الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا يا أخر عناقيد الماركسية...!!

منصور السروري

2019 / 10 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


اتصل بي قبل شهر رمضان، وتحدثنا أكثر من نصف ساعة عبر الهاتف، واذكر أني سجلت مكالمته...أتمنى العثور عليها وألا تكون قد انحذفت عندما فرمت الهاتف.

استصغرت نفسي أمامه....

رغم ظروفه الصحية من أمراض السكر، والمعدة، وغيرها، والنفسية سواء جراء انقطاع حقوقه المالية، والوظيفية المستحقة منذ أكثر من عقد، أو جراء آثار الحرب بانقطاع بقية الراتب، وظروفه المعيشية الصعبة، ومع ذلك تفاجئت به يتصل بي ليطمئن عني، ويؤكد اشتياقه لرؤيتي بعد سنوات ثلاث من افتراقنا حيث طرت من العاصمة على اثر تأكدي بمراقبة الحوافيش لكل تحركاتي حينها.

نعم استصغرت نفسي وأنا أرى رقم المناضل الطليعي اليساري والمثقف النوعي، والمستشار القانوني اﻷلمعي، اﻷديب والاعلامي الأستاذ ياسين ناشر.

هو الذي اتصل رغم كل الموانع التي تجعله لا يتذكرني بخياله، ولست أنا من اتصل به.

ياسين ناشر سكرتير الأستاذ عبدالله باذيب، وعلي عبد الرزاق باذيب.

من مؤسسي مجلة الثقافة الجديدة التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

كان مدير عام الشؤون القانونية بوزارة الاعلام عقب قيام دولة الوحدة 1990.

بعد حرب 1994 رفض أن يكون أداة تطوعها كما تشاء مافيا الاستخبارات التابعة لنظام صالح، ووصل الأمر الى حد المواجهة والاشتباك مع مطهر تقي وكيل وزارة الاعلام فلم يرضخ، وعندما تم استبقاءه ببيته براتب فقط محرد من مزايا استحقاقاته الوظيفية لم ييأس، واستخرج أحكاما بعد سنوات كانت لصالحه، لكن عندما يكون غريمك النظام الفاسد أين ستشتكي به؟...لهذا بقت أحكاما بيده تنتظر التنفيذ....حتى مل من حملها.

جدارته وضراعته القانونية جعلته يكتب عددا من المقالات قبل عقد ونصف العقد بصحيفة الثوري، لو جمعت لنافت عن كتاب مهم جدا كون تلك المقالات شاهدة على مرحلة مهمة من نظام ما بعد 1994 الفاسد الذي قاد البلاد والعباد الى ما نحن عليه اليوم.

وكانت مقالات الفقيد ياسين ناشر حينها واحدة من اهم التفسيرات القانونية والشروحات العميقة لطبيعة النظام الفاسد، وتجاوزاته للدستور والقوانين والأخلاق بسياسات لن تفضي الى بجر الوطن الى الضياع.

أتمنى العودة لارشيف صحيفة الثوري وغيرها من الصحف للتأكد من حقيقة ما أقوله بشأن كتابات الفقيد ياسين ناشر.

تألمت قبل عشر سنوات حينما كنت أسير معه بشارع هائل سعيد أنعم، وهو يقول لي بما أن لديك أصدقاء باحثين، وتعرف مؤسسات حقوقية وثقافية أن تعرض عليها استعدادي لبيع أرشيفي الذي جمعته محتويات وثائقه من نهاية الستينيات، وفيه وثائق بعضها تعود للاربعينيات للحركة الوطنية بمختلف مساراتها السياسية والنقابية والتاريخية بحكم عملي مدير تحرير لأكثر من مجلة ثقافية في الجنوب وبعد الوحدة.

نعم عرض علي بيع ارشيفه، تحت دافع الحاجة التي جعلت من عزة نفسه ألا يتقدم لوزارة الاعلام بطلب ما يستحقه من رعاية وحقوق، والا يستجدي أحدا من الناس المساعدة، وانما يعرض بيع مكتبته الثقافية، وارشيفه النادر كي يستطيع مواجهة التزاماته الخاصة، وربما للعلاج من العلل المرضية التي بدأت تتعدد أنواعها وتهاجم صحته وعمره بشراسة.

وطبعا وجدت صعوبة في العثور على من سيقدر ذلك الأرشيف الثمين، فصرفت النظر عن مجاراته ببيعه، على أمل أن نجد بدائل أخرى له لمواجهة مشاكله، وكنت قد بدأت أعرف بعض المراكز الحقوقية لقدراته القانونية كمستشار لها، الا أن اندلاع الحرب عام 2015 حالت دون ذلك.

لا يمكنني أنسى أنه مع نهاية عام 2014 كان قد اختصني بالاطلاع على مذكراته الخاصة....

ووجدت فيها كنزا من المعلومات المهمة لا توثق لسيرته فحسب، وإنما لمحيط أوسع هو محيط وزارات الثقافة والاعلام بالجنوب والشمال، وبعد الوحدة فقد كان ياسين ضمن الذين عملوا بلجان الوحدة في فترة السبعينيات، والثمانينيات.

لهذا فمذكراته لا توثق لسيرته فقط، بل وتعتبر جزءا أصيلا ومن المراجع الخلفية المخفية لمسارات الوحدة اليمنية.

***

من أين ابدأ الكتابة عن ياسين ناشر...؟

وكيف سأنتهي منها، وأنا في اﻷصل لم ابدأ بعد الكتابة عنه...؟

ما هذه السطور الا اختزال سريع لبعض الملامح الخاصة بذاكرتي عن الفقيد الكبير ياسين ناشر.

ياسين العاشق عدن حد الثمالة.

العاشق للانعتاق والحرية.

ياسين القارئ بعقلية تاريخ هذا البلد.

أخر تلاميذ الشيوعيون الكبار...!

من كان اذا تحدث بمجمع او مجلس بشأن قضية ما إلا وصمتنا جميعا أمام قوة تحليلاته، وتوصياته العميقة.

كان من الثلة القليلة بهذا البلد الذين يعرفون أين تكمن مشاكل اليمن بجناحيه الجنوبي والشمالي، وأين تكمن الحلول.

للأسف الشديد لم تستثمر قدرات ياسين ناشر الفذة لا في القانون، ولا في الثقافة، ولا في الادارة، تعمدوا تهميشه، وظيفيا، ومنعته أصالته الفكرية والثقافية عن أن يسوق قدراته لدى الأحزاب فهو الشيوعي الماركسي الذي لا يمكن أن يكون الا ماركسيا أصيلا، ونقابيا

ثوريا فلذلك آثر العيش بصمت على أمل أن الغد سيولد أفضل بفجر صبي.

ولكنه رحل قبل أن يولد فجر الوطن الصبي.

وداعا يا أخر عناقيد الماركسية الفذة.

ستبقى ملامحك، ومآثرك فينا حية خالدة على الدوام.

اعذرني عن هذا الاجتزاء بالكتابة عنك لسببين الأول رحيلك المفاجئ، والأخر أني أكتب من هناك....من داخل جبهات الحجرية الصامدة في وجه الميلشيات الحوثية، وضد مشاريع الخراب الجديدة.

وعد لك ألا أنساك، وأن أكتب عنك ما يليق بك ما دمت ان شاء الله باقيا على قيد الحياة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز