الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكمة الجزائرية : قفوا لهم (اسبوعياً) بالمرصاد!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2019 / 10 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


كانت للانتفاضات أو الثورات العربية أو "الربيع العربي" كما سماه الأمريكيون موجات ارتدادية متعاقبة هنا وهناك ، ولمدة ثمان سنوات متواصلة ، وعلى شكل موجات لانتفاضات موضعية ـ أي قطرية وليست عربية شاملة ـ كالذي حدث في مصر مرة وفي الأردن مرة ، وفي أقطار عربية اخرى بدرجات مختلفة ، لكن يبقى ما حدث عام 2011 هو الموجة الأصلية للانتفاضات العربية وما تلاها مجرد (موجات ارتدادية صغيرة لها)!
ومع هذا فإنها جميعها من الناحية التاريخية ومهما بلغ حجمها ، تدل على غليان مجتمعي داخلي متواصل لم يهدأ ولن يهدأ ، إلى أن يحقق تغيراً جذرياً وشاملاً في الذات العربية ويحطم بنيتها التقليدية على جميع مستوياتها: المعرفية والقيمية والمفاهيمية والمجتمعية والفكرية والسياسية والاقتصادية.......................الخ
ويبدو أن ما حدث ويحدث اليوم في كل من الجزائر والسودان وانتفاضة العراقيين الحالية ، هي انفجارات متواصلة على الطريق نفسه ، وتبدو أنها انتفاضة شمولية وليست موضعية أو قطرية صغيرة ، ولهذا يمكن أن نسميها بــ (الموجة الثانية) لتلك الانتفاضة العربية الأصلية بعد موجتها الأولى!
فالموجة الأولى : وكما هو معروف للجميع قد أعطت نتائج كارثية في غالبيتها ، على عموم المجتمع والوطن العربي!
أما (هذه الموجة الثانية) : فتبدو وكأنها عملية تصحيح لمسارات الموجة الأولى ، مستفيدة من أخطائها القاتلة!
*****
ففي موجة الانتفاضات العربية الأولى في عام 2011 واثنائها قد تحول البعض من تلك الانتفاضات العربية إلى "ربيع أمريكي" خالص ، ولصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية .. فقد تم من خلالها:
• (إعادة احتلال المشرق العربي) بكامله تقريباً!
• (التطبيع العلني مع "إسرائيل")!
• تفكك النظام العربي الرسمي بأكمله ، وتحول معظم الأقطار العربية ـ كبيرها وصغيرها ـ إلى توابع دولية وإقليمية!
• تحول معظم تلك الثورات بفعل تلك القوى ، إلى "ثورات مضادة" وحروب أهلية ومذابح دموية وجرائم ضد الإنسانية ، في كل من سورية وليبيا وحتى في اليمن وأماكن أخرى من أرض العرب!.
• تحول انتفاضة المصريين وثورتهم ( ثورة يناير2011) إلى "ردة سوداء" عن الثورة وأهدافها ، وحتى عن الأهداف والقيم الوطنية المتأصلة في البلاد ، وارتماء كامل في أحضان الإمبريالية الأمريكية والصهيونية و "إسرائيل" ، على يد السيسي وأتباعه ومناصريه ، في الخارج والداخل!

الاستثناء الوحيد عن هذا المصير كانت تــــونــــس: فهي مهد الثورة الأول وموطنها الأصلي وفيها وحدها نجحت الثورة ، وأخذت تشق طريقها نحو أهدافها بنجاح ، وتحولت إلى حالة نضالية رائدة وممارسة ديمقراطية الجوهر ، وتتقدم كل يوم بخطوة ثابتة نحو أهدافها ، وإن كان بصعوبة وبشق الأنفس ، وهكذا هو قدر الثورات الأصيلة دائماً ، يفرش دربها بالمصاعب والأشواك وليس بالورود وحدها!!
*****
أما هذه (الموجة الثانية) : ونعني بها ما حدث ويحدث اليوم في كل من: الجزائر والسودان وانتفاضة العراقيين الحالية:
فهذه الانتفاضات الثلاث تمت بصلة رحم قوية لتلك الانتفاضات والثورات العربية الأصلية ، وتشكل استمرارية زمانية لهن ، وبعيدة عن ذلك "الربيع الأمريكي" المشؤوم وأصحابه المتصهينين ، وتبدو أيضاً أنها قد تعلمت من أخطاء شقيقتها الكبرى (الموجة الأولى) وأخذت تتجنبها ، ولهذا أحرزت نجاحها الباهر في الجزائر ونجاحها الأقل ابهراً في السودان ، ونجاحها الواضح الآن في انتفاضة العراقيين الحالية!

والأشقاء الجزائريون هم الذين دشنوا هذه الموجة الثانية للانتفاضات العربية الباسلة:
وهذا ليس غريباً الجزائريين ، فهم أصحاب باع طويل في اشكال وأساليب النضال وتكتيكاته المختلفة ، وربما ورثوا هذه الميزة عن أبائهم وأجدادهم "المجاهدون الجزائريون"!
فقد اختطوا بانتفاضتهم الحالية طريقاً فريداً في النضال (الديمقراطي السلمي) ، وفي تعبيرهم عن مصالحهم ومطالبهم السياسية والاجتماعية وفي تغيرهم للسلطة الفاسدة ، بالصبر والمطاولة والاستمرار بمظاهراتهم السلمية ووقفاتهم الاحتجاجية اسبوعياً (كل يوم جمعة) بالعاصمة الجزائرية ومدن أخرى ومنذ حوالي ثمانية أشهر متواصلة ، دون توقف ولا كلل أو ملل وبتصاعد اسبوعي مستمر حتى أسقطوا اصنامهم الفاسدة ، دون أن يسقط لهم ضحايا.. وهذا هو أعظم دروس الجزائريين!
فقد استطاعوا بنضالهم الفريد هذا أن يسقطوا :
 رئيسهم المقعد (عبد العزيز بو تفليقة)!
 والحكومة الجزائرية بكامل أعضائها!
 تقديم كبراء وجميع الفاسدين إلى محاكمات فورية وعاجلة!
 ويسقطوا مع كل هئولاء جميع حاوشيهم ومرتزقتهم ورموزهم وذيولهم الطويلة ، التي عششت في جميع مفاصل وخلايا الدولة الجزائرية ، وشكلت "الدولة العميقة" فيها!
لكن.. ورغم كل هذا الانجازات الكبيرة بإسقاط كل الطغمة الفاسدة في البلاد ، لم يكف الجزائريون عن مظاهراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية الأسبوعية ، رافضين حتى الانتخابات الجديدة الموعودة وجميع النتائج المترتبة عليها ، لأن المشرفين على إجرائها هم من سدنة النظام السابق ومن ذيوله الطويلة أنفسهم ، وحتماً ستكون لهؤلاء ـ كما يعتقد الجزائريون ـ يد في النتائج النهائية لهذه الانتخابات الجديدة ، ولهذا هم مستمرون وسيستمرون بمظاهراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية الاسبوعية!
وبهذا الأسلوب الفريد ستكون الجزائر أمثولة في (النضال السلمي الديمقراطي) ، كما كانت أمثولة في (النضال المسلح ضد الاستعمار) ، والذي قدمت فيه (مليون ونصف المليون شهيد) على مذبح حريتها وتحررها من الاستعمار الفرنسي!

وكما كانت تونس موطن الانتفاضات العربية الأولى وملهمتها وعنوان (موجتها الأولى) ـ رغم انحراف معظمها ـ فإن الجزائر اليوم هي موطن هذه (الموجة الثانية) للانتفاضات العربية ، وهي أيضاً ملهمتها لكل من السودان والعراق ، وحتى لحراك المصريين الأخير الذي وأده السيسي بوحشية ، وهي موجة أصيلة ستبقى أبوابها مفتوحة على أقطار عربية أخرى!
ويبدوا أن المغرب العربي بثورات وانتفاضات تونس والجزائر :
قد أصبح هو مركز الثقل والفعل الثوري العربي وملهمه الأول ، بعد أن كان المشرق العربي هو مركزه على مدى تاريخ الطويل!!
*****
والعراقيون اليوم ـ بانتفاضتهم الحالية ـ هم أحق الشعوب بوراثة (حكمة الجزائر الرائدة) هذه ، وأمثولتها في النضال الديمقراطي السلمي وفي القضاء على الفاسدين والمفسدين ، والتعلم في/ومن هذه المدرسة النضالية السلمية الثورية!
وأول مادة يجب أن يتعلمها العراقيون في مدرسة الجزائر النضالية... هي:
 في أولها ورأس أولياتها : استمرار مظاهرات الشعب ووقفاته الاحتجاجية بنفس طويل دون توقف أو تلكؤ أو ملل!
 وفي ثانيها: يجب أن يستمر الضغط على السلطات الحاكمة كي تنفذ ما وعدت الشعب به من حلول ، وإن كانت جميعها حلولاً ترقيعية!
لأن مشكلة ومشاكل هذا النظام السياسي في العراق بنيوية في طبيعة تكوينه وليست إصلاحية ، حتى يمكن حل اشكالاتها بمثل هذه الحلول الترقيعية ، وعليه يجب أن تكون أهم أهداف المنتفضين تغير جوهر وبنية هذا النظام!!
 وثالثها: أن تكون مظاهراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية اسبوعية أو شهرية ـ وحسب الحاجة ـ على أن تقوم في أيام العطل الرسمية (كالجزائريين) كي لا تؤثر على سياقات الحياة والعمل وكسب العيش في دوائر الدولة ومؤسسات المجتمع المختلفة ، وحتى لا يتضرر الشعب منها ويصبح هو الحاضنة الاجتماعية لهذه الانتفاضة الشعبية!
 ورابعها: تكون انتفاضتهم هذه سلمية وديمقراطية خالصة وبعيدة عن العنف ، وتفرز المندسين عليها أولاً بأول!
 وخامسها: أن يكون حراك الجماهير العراقية هذا عبارة عن "ثورة مستمرة" دون توقف ، حتى تحقق كامل أهدافها!
 وسادسها وربما أهمها: أن تكون كل مظاهرة أو وقفة اسبوعية أو شهرية وفق برنامج معين ، ومخصصة لمطلب شعبي بعينه .. كأن يـــــــــــــــــــــــــكون:
 أسبوعاً : لكسر المحاصصة الطائفية والسياسية مثلاً!
 واسبوعاً: ضد الفساد والفاسدين المفسدين!
 واسبوعاً: للمساواة بالرواتب وتخفيض رواتب النواب والرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة ، وتدوير فائضها للرواتب الأقل في سلم الدرجات الوظيفية!
 واسبوعاً: لتوفير فرص العمل للشباب وحاملي الشهادات العليا والجامعية!
 واسبوعاً: لتوفير السكن اللائق للمحتاجين ، والأولوية لمن هم تحت خط الفقر!
 واسبوعاً: للنازحين والمهجرّين وإنصافهم ، وتعمير مناطق سكناهم!
 واسبوعاً: لإعمار المناطق المدمرة والمهدمة في عموم العراق!
 واسبوعاً: للتعليم وجودته ولبناء المدارس وزيادة عددها مع كادرها!
 واسبوعاً: للصحة وتحسينها وبناء المستشفيات وجودة الخدمات ومجانيتها!
 واسبوعاً: للحصة التموينية التي قلصت إلى [ما دون نسبة 10% بالمائة فقط] عما كان يستلمه المواطن في السابق!
 واسبوعاً: لإحياء الزراعة والصناعة الوطنية المعطلة حكومياً وليس فنياً أو مادياً ، وحمايتهما من المنافسة الأجنبية بوضع رسوم جمركية باهظة على المستورد!
 واسبوعاً: لحرية المرأة وحرية النقابات وتفعيل ادوارهما الوطنية ، وصيانة حقوقهما الإنسانية!
 واسابع وربما أشهر وسنين .. تخصص لحقوق وطنية واجبة التنفيذ ، وديون للوطن والمواطن في رقبة السلطة آن أوان سدادها اليوم ، وهي ديون بقيت معلقة ويرقى تاريخها إلى أول أيام قيام هذه السلطات العراقية المتعاقبة بعد الاحتلال!
*****
وبالإضافة إلى ما تقدم من الواجب تخصيص اسابيع متتابعة لفعاليات اجتماعية وليست مطلبية أو سياسية فقط ، يتعلم فيها الشباب معنى الوطنية الحقيقي متجسداً في "الخدمة المدنية" الطوعية .. مثلاً:
أن يقوم الشباب بحملات توعية صحية بتنظيف الشوارع والمدن العراقية من أوساخ متراكمة شوهت وجه العراق ومدنه وبلداته وتجميلها ، واسبوع لإدامة وتنظيف المدارس والمستشفيات ، أو خدمة المرضى والمسنين في دورهم..........والخ من اعمال خدمية مشابه ، يمكنها أن تجسد معنى الوطنية كحقيقة تعاش ، وليس كنظريات وكلمات يستطيع الجميع قولها!
فالوطنية ليست سياسة فقط ولا مظاهرات وحرق اطارات فقط ، إنما هي واجبات على الشباب قبل أن تكون حقوقاً لهم ، ليؤدوا من خلالها جميعها دوراً وطنياً مشهوداً يرضي نوازعهم الوطنية والإنسانية ، ويقربهم من الناس كشاهد على صدق وطنيتهم واخلاصهم الآن ، أو إذا ما وصلوا مستقبلاً إلى مستوى المسؤولية.. فالخدمات الاجتماعية هي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها المواطن الوطنية والمسؤولية والمعاني الإنسانية مجتمعة!!
وواضح جداً أن هذا البرنامج بشقيه: السياسي والاجتماعي حافل وقريب من المثالية:
ونجاحه يحتاج إلى أسابيع واشهر وربما سنوات طويلة ، من النضال اليومي والتظاهرات والاحتجاجات المتواصلة ، ومن الضغط المستمر على السلطة كي تحقق ما وعدت به شعبها ، لأن هذه السلطة العراقية بنسخها المتعددة منذ الاحتلال إلى اليوم ، قد عودتنا على (النكوث بوعودها) بعد أن يخف الضغط عنها ، فتعود "حليمة إلى عادتها القديمة" وكأن شيئاً لم يكن: لا دماء سفكت ، ولا أرواح أزهقت ، ولا اصابات حدثت ، لمئات من الشهداء وآلاف من الجرحى والمصابين والمعذبين والمعاقين ، في مظاهرات واحتجاجات حالية وسابقة مختلفة!!

لقد علمتنا التجربة المرة مع هئولاء المتسلطين على رقبانا منذ ستة عشر عاماً.. أنهم :
لا يفون بعهودهم ، ولا ينفذون وعودهم ، ولا يستمعون لشعبهم ، ولا سبيل لتقويمهم ، إلا بانتفاضة دائمة ومستمرة ولا تتوقف إلا بعد تحقيق كامل أهدافها ، وباستلهام الشباب للـ (التجربة الجزائرية) والعمل وفق (الحكمة الجزائرية) .. وهي :
استمرار الشباب بمظاهراتهم السلمية ووقفاتهم الاحتجاجية هذه دون توقف ـ إلى أربعينية الإمام الحسين على الأقل ـ حتى تسقط جميع الرؤوس الفاسدة ، مع اصرار قاطع على كل مطلب من تلك المطالب المشروعة ، إلى أن ينفذ فوراً ما هو ممكن التنفيذ الفوري ، ويباشر بتنفيذ ما هو متوسط أو طويل الأجل حتى يكتمل ، وتحت عيون الشباب ومراقبتهم الدائمة!
وبهذا ستتحول انتفاضتهم الباسلة هذه وتنسيقياتهم المختلفة إلى (مؤسسة رقابية شعبية) موازية لمؤسسة (البرلمان الرسمي) المطعون بشرعيته!
وعند هذا ستتحول انتفاضة شباب العراق المستعرة الآن ، إلى (ثورة حقيقية مستمرة ودائمة) يسترجع بها العراقيون ثروتهم المسروقة وحقوقهم المسلوبة وقواهم المعطلة وأدميتهم المفقودة ، ويسترجع العراق بهم ومعهم شبابه وحيويته ودوره التاريخي المشهود ، كقطب إقليمي حيوي وفاعل في إقليمه وفي العالم أجمع ، وهو الدور الذي شغله على مدى تاريخه الغائر في عمق الزمان ، بدلاً من دوره الباهت والمهين الحالي ، كتابع صغير لقوى دولية ولقوى إقليمية في المنطقة!!

ملاحظة:
كتب ببغداد في اليوم الرابع لحراك الشباب (الجمعة: 2019-10-4) ومظاهراتهم واحتجاجاتهم المتواصلة ، لكن قطع الأنترنت هو الذي أخر نشره في حينه!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج