الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
اخر معارك الفاشية العربية
سعد صلاح خالص
2003 / 4 / 6مواضيع وابحاث سياسية
الأربعاء 02 أبريل 2003 15:19
لم يسبق ان روى لنا التاريخ بأن الفاشية قد تخلت عن مواقعها سلما، و لم يسبق ان شهد التاريخ فاشية احترمت حق شعبها في الحياة، و لم يسبق لنظام فاشي ان غادر السلطة دون ان يترك بلاده ارضا يبابا.
كما يحدثنا التاريخ ايضا الى ان ان منتهى الفكر الفاشي هو الحرب، على شعبه اولا و عاشرا، و على محيطه ثانيا، و على العالم ثالثا.. و في كل تجاربه كانت النتيجة النهائية هزيمة ناجزة له، و دمارا لوطنه. و التاريخ لا يكذب و لا يتجمل.
و بالطبع، فان عالمناالعربي ليس باستثناء، وقد وفرت خصوصيته الدينية و القبلية و العشائرية بيئة استثنائية لنمو الفكر الفاشي الذي يبدأ كالعادة باستثمار مناخ الاحباط القومي ثم ينمو ليؤطر نفسه ايديولوجيا لينتهي حزبا واحدا احدا يدعي تمثيل الجميع و يذوب اخيرا في شخص الفرد القائد الملهم الذي انجبته الأمة ليخلصها من عذاباتها.
و قد وفرت البيئة العربية القبلية اساسا و المتدينة تاريخيا رصيدا اضافيا للقائد الفرد فاصبح سليل الرسل و معيد مجد الخلافة، بالاضافة الى كونه شيخ قبيلة الوطن الكبرى، الحنان المنان، حامل السيف باليمنى و كيس العطايا باليسرى. و كذا كان مولد حزب البعث، و تجربته الدامية التي نشهد اخر فصولها اليوم على ارض عراقنا الحبيب والتي يتطلع أغلب العراقيين الى ان تكون الاخيرة.
و لعله من الخطأ الادعاء بأن الدكتاتوربة و الحكم الفردي هما اللذان اوصلا العراق الى هاوية الدمار التي نشهدها اليوم بمعزل عن الاطار الايديولوجي و البيئي اللذان انجباهما بل و وفرا لهما سبل الاستمرار لعقود من الزمان. أن قرونا من ثقافة الاستبداد التي تلغي ذات الفرد و تذيبه في المحيط سواء اكان قبيلة ام حزبا قد خلقت شعوبا لا تزال في اعماقها تقسم المجتمع الى وال ورعية، شعوبا لا تطالب بالحرية لانها لم تدرك لها وجودا في ذاتها التاريخية، شعوبا لا تزال ترقص لجلاديها. و في هذا المناخ تستمد الفاشية قوتها ومقومات استمرارها و تستثمر ثقافة الشعار لقيادة مجتمعات تمثل البطولات الشعرية و المآثر المحكية جزءا اساسيا من بنائها الفكري.
و لا تختلف الفاشية العربية المتمثلة بالبعث عن شقيقاتها الاوروبيات في النصف الاول من القرن الماضي، فالشعب عندها لا وجود له الا بقدر كونه جيشا لتحقيق اهداف الأمة. اما رفاهية الانسان و حريته و حقوقه الاساسية فما هي الا بدع مستوردة، فالجميع مشروع شهادة دائمة تحت قيادة الراية المظفرة. و الأمة انتقاء الهي لخلاص العالم عبر الرسالة الخالدة التي لم يتمكن احد من فك طلاسمها بعد.
و في الحالة العراقية تميز التسلق الفاشي بخصوصية استدعت اولا القضاء على كل ما يمت للمجتمع المدني بصلة، و احلال قيم البداوة و العنف، متضمنة التهجير المدروس للنخب العراقية و محاولة خلق ثقافة جديدة متضمنة اعادة كتابة التاريخ بل و الجغرافيا، مرورا بتفكيك ما تبقى من النقابات و الجمعيات و وضعها تحت الاشراف المباشر لعناصر أمنية أو عائلية ناهيك عن اعادة خلق الاقتصاد المحلي باسلوب قبلي تم فيه استحداث عنصر "رأسمالية العشيرة" ليحل محل رأسمالية الدولة مع توزيع الفتات على حلقات المنتفعين و المصفقين و المرتزقة في البلدان الاخرى و المطالبون الآن بتسديد الدين المتراكم عبر العقود التي لم تنتهي فيها "المرحلة الاستثنائية التي تمر بها الأمة" أو "المنعطفات التاريخية الكبرى". كما لم تغفل انتاج اعلام جوهره التضليل و قشرته البذاءة، فتصبح الهزائم و الانكسارات امهات للمعارك ما دام القائد على العرش و قد سحق الخونة..
لقد كان التوغل الفاشي مدروسا، فمن ركوب التيار القومي العام الى التبرقع بالمد اليساري، ثم بعد سحقهما ارتداء عباءة الدين و "الحملات الايمانية" سيئة الصيت، بمرورا بتصفية الاتجاهات الايجابية ضمن هيكلها ذاتها، ثم السفور اخيرا عن وجهها الحقيقي ؛ ليمت الجميع لابقى.. و الجميع هنا رعاع لا اهمية لحياتهم ما دام الاب القائد حاضرا، و قد اورث ابناءه العبقرية اللازمة للاستمرار في حمل الراية إن قدر الإله رحيله.
و ليذهب نساء و اطفال الهنود و الفرس و الملاحدة الى المصير الذي يستحقون، و ليحشروا في سيارات مفخخة تنفجر في اعداء الأمة و يكفيهم هذا شرفا.
و ربما كان البعثيون ذاتهم الذين عاصروا نهوض النظام الحالي و فروا بحياتهم أقدر مني على تشخيص تفاصيل نهوض الفاشية البدوية التي اودت بحزبهم الى ما نراه حاليا..
ان النهاية الطبيعية لثقافة الوهم و الشعار، ثقافة العنف و الالغاء و اختزال الفرد و المجموع، ثقافة العنصرية الطائفية و الافضلية العرقية و الدينية، ثقافة الاستبداد و احتكار الحقيقة هي الحرب. الصدام مع الشعب أولا في عالم لم يعد بالامكان فيه حجز الشعوب في الاقفاص رغم اغلاق جميع المنافذ، و مع قوى اخرى تتغير مصالحها بشكل لا يدركه من يعتقد بانه امتلك الحقيقة كلها. و في كل حروب الفاشية، كانت هناك معركة اخيرة فاصلة، و كانت نتيجتها واحدة.
لقد قلت أولا بأن التاريخ لم يرو لنا انتصارا للفاشية في معركتها الاخيرة، و لم يرو لنا انها غادرت مواقعها دون ان تترك اوطانها خرابا، و اضيف بانها لم يكتب لها العودة الى مواقعها بعد هزيمتها ابدا.
[email protected]
خاص بأصداء
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. -هبّة ديموغرافية- للعراق.. لماذا كل هذا الجدل بشأن نتائج ال
.. هل مازال بإمكان سوريا التعويل على إيران وروسيا؟
.. أسبوع حاسم أمام الحكومة الفرنسية يبدأ بالتصويت على مشروع قان
.. هل تعرضت إيران لخدعة من روسيا في سوريا؟ | #التاسعة
.. المعارضة السورية المسلحة تعلن سيطرتها على مدينة تل رفعت الخا