الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحمة بالعراق ... رفقا بدماء العراقيين

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2019 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


مرة أخرى تراق دماء العراقيين الأبرياء من أبناء وسط وجنوب العراق دون ذنب إقترفوه , سوى مطالبتهم بأبسط حقوقهم المشروعة التي كفلتها لهم قوانين الأرض وشرائع السماء , مطالبتهم بتوفير فرص العمل اللائق لهم في بلادهم الزاخرة بالثروات الهائلة التي وهبها الله لهم, لتأمين العيش الكريم لهم ولعوائلهم , تراق دماؤهم من قبل حكام كان الفضل بالدرجة الأساس, لهؤلاء الفقراء بإيصالهم إلى سدة الحكم عبر صناديق الإقتراع بصرف النظر عن مدى دقتها ونزاهتها , بعد أن وعدوهم مرارا وتكرارا بحياة كريمة وبرفع الحيف الذي لحق بهم سنيين طويلة . يبدو أن قدر هؤلاء الناس البسطاء أن يكونوا دوما محرقة للحروب والصراعات , ففي الحرب العراقية الإيرانية التي إستمرت ثمان سنوات كانت نسبة ضحاياهم الأعلى في عموم مناطق العراق , وكذا الحال في حرب الخليج الثانية وما أعقبها من أحداث في وسط وجنوب العراق عام 1991, وفي غزو العراق وإحتلاله من قبل القوات الأمريكية ومن تحالف معها عام 2003 وما أعقبها من إستهداف طائفي من قبل الجماعات الإرهابية . كا أنها قدمت آلاف الضحايا تلبية لنداء المرجعية الدينية العليا لتحرير المحافظات الشمالية والغربية من دنس الجماعات التكفيرية . وبدلا من أن يتم إنصافهم فقد إستمروا يعانون من ضنك العيش والعوز والفقر وتردي الخدمات وفقدان الرعاية الصحية والإجتماعية بحدها الأدنى دون أي إكتراث.
فلا عجب أن تنطلق هذه المظاهرات الصاخبة في هذه المناطق حصرا, دون سواها من مناطق العراق بعد أن بلغ السيل الزبى ,نظرا لما قدمته من تضحيات هائلة دفاعا عن العراق أرضا ومياها وسماءا , دون أن تنصفهم الحكومات المتعاقبة التي يفترض أنها تمثلهم وتستمد شرعيتها من أصواتهم الإنتخابية , بينما هم اليوم يعيشون الأمرين من تردى أحوالهم المعيشية , ويشاهدون كيف تسرق أموال شعبهم جهارا نهارا دون رقيب أو حسيب , ويسمعون جعجعة محاربة الفساد والفاسدين ولم يروا طحينا حتى يومنا هذا.
وثمة ملاحظة جديرة بالإهتمام هي عدم مشاركة سكان محافظات إقليم كردستان وسكان المحافظات الشمالية والغربية وكأنها غير معنية بهذا الأمر, فكيف يفسر ذلك ؟ أفليست هي جزء من العراق معنية بهموم شعبه أم أن لسياسييها حساباتهم الخاصة . فقدر تعلق الأمر بإقليم كردستان يبدو أن لقادة الإقليم حساباتهم الخاصة حيث وجدوا في إضطراب معظم محافظات وسط وجنوب العراق إضعافا الحكومة المركزية وفقدانها لهيبتها , ويشل حركتها بالتعاطي مع طموحات حكومة الإقليم وتطلعاتها إلى الإنفصال عن العراق الذي بات يعاني من الإنقسام والتشرذم أكثر من أي وقت مضى , بدءا بالإحتراب الطائفي بين العراقيين العرب , ووصولا للصراع بين أبناء المكون الطائفي العربي الأكبر والحكومة التي يحتل من أوصلهم هذا المكون غالبية مقاعدها دون أن تقدم له أي إنجاز يذكر. وبذلك تكون الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لتحويل نتائج الإستفتاء الذي أجرته حكومة الإقليم في العام المنصرم والذي أجهضته الحكومة العراقية السابقة , إلى أمر واقع بإعلان دولة كردستان التي تتوقع سلطة الإقليم أن يلاقي قبولا دوليا . أما ما يتعلق بسياسي المحافظات الشمالية والغربية فربما رأوا بإضعاف خصومهم من المكون الآخر يصب في مصلحتهم ومنحهم مكاسب سياسية أفضل مما هم عليه الآن .
ولأن العراق بات اليوم ساحة مواجهات وصراعات إقليمية ودولية وتصفيات حسابات فيما بينها , فأنه لا يستبعد تدخلها بما يجري حاليا في العراق وتأجيج الصراعات والفتن بين أبناء الشعب الواحد , لاسيما أن لكل منها جماعات سياسية تدعمها داخل العراق بما يتوافق ومصالحها التي غالبا لا تمت بصلة لمصلحة العراق اطلاقا. فهناك من يتحدث عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتحرض بعض الجماعات لإضعاف الحكومة الحالية لعقدها إتفاقات إقتصادية كبيرة مع الصين خلافا لرغبة الولايات المتحدة , أو لرفضها مشروع صفقة القرن الذي تتبناه وترعاه لتصفية القضية الفلسطينية بدعم مالي وسياسي خليجي , أو للحد من مطالبة بعض الكتل السياسية بإخراج القوات الأمريكية من العراق بدعوى عدم قيامها بحماية العراق من هجمات الطائرات المسيرة, أو ربما إرضاءا للجارة إيران . وعلى الجانب الآخر هناك من يروج لتدخل إيراني لتأمين هيمنة الجماعات المسلحة الموالية لها على المرافق الهامة في العراق بهدف توجيهها نحو الأهداف الأمريكية داخل العراق وخارجه في حال إندلاع مواجهة ساخنة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية . ونحن نميل إلى الإعتقاد أن كل هذه الإحتمالات واردة وممكنة , إلاّ إننا نرى أن الأسباب الحقيقة لإندلاع هذه الإحتجاجات الصاخبة , إنما يكمن بالدرجة الأساس بضعف الأداء الحكومي وتفشي ظاهرة الفساد المتفشي في جميع مفاصل الدولة وعدم التصدي الحازم لإنتشال العراق من هذه الآفة الخطيرة , وتزايد أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل بما فيهم خريجي المعاهد والكليات والجامعات من حملة الشهادات العليا , وإنغلاق الأفق أمامهم حيث لا تبدو هناك بارقة أمل بالخلاص من هذا الوضع المزري في نهاية النفق. وكلها تؤدي في النهاية إلى ثورات وإنفعالات لا تعرف عواقبها. وأيا كانت الأسباب فإنه لا يجوز للقوات الأمنية المكلفة بحماية الوطن أفرادا وجماعات وممتلكات عامة وخاصة , التصدي للمظاهرات والإحتجاجات التي كفلها الدستور العراقي حقا من حقوق العراقيين بقوة السلاح . كما لا يجوز في الوقت نفسه للمتظاهرين الإعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة وعلى منتسبي القوات الأمنية المكلفين بحماية العباد والبلاد.ويمكن أن يعزى الإنفلات الأمني الذي رافق هذه التظاهرات إلى فقدان القيادة الموحدة للحراك الشعبي وتعدد الأطراف المشاركة ذات البرامج والأهداف المختلفة الذين يوصف بعضهم بالمندسين.
وإذا ما إستمرت هذه الأوضاع على ما هي عليه , فأنه ليس بعيدا أن يشهد العراق المزيد من التدهور كما حصل ويحصل الآن في بلدان عربية أخرى , بخلاف ما روجت له وسائل الإعلام المختلفة زورا وبهتانا "بالربيع العربي", بالقضاء على نظم بلدانهم السياسية التي كانت توفر لهم قدرا من الأمن والإستقرار, على الرغم من طغيان حكامهم وإستبدادهم ومصادرة حريات شعوبهم , ليجدوا بعدها بلدانهم في مهب الريح تصارع من أجل بقائها بلدانا موحدة آمنة ومستقرة , حيث تشهد اليوم كل من سورية وليبيا واليمن حروبا أهلية أشعلت فتيلها الجماعات الإرهابية المسلحة بدعم مباشر من الدول الإستعمارية ودول الخليج العربي , وما زالت فصولها مستمرة حتى وقتنا هذا حيث فتحت هذه الحروب شهية الدول الإستعمارية للعبث بأمنها وإستقرارها ومصادرة حرياتها والعبث بمواردها , كانت تونس الإستثناء الوحيد من بلدان الربيع العربي التي إستطاعت تحقيق قدرا من الديمقراطية على حساب فقدانها قدرا من أمنها وتباطؤ برامجها التنموية . ما كان لذلك أن يحدث لولا هيمنة أحزاب الأسلام السياسي وبعض الجماعات الإرهابية على مسارات الحراك الشعبي , وإفتقارشباب "الربيع" الخبرة السياسية الكافية للتصدي لمناورات الأحزاب السياسية. وإستبدلت مصر نظاما عسكريا مستبدا بنظام عسكري آخر مستبدا نتيجة "لربيعها العربي" .
ولكي يحقق هذا الحراك أهدافه بصورة معقولة لابد من إتخاذ الإجراءات الآتية :
1. أن تقوده قيادة وطنية شاملة لعموم الشعب العراقي بعربه وأكراده وتركمانه وسائر أقلياته الأثنية , وأديانه وطوائفه ومذاهبه ومعتقداته المختلفة , دون إقصاء أو تهميش أي منها.
2. إعتماد برنامج وطني واضح الأهداف والمعالم للإصلاح الوطني بعيدا عن المصالح الأثنية والدينية والطائفية الضيقة, يؤكد وحدة العراق أرضا وسماءا ومياها.
3. إقرار أن العراق وطن الجميع ومن حق شعبه التمتع بحياة حرة آمنة ومستقرة تضمن لجميع مواطنية الحرية والأمن والآمن والحياة الكريمة.
4.إقرار أن العمل واجب على كل مواطن تتكفل الدولة بتوفير فرصه لجميع طالبيه.
5. إجتثاث كل أشكال الفساد والفاسدين ومحاسبة كل من تسبب بالعبث بالمال العام بدءا بكبار المسؤلين ونزولا بصغار الموظفين .
6. تكليف فريق محاسبة معتمد دوليا لتدقيق الحسابات الختامية لجميع دوائر ومؤسسات الدولة منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا , ومحاسبة كل من تسبب بسرقة أو هدر المال العام , والعمل على إسترداد جميع الأموال المنهوبة.
7. إخلاء عقارات وممتلكات الدولية من قبل شاغليها الذين إغتصبوها في غياب سلطة القانون, وإبطال جميع عقود إستئجارها أو بيعها خلافا لقوانين بيع وإستئجار عقارات وممتلكات الدولة.
8.تكليف خبراء لإعادة صياغة الدستور الذي شرع في ظروف إستثنائية شاذة , لإرساء قواعد دولة مدنية حديثة , ملبية لحاجات المواطنين كافة حسب أحقيتهم , وضمان العيش الكريم وحرية الرأي والمعتقد دون إكراه.
9. تكليف خبراء لرسم ستراتيجية طويلة الأمد للتنمية الوطنية المستدامة الشاملة للقطاعات الصناعية والزراعية والتعليمية والخدمية لبناء إقتصاد مزدهر , تنبثق عنها خطط خمسية وبرامج تنفيذية سنوية , تتم مراجعتها بصورة منتظمة للتأكد من حسن سير تنفيذها وتصحيح أية إنحرافات قد تواجهها.
10. حصر السلاح بأيدي القوات المسلحة العراقية بصنوفها المختلفة .
11. إعادة صياغة قانون الأنتخابات العامة والمحلية على أساس الدوائر الإنتخابية المتعددة .
12. إبعاد العراق عن جميع محاور التكتلات الإقليمية والدولية .
13. إعتماد سياسة مصلحة العراق أولا وأخيرا في جميع التعاملات الدولية.
14. إعتماد سياسة الكف عن نبش الماضي وإثارة الأحقاد والكراهية بين الناس , ونشر التسامح والإنفتاح الإيجابي على جميع المواطنين.
أما ما أعلنته الحكومة الحالية من إجراءات لتلبية بعض مطالب المحتجين , بإفتراض حسن النية , فأنه لا يمثل حلا جذريا لما يعانيه العراقيون من مشاكل باتت وكأنها مشاكل مستعصية . ليس المطلوب إصدار أوامر ورقية بتعيين المواطنين , إنما المطلوب تنشيط عملية التنمية التي يمكن من خلالها إيجاد فرص عمل حقيقية مستدامة ذات قيمة إقتصادية مستدامة , ولا تكون عبئا على الإقتصاد الوطني . المطلوب إعتماد منظومة تعليم رصين وقادر على تلبية حاجات سوق العمل من المهن في التخصصات المختلفة . المطلوب إيقاف حالة التدهور الذي يشهده قطاع الزراعة والنهوض به لتحقيق الأمن الغذائي بدلا من الإعتماد على الإستيراد من الدول الأخرى , وكذلك النهوض بالقطاع الصناعي وتشغيل جميع معامل ومصانع العراق المتوقفة عن العمل منذ العام 2003 والتي بإمكانها توفير آلاف فرص العمل للمواطنين , وإعتماد سياسة حماية المنتج الوطني , وكذا الحال في القطاعات الأخرى التي أهملت سنيين طويلة.
ليس المطلوب إرضاء المواطن وإمتصاص غضبه وقتيا , بل المطلوب توفير العمل اللائق المنتج الذي يؤمن العيش الكريم له.
وبذلك سنجنب العراق من الإنزلاق في آتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر لا سامح الله , يحترق فيها الأخضر واليابس كما هو حاصل اليوم في سورية وليبيا واليمن وبلدان أخرى , والتي ستفتح الباب واسعا لتدخل الدول الأجنبية للتلاعب بشؤونه الداخلية ونهب ثرواته ومقدراته , وربما فقدانه لكيانه ووجوده إلى الأبد, ولن يكون فيها عراقي رابحا فيها على الإطلاق. حفظ الله العراق وشعبه الكريم من كل شر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة