطراف الحديث، ولربّما كان يسمعنا، بل من المؤكّد أنّه كان يسمعنا، لكنّه لم يشأ أن يشارك في الحديث، وكان ضجيج المدينة أعلى من المعتاد، أو هذا ما شعرت به في ذلك النهار.
دخَّن سيجارة ثانية ثمّ ثالثة، وكان بين الحين والآخر يُخرج هاتفه المحمول من جيب معطفه، يفتحه ويتابع كما يبدو حسابه على الفيسبوك، يضع الإعجابات سريعًا ثمّ يغلق الهاتف ويعود إلى التدخين. ومن خلفه، كان الجنود يراقبون حركة الناس في غدوّهم ورواحهم، ولم يكن المشهد مُريحًا بأيّ حال.
كدتُ أشركه في حديثنا عن عسف الجنود الذين قتلوا خلال الأشهر الأخيرة عددًا من الشابّات والشبّان عند باب العمود، على مسافة قريبة من موقعنا هذا الذي نشغله. بعض عمليّات القتل هذه تمَّت على مرآى من عيوننا، ولم نستطع فعل شيء.
وجدتُه مستغرقًا في حوار داخليّ، فلم أشأ أن أقطع حواره. ثمّ جاء دوره لنقل الركَّاب. وقفتِ امرأة قرب سيّارته وفتحت الباب، هبَّ مسرعًا نحو السيَّارة، فتح بابها وجلس خلف عجلة القيادة، ومضى نحو جهة ما.

***
عاد بعد ثلاث ساعات؛ وهو على غير الحالة التي كان عليها في الصباح.
أدركْنا أنّ لديه ما يقوله. كنّا ندير ظهورنا لسور المدينة، وقف في مواجهة السور لكي نرى ملامحه بوضوح وهو يتلفَّظ بالكلام؛ كان بريق عينيه ينمّ عن مفاجأة سارّة.
قال إنّ المرأة طلبت منه أن يوصلها إلى بيتها في الحيّ الشمالي الواقع على تخوم مستوطنة "قمَّة الذئب" القريبة من القدس.
قال:
-دار بيني وبينها حديث وأنا أنظر عبر المرآة إلى وجهها الذي يشي بأسى خفيف. سألتها إنْ كان لديها عمل تؤدِّيه. قالت إنّها تعمل في البيت.
ثمّ راح يخلط كلامًا في كلام، قال:
-كنت في الصباح متعكِّر المزاج لأنَّ امرأة صدَّتني حين أبديتُ إعجابي بجمالها ودعوتها إلى لقاء، هدَّدتني بأشقَّائها. اعتذرتُ منها ولم تقبل الاعتذار، إلا أنّها كما يبدو كتمت الأمر ولم تخبر أحدًا؛ ولم يخفِّف من نكدي سوى تلك المرأة التي جلست في الكرسي الخلفيّ، وقالت إنَّ اسمها فريال.
قال:
-أثارت فضولي؛ سألتها عن طبيعة حياتها هي وبقيّة سكّان الحيّ الصغير الواقع على تخوم المستوطنة.
قالت إنّهم لا يختلطون بالمستوطنين ولا يقيمون أيّ علاقة معهم، لكنّهم يرمون قمامتهم أمام بيوت الحي في بعض الأحيان.
قال:
-تعاطفتُ معها وأبديتُ استيائي ممّا يفعله المستوطنون؛ طلبتْ منّي أن آخذ الأمر ببساطة، وقالت إنّ بإمكاني الدخول معها لكي أشرب فنجان قهوة في البيت.
قال:
-أوقفتُ السيَّارة في ساحةٍ قريبة من بيتها؛ غير بعيد من المستوطنة. أخبرتني ونحن ندخل البيت بأنّها ستدعو صديقتها سميرة لتشرب معنا القهوة. هاتفتْها، وبعد نصف ساعة جاءت. كانت ترتدي تنُّورة قصيرة. جلستْ قبالتي ووضعت ساقًا على ساق. ظلَّت تبدِّل وضع ساقيها وأنا أذوب من الانفعال. نهضتْ ومدَّت يدها إليّ، وقادتني إلى غرفة نوم مُسدلة الستائر، وكانت فريال هي التي أغلقت علينا الباب.
قال موجِّهًا كلامه لي:
-لن أنساك من النعم التي تهبط عليّ يا بن العمّ.
كان دوري لنقل الركّاب قد حان. جاء راكب وراكبة، أخذتهما في سيّارتي ومضيت مبتعدًا. كانت المدينة تنوء بكمٍّ وافر من الحكايات، بعضها غثٌّ وبعضها الآخر ثمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع