الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البكاء في المرافق

سعاد لومي

2006 / 5 / 19
كتابات ساخرة


عندما تفكر المراة بالكتابة تنتابها هواجس غريبة . صعبة. مروعة. ربما تبكي وهي تكتب. ربما تنوح مثلي.
فكرت أن اسأل احداهن عما ينتابني. ترى لو قيض لي أن أسأل عضو برلمان نسائي مثلا من اللاتي لا يعرفن غير وفع أصبع الموافقة.. (امهات موافج) مثل (أبهات موافج) هل يمكن ان يجبني احد؟ لا أظن هذه بضاعة بائرة للأسئلة وربما افكر بشخص اكثر أهمية من جماعة (الأشكال أرناك)..
وعندما تفكر المرأة بالكتابة تفكر مباشرة بالبكاء:
جاءت احداهن وهمست في اذني: ست.. قتلوا .. الصدر.. قتلوا .. اخته، بنت الهدى، صاحبة رواية الخالة الضائعة ، تدرين لو ما تدرين؟
وكانت التفاصيل تصعب على العقل.. كنت أحسب نفسي يسارية .. وما زلت.. لأن اليسار هو الوقوف إلى جانب المظلومين دائما. طفرت دمعة حارة من عيني.. ولم أستطع التماسك وقتئذ.. ركضت إلى المرافق.. وهناك أجهشت بالبكاء طويلا.. وتذكرت جميع صديقاتي اليساريات اللائي قضين في زنازين الامن والمخابرات..
لست ادري ماذا يفعل الرجل الكاتب..؟ هل يصرخ مثلي؟ هل يبكي؟ من اجل طفلة قتلتها شظية غادرة من مفخخة (جهادية)؟
لم أفكر يوما ان اكتب للناس.. لكنه الوطن الذي سلب منا، والريح السوداء التي تطاردنا يوميا. الريح العنيدة التي تجتاح شارع الرشيد حتى طوب أبو خزامة. كن البغداديات ياخذن أطفالهن للتبرك به. الطوب دائما هو الفيصل، هو التعويذة، وكنت أسخر من ذلك طبعا. لكني اليوم ساذهب إلى طوب أبو خزامة وأطلب منه بحرقة ان يحمي العراقيين والعراقيات، بعد ان يئست من الجميع.. فالريح عاتية هائجة. ولا احد يمكنه وقف الريح المتوحشة.
كانت الريح قديمة؛ ربما منذ أن كنا نخبز أقراص نشارة الخشب، لكل واحد قرصة فقط. خرج المدعو عزة الدوري الصوفي جدا، وقال: المطر هذا العام قليل، ولذلك عليكم التقوت بنصف الكمية.. وخرج صدام بعد ذلك على شاشة التلفزيون يعطي توجيهاته لنساء العراق في عدم شراء الفائض من الملابس في الاسواق.. انا لم اكن أملك غير دشداشة واحدة وصدرية كالحة وكنت أذهب إلى طالباتي بنعل لاستيك، وعندما حنّت عليّ أحدى زميلاتي وجاءت لي بشحاطة مستعملة قبلتها عاى مضض لأن شكل النعل أصبح كارثة..
- شيبك البارحة سعاد؟
- شبيه؟!
- يقولون كنت تبكين بالمرافق؟
- عليّ العادة !
- عادتك قوية؟
- كلش.
- عبالنه أكو شي.
- يمعودة .. مصايب الدنيا!
- تذكرت المرحوم؟
- إي إي!
- عبالنا..
اصبح النواح بالنسبة لي طقسا يوميا منذ ان جيء بالحبيب ملفوفا بالعلم. ثم تطور ليكون جزءا من جسدي الذاوي في السنين الاخيرة. أنوح وانا أذهب إلى (القرايات الحسينية) وسط الصراخ والعويل ورائحة الصنان..
احببت الحسين لأنه كان جزءا من حياتي. كنت أذهب إلى أكثر من مجلس في اليوم. وعاشوراء بالنسبة لي محطة عرس وطني.. يهبط وزني في الايام الأول من محرم ويصل إلى 55 كيلوغراما فقط. أشعر بتعب كبير في هذه الأيام.. احيانا ابكي في الطريق.. يروني الناس.. أبكي لا يسألني احد لم تفعلين ذلك إنهم مثلي..
وتسألني:
- شبيج عيني سعاده؟
- شكو؟
- كافي بجي مو راحت عيونج.
- ياعيون.. هم احنه خلقنه الله وعدنه عيون؟
- تسمي بالرحمن.. قسمة ..
- هاي بس أحنه؟
- بس احنه.
- ليش؟؟
هذه اللماذا هي التي ترافقني. لماذا العراق يخرج من حزن ويدخل في حزن أكبر اظلم وأشدّ من سابقه؟ وهل يستطيع ثمة احد ان يرفع عنا هذا الغبار التاريخي؟ سأسأل إمراة سوداء مثلي طالما اهتممت بطروحاتها هاهو رقم كونداليزا رايس:
- هاللو مس كوندي.
- هاللو.. من؟
- أنا مواطنة عراقية سوداء.
- اوه سوداء هذا رائع! ماذا تريدين؟
- أسأل: متى تخرجون من العراق، لعل حزني يكون اقل..
- ستحدث حرب أهلية هل توافقين على ذلك؟
- وهل تظنين أن الحرب بوجودكم غير قائمة : انظري إلى ملف المهجرين أنظري إلى ما يحدث في كركوك والبصرة وديالى
- هل أنت سياسية؟
- تطلبين مني ان اكون قحبة!
- لديك فكرة سيئة عن السياسة
- ولدي فكرة سيئة عن الولايات المتحدة أيضا
- أنت أرهابية!
- موت الكرفكم مثل الموت اللي يكرف بينا.. قولوا آمين..
- انتهت المكالمة!
سأذهب الى المرافق لأبكي من جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-